ظننت بعد حادث البحيرة الدامي ومن قبله حوادث إهمال كثيرة حصدت أرواح العشرات من فقراء هذا الوطن، وتحديدا في حكومة محلب أن تقوم هذه الحكومة بتقديم استقالتها أو يقوم الوزراء التي تقع الحوادث في نطاق اختصاصهم وفي مقدمتهم وزير التربية والتعليم والصحة بالاستقالة، أو تقديم المسئولين الحقيقيين عما يحدث من جرائم للتحقيق والمحاكمة بدلا من الاكتفاء بنقلهم، خاصة وزارة الدكتور محمود أبو النصر التي أصبح شعارها " 2014 .. عام دراسي بلون الدم. فهذا الوزير أصبحت وزارته صاحبة أكبر كارثة في تاريخ العملية التعليمية فيما يخص الإهمال الذي يتعرض له الطلاب داخل مدارسنا فمنذ بداية العام الدراسي وحتى الأن راح ضحية الإهمال في المدراس ما يقرب من 25 طالبا كان آخرهم احتراق 19 تلميذا بمدرسة الأورمان بالبحيرة وإصابة 18 آخرين. هذا بخلاف ما رصده المركز المصري للحق في التعليم خلال الفترة من 20/9/2014 وحتى 19/10/2014 والذي كشف عن 7 حالات وفيات بين الطلاب و4 حالات أغتصاب و27 حالة إصابة و6 حالات انتهاك للطلاب بيد المعلمين ومحاولتين انتحار و38 حالة تحرش و10 اعتداءات على المعلمين ووجود 129 مدرسه بلا أسوار و31 مدرسة آيله للسقوط.. أما وزير الصحة فحدث ولا حرج فمستشفياته لم تستقبل حتى الآن كوارثنا الكبرى نظرا للحجة الجاهزة وهي عدم وجود إمكانيات لاستقبال الطوارئ ويكون البديل هو تدخل الجيش. وفي كارثة البحيرة الأخيرة حدث ولا حرج فكان أداء وزارته يمثل الإخفاق بعينه بداية من عدم وجود استقبال طوارئ وعدم استعداد المشرحة بمستشفى دمنهور، وكذا تعامل العاملين بالمستشفى مع أشلاء جثث الأطفال على أنها لا تساوى شيء ورميها في الشارع وفي الطرقات دون مراعات للحادث أو الأزمة. أما ما يثير الغضب هو التصرف المستفز واللإنساني من وكيل التربية والتعليم بالبحيرة يوم الحادث الدامي عندما خرج بتلاميذ المدارس عقب الحادث رافعين أعلام مصر، وخلفهم مجموعة من المدرسين تلقنهم هتافات «كلنا معاك يا سيسى» وعلى الجانب الآخر يقف رئيس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، الذي جاء لتفقد آثار حادث دمنهور.. المشهد الذي أثار غضب أهالى المحافظة، خاصة وأن هناك 19 جثة متفحمة لأشخاص أبرياء لم يوارِهم التراب. في حين برر وكيل التربية والتعليم بالمحافظة الأمر بأن التلاميذ خرجوا من تلقاء أنفسهم لتوديع زملائهم الضحايا.. والسؤال مثلا ما علاقة توديع الضحايا بالهتاف للسيسي وأخذ البركة من محلب؟ وقتها كنت أنتظر من رئيس الوزراء أو وزير التربية والتعليم وقفه عن العمل.. أو تقديم الجناة الحقيقيين عن الحادث للعدالة والحساب وفي مقدمتهم الوزير نفسه. وهنا أعود بالذاكرة إلى مرافعة القدير أحمد زكي في فيلم ضد الحكومة عندما قال "هنت عندما هان كل شيء وسقطت كما سقط الجميع فى بئر سحيق من اللامبالاة والإحساس بالعجز وقلة الحيلة" وأكمل " اصطدمت بالمستقبل .. نعم .. صبي من الذين حكم عليهم أن يكونوا ضمن ركاب أتوبيس الموت رأيت فيه المستقبل الذي يحمل لنا طوق نجاة حقيقي رأيتنا نسحقه دون أن يهتز لنا جفن نقتله ونحن متصورون أن هذه هي طبائع الأمور؛ كان لابد لي أن أقف.. أن هذه جريمة كبرى لابد أن يحاسب من تسبب فيها.. إني لا أطلب سوى محاسبة المسئولين الحقيقيين عن قتل عشرين تلميذا لم يجنوا شيئا سوى أنهم أبناؤنا أبناء العجز والإهمال والتردي. .. كلنا فاسدون .. كلنا فاسدون .. لا أستثني أحدا .. حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة" وهنا أعود مرة أخرى لنهاية مرافعته عندما خاطب رئيس المحكمة " سيدي الرئيس كل ما أطالب به أن نصلي جميعا صلاة واحدة لله الواحد.. إله العدل الواحد الأحد القهار. لست صاحب مصلحة خاصة وليست لي سابق معرفة بالشخوص الذين أطلب مسائلتهم ولكن لدي علاقة ومصلحة في هذا البلد لدي مستقبل هنا أريد أن أحميه .. أنا لا أدين أحد بشكل مسبق ولكني أطالب المسئولين عن هذه الكارثة بالمثول أمامكم فهل هذا كثير ؟ أليسوا بشرا خطائين مثلنا أليسوا قابلين للحساب والعقاب مثل باقي البشر!! سيدي الرئيس أنا ومعي المستقبل كله نلوذ بكم ونلجأ إليكم فاغيثونا .. أغيثونا والله الموفق " وهنا أناشد السيد الرئيس ولكن ليس رئيس المحكمة إنما رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي. سيدى الرئيس أغيثونا .. في تلك الأثناء عادت بي الذاكرة مرة أخرى لأتذكر دور المسئول وشجاعة تحمله المسئولية لكن ليس في مصر إنما في بعض الدول الأخرى.. تذكرت عندما أعلن رئيس وزراء كوريا الجنوبية تشونغ هونغ وون في أبريل 2014 استقالته من منصبه وذلك وسط انتقادات لأسلوب تعامل حكومته مع حادث غرق العبارة الذي لقي فيه العشرات مصرعهم ونقلت هيئة الاذاعة البريطانية وقتها عن تشونغ قوله، إن بكاء أسر المفقودين مازال يقض مضجعي ليلا، مضيفا بالقول "اتحمل المسئولية والاستقالة كوني شخص مسئول عن الحكومة" ، وقدم بالنيابة عن الحكومة اعتذاره عن العديد من المشاكل من الحيلولة دون وقوع الحادث وتذكرت موقف وزير التربية والتعليم العالي الكويتي في 2013 عندما تقدم باستقالته من منصبه، وذلك إثر وفاة طالبة (11 سنة)، أثناء اليوم الدراسي داخل الفصل، في ظروف غامضة، مؤكدا أن هذه الخطوة جاءت لاستشعاره بحجم المسؤولية السياسية والأدبية في وفاة الطالبة. وكذا إعلان المتحدث باسم وزارة العدل الأمريكية أن الوزير إريك هولدر، سيتقدم باستقالته من الحكومة على خلفية التوتر العنصري في فرجسون بولاية ميزوري. وفي يوليو من هذا العام 2014 قدم وزير التعليم التايوانى تشيانج وى لينج استقالته على خلفية اتهامات بأنه على صلة بفضيحة نشر تتعلق بمقالات فى مجلة أكاديمية. وفي 2011 تقدم رئيس الوزراء الياباني "ناوتو كان" باستقالته من رئاسة الحزب الديمقراطي الحاكم في بلاده، مؤكدًا "سأستقيل كذلك من منصب رئيس الوزراء عندما يُنتخب قائدًا جديدًا" حيث كان يواجه انتقادات حادة تتهمه بالفشل في التعامل مع كارثة زلزال 11 مارس الماضي 2011 وموجات تسونامي العاتية التي أعقبته ضاربة الساحل الشمالي الشرقي لليابان. وسط كل هذا أقارن موقف وزير الكهرباء المصري عندما خرج علينا بتصريح عبر الهاتف لوكالة الأناضول ولا أدري لماذا تلك الوكالة التركية وجاء تصريحه ليقول "لم أقدم استقالتي وليس هناك نية للتقدم بها، ونفعل ما في وسعنا حتى لا تتكرر الأزمة مجددا" وذلك في أعقاب أزمة انقطاع الكهرباء التي شهدتها البلاد في الخميس المظلم .. ونفس الأمر تكرر مع وزير التربية والتعليم وتصريحاته الأخيرة بعد حادث البحيرة، حيث نفى الوزير ما تداولته المواقع الإخبارية حول تفكيره فى تقديم استقالته، قائلا إنه لم يقل ذلك، وعندما وجهت مذيعة قناة العربية سؤالا له متى يستقيل كان رده "نحن فى حرب ضد الإهمال والإرهاب وأنا جندى ولن أترك المعركة". في النهاية كنت أتمنى أن يخرج علينا مسئول كبر أو صغر ليعلن استقالته عن أي خطأ وقع في إدارته حتى نستطيع أن نقول لدينا مسئول يمتلك "شجاعة الاستقالة " ولكن ليس لدينا شجعان.