الرهان على المؤتمر الاقتصادى لم يتبق على شهر مارس سوى بضعة أسابيع ويبدو ان الدوائر الاقتصادية ترغب فى اصدار قانون الاستثمار الجديد قبيل انعقاد المؤتمر الاقتصادى الموسع حيث الرهان عليه في اجتذاب استثمارات جديدة تواكب ما تم إنجازه في مشروع قناة السويس. ولذا فإن كل أصحاب المصلحة فيسباقمع الزمن لوضع تصور عما يجب ان يكون عليه هذا القانون. فالمشاركة المجتمعية على أشدها والتحاور في كافة الدوائر لم ينقطع فيما يبدو انه بوادر اختلافات جوهرية في التوجهات والمبادئ والمعالجات بل امتدت الى المرجعيات الفكرية بخلافما تولد من تضارب المصالح بين كل تلك الجهاتمما أوصل عدد المعالجات والمشاريع المقترحة الى أثنى عشر صياغة مختلفة وتزيد! ولو فرضنا جدلا انه تم بالفعل التوافق على صيغة مقبولة من كل أصحاب المصلحة فسيصدر القانون الجديد بمعزل عن باقى القوانين الاقتصادية وبالتالي أتوقع الا يكون له أثر يذكر على قرار المستثمر لأنه– اى المستثمر- سيطبق بديهيا مبادئ الفكر المنظومى وسيكون ردة فعله الأولى: "ماذا عن قوانين العمل والتأمينات الاجتماعية والبنوك والصناعة (من 1958) والشركات والضرائب والجمارك الاستيراد والتصدير والنقد والتراخيص والمحليات وحماية الملكية الفكريةوالمروروالخروج من الأسواق وباقى قوانين الحزمة الاقتصادية. ثم ماذا عن نظام التقاضى وفض المنازعات والعدالة الناجزة التي هي أساس المناخ الجاذب"؟؟؟ وبالتالي فالتساؤل المرجح هو .... من قال ان اصدار هذا القانونفي هذه الطروف هو النهج الأمثل لأقناع المستثمر ان مصر هي الأجدر باستضافته هو وامواله؟ الدوافع فى اصدار قانون الاستثمار قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى ما رأيته من مشاريع وصياغات للقانون محل الدراسة هو انها تهدف الىإيجاد حلول لتراكمات الماضى ومشاكل المستثمرمن ناحية وكذلك بث رسالة طمأنة بأننا نتدارك سلبيات الماضى ونضع حلولا لها. غير ان تنوع طبيعة تلك المشاكل وتشعبها جعلت تلك الصياغات تبدو وكأنها غير مترابطة بل وصلت الى حد التناقض كما انها تخطت حواجز وحدود قانون الاستثمار وتداخلت وتعارضت معبعض مواد القوانين الاقتصادية ذات الصلة. ومكمن الخطر هنا ان اصدار هذا القانون بهذا الفكر سيأتى حتما بنتيجة عكسية تماما لما نستهدفه.
فلو قدر للمؤتمر الاقتصادى النجاح الذى نتمناه له فقانون الاستثمار ما هو الا قمة الجبل الجليدى في مجموعة الإصلاحات المنشودة. أما تحت سطح المياه فهناك تطلعات نحومنظومة اقتصادية متكاملة مبنية على مبادئ المأسسة الفاعلة والجامعة (اى غير المستخلصة) لكل قطاعات الدولة مع تفعيل لنظام ادارى مرن وناجز يضع مبادئ ال لامركزية في بؤرة اهتماماته ومدعوما بقضاء عادل وسريع وتشريعات شفافة وإجراءات بسيطة وواضحة تقتلع الفساد من جذوره التشريعية والبيروقراطية. وكما هو الحال عند صياغة الدساتير فأن التوافق على المبادئ الحاكمة يسبق صياغة مواده وبالمثل فأننا-وقبل ان نتوجه الى المستثمر القادم-ما زلنا في حاجة ماسة الى التوافق على المبادئ الاقتصادية التي ستؤسس عليها باقى منظومة القوانين لأننا لم نحسم أمرنا بعدعن طبيعة النظام الاقتصادى والسياسى والاجتماعى الذى ننشده فهل نؤمن بالنظام الاقتصادى الكينيزى ام الليبرالى الجديد ام الكلاسيكى الجديد ام هو خليط من الفكر الاشتراكى المعتدل وما هو موقفنا من قوانين العمل التي أدت بنا ان نكون من اقل دول العالم انتاجا وأكثرها تدليلا لغير المنتجين هذا بخلاف الاحكام الأخيرة التي صدرت بإلغاء خصخصة بعض الشركات بعد عدة أعوام من انتقال ملكيتها والتي لا مثيل لها في العالم وكان لهذه الاحداثاكبر الاثار في إعادة التساؤلات الى أذهان المراقب حول طبيعة توجهاتنا وقد علق بالفعل في وجدان المستثمرين أننا فقدنا البوصلة ولم نعد نعرف الى اين وجهتنا والى اى تيار ننتمى. ماذا عن المؤتمر الاقتصادى؟ بناء على ما تم سرده فقد يكون التحرك الرسمي على محورين: أولهما إجراء بعض التعديلات المحدودة على القانون الحالي وبغرض معالجة أوجه العوار البيّن في فحواه والتي ألحقت ضربات موجعة لمنظومة الاستثمار وحيث انها مجرد تعديلات محدودة فلا يلزم ان تتطرق الى كل التفاصيل التي وردت في مشروعات القوانين التي تناولتها القوى المجتمعية. وقد تكون هذه الخطوة كافية كأحد اركان أثبات حسن النوايا.
أما المحور الثانى فهو استرجاع وتعظيم قيمة رأس المال غير الملموس المتمثل في ببث رسالة ثقة وطمأنة موجهة للعالم أجمع بانه سيتم معالجة مجموعة القوانين الاقتصادية كحزمة متكاملة ومترابطة ضمن منظومة متجانسة مبنية على فكر واضح ومبادئ اقتصادية سديدة وصياغة قانونية سليمة. هناك اليوم احساس بالتفاؤل بالمستقبل والكل متحفز للانطلاق ولكن رهن إشارة إيجابية بأن الرغبة السياسية في احداث التغيير حقيقية وصادقة وان الدولة جادة في اجراء التغيير المنشود. لو تم بث هذه الرسالة بقوة وحزم كخطاب وتوجه أجمعت عليه كل القوى المجتمعية، فأن هذا كفيل بتعميق الثقة المجتمعية التي هي بمثابة الجدارة الائتمانية لرأس المال الاجتماعى ومنظومة القيم غير الملموسة وهي اليوم القاطرة الاقتصادية الحقة فى منظومة القيمة واحداث الرخاء المنشود. ونرى انه حال استقرار الاوضاع السياسية والامنية حتى وان لم تقم الحكومة بالخطوات المطلوبة فورا وقبل انعقاد المؤتمر فأن الاقتصاد سينمو من تلقاء نفسه بسبب هذا المناخ العام المتفائل والثقة المجتمعية. ويجب الا نتناسى ان النمو الاقتصادى فى ظل القوانين الحالية كان قد وصل بنا الى حدود ال 7% وبالرغم من القصور الشديد فى المنظومة الاقتصادية الا ان راس المال الاجتماعى والثقة المجتمعية كانت وراء ارتفاع هذه المعدلات... أما الطفرة والقفزات المرتقبة فهذه رهن المراجعة الشاملة التي أسهبنا في سردها.