أثبتت مصر، بمُجمل خطابها الذي ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنها تصعد نحو القوة والنصر وكونها اليوم، دولة محورية ليس فقط إقليمياً ولكن على مستوى العالم، بسياستها ومبادئها الثابتة، والمُستمرة منذ حوالي الأربعون عاماً. فالسياسة الخارجية ورغم ثبات مبادئها وأهمدافها، تتقدم خطوات إلى الأام وتزداد صلابة وقوة، كلما اكتسبت الدولة قوة وبالتالي ثقة، وهو ما حدث في مصر، في 3 يوليو 2013، بعد اقتلاع الإرهابيين (الذين جاءت بهم أحداث 25 يناير) عن حكم البلاد، ومع الحرب ضدهم منذ ذاك الوقت. وقد أظهر السيسي تلك الاستمرارية السياسية المصرية المُستقرة على المبادئ، من خلال تأكيده نجاح مصر في القضاء على الإرهاب في التسعينات، ومحاربة مصر للفساد وكونها لن تعود للوراءط، كما أكد الرئيس مبارك في أحد خاباته، أثناء أحداث 25 يناير، حيث لا عودة لدولة يتمتع فيها الإخوان أو الخونة بأي مصداقية أو قوة بالتأكيد، وتستمر الدولة المصرية في مُحاربة الفساد بتسييد القانون فوق أي أمر غيره، حيث الجميع سواسية أمامه، في إطار التأسيس على قاعدة "المواطنة" في مصر. إن النتيجة الأولى النابعة عن هذا الخطاب، هو أنه وكونه "خطاباً دولياً"، موجهاً للمجتمع الدولي من الشعب المصري، وليس إلى الداخل المصري، أثبت شرعية "نظام ثورة 30 يونيو" على مستوى العالم، ولم يعُد هناك شك في أن ما حدث في 30 يونيو 2013 ثورة شعبية. فالذي يمثل مصر على منصة الأممالمتحدة، لا يُمكن إلا أن يكون مسئولاً حكومياً مُمثلاً لبلاده، ولا أحد غيره. وبذلك، يُصبح أي مُتحدث عن كون 30 يونيو انقلاباً، ليس إلا شبيه "بدون كيشوت" ومُحارباً لطواحين الهواء، وكلماته بلا قيمة على الإطلاق!!. وعلينا أن ندرك، أن أي خطاب، يحوي جزئين أساسيين: الجزء الأول: الديباجات والكلام المُنمق والمُقدم لغيره من الكلمات أو المُنهي للخطاب. الجزء الثاني: المبادئ والأُسس والأغراض، التي يرجو الخطاب إيصال رسائلها إلى المُستمع. ومن ديباجات الخطاب، تركيزه على كون مصر قادت ثورتين وليس ثورة واحدة هي بالتأكيد 30 يونيو، لأن السيسي، يجب وأن يُعبر عن الوضع "القانوني" الذي تُجسده الأوراق والمواثيق الرسمية في البلاد، ومنها ديباجة "دستور الإخوان المُعدل". ومن ذلك، أن 25 يناير "ثورة" وليست نكسة، لأن الشخصية الرسمية، غير تلك الحُرة، وهو بذلك مُلزم بما استقرت عليه الدولة ولو مؤقتاً، حتى إذا ظهرت أمور جديدة، وفقاً لأحكام القضاء، ووقتها يُصبح لنا حديث آخر. ولكن حتى وقتها، لنا مُطلق الحرية، أن نقر بالحقيقة التي يعرفها المصريون في أغلبهم، من أن 25 يناير مؤامرة على البلاد، وقد اقتُلعت مع مُفجريها، يوم أن أزال الشعب المصري حكمها، في 3 يوليو 2013، ويكفي في هذا الإطار، تركيز خطاب الرئيس في هذا الصدد، على الإرهاب الذي جاءت به 25 يناير ليحكم البلاد ويقتلعه الشعب في 30 يونيو من الحكم، ليسود المشهد في مصر منذ ذاك الوقت. وكمثال أوضح حول تقيُد المسئول بالكلمات بالمقارنة مع الشعب، أنه يجب عليه التعامل مع إسرائيل كونها دولة، بينما الشعب يرى أنها "العدو الصهيوني"!!. وقد أقر الرئيس السيسي حقيقةً، حينما قال إن "الشباب الطاهر" خرج ضد "حُكم الفرد" في مُظاهرات 25 يناير. كان هذا "إدراكهم" للأمور بالفعل، وليس بالضرورة أن مبارك كان يحكم وفقاً لرؤية "لحكم الفرد". أي أن السيسي لم يقُل أن مبارك كان حاكماً فرداً، ولكن أن من خرج كان يرى ذلك وفقط!!. إلا أن هذا، من أمور الديباجة في الخطاب ولكلُ حريته في أن يفهم الخطاب كما يريد، في سياق الأحداث منذ 25 يناير وحتى اليوم. ولا يجب أن نستهلك وقتاً طويلاً في تناول تلك الأمور، وإنما أوضح فقط ثانويته، والموقف منه شعبياً، وأننا كشعب، لسنا مثل المسئولين، كوننا نملك حرية أكثر في التعبير الذي كفلته لنا المواثيق المحلية والدولية. والتعليق عليه هنا، بسبب التناول بالأمس حوله في مواقع التواصل الإجتماعي، أكثر من غيره من النقاط الأهم. وأياً كان في تلك النقطة الثانوية، فقد أكد السيسي على الجانب الدولي في خطاب مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكثر من التأكيد على المحلي فيه، وبما يتماشى مع ما سبق وأن قاله السيسي في أحد خطاباته قبل انتخابه رئيساً للبلاد وتقلده منصبه ذاك. فلقد كان تعبير السيسي وقتها، عن اعتزام مصر "رسم شرق أوسطاً جديداً"، وهو المقابل لما كانت ولا تزال "المؤامرة" التي صيغت ضد مصر ونُفذت بدءً من يناير 2011، تؤكد على الرغبة في تحقيقه، بصياغة "مشروع الشرق الأوسط الكبير". فلقد تحدث السيسي عن مواجهة الإرهاب، الممثل للخطر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط العربي اليوم، وكان هذا من خلال الحديث عن ما طرحته مصر من مباردة لحل الأزمة في ليبيا وكيفية رؤيتها الأزمة المتطورة في سوريا ومُستجدات الوضع العراقي الجديد ومركزية القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية المصرية. كما أولى السيسي أهمية شديدة، للقارة الإفريقية ومُشكلاتها وعلى رأسها اليوم، مُشكلة مرض الإبيولا المنتشر في غرب إفريقيا، ثم إنعطف إلى الحديث عن أهمية دور مصر في تطوير منظمة الأممالمتحدة. ولقد أكد السيسي على مبادئ مصر الراسخة، في أولوية القضية الفلسطينية، في السياسة الخارجية المصرية، كما كان الوضع دوماً منذ نشوء تلك القضية، وحفاظ الدولة المصرية على وحدة كل الدول العربية على حدة، ومبدأ محاربة الإرهاب والتأسيس على الحلول السياسية أو لعب مصر دور الوسيط، بديلاً عن الحلول العسكرية، في حل الخلافات داخل الدول العربية أو المنازعات خارجها، ومركزية الأمن القومي العربي كونه جزءً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وكان حديث السيسي عن رغبة مصر في تطوير نظام الأممالمتحدة، على أساس الندية والمساوة، تحدياً لما قاله أوباما قبله ينحو الساعة، من كلمات عامة، في نفس هذا الملف. فلقد عبر الرئيس بوضوح على أن مصر تطمح في العضوية "غير الدائمة" في مجلس الأمن في الدورة 2016/2017، من أجل مصالح الدول النامية والإفريقية، وبذا بدأ السيسي في حشد دول الجنوب وراء مصر، كقوة بازغة ضد الظُلم الدولي من الدول الكبرى وعلى رأسه الولاياتالمتحدة، في عُقر دارها!!. كما أكد أن الأزمات التي تؤجج بينما يُحرم الفلسطينيين من حقوقهم، توفر مدخلاً لإستغلال القضية، "لتحقيق البعض أغراضٍاً خفية وإختلاق محاور تُفتت النسيج العربي، وتفرض الوصاية على الفلسطينيين، بزعم تحقيق تطلعاتهم". وفي هذا السياق، قصد السيسي مؤامرة 25 يناير، في جانبها الدولي، وما قامت به من خلال الإخوان ومن ورائهم الغرب، فيما يتعلق بما حدث في غزة على وجه الخصوص، ليس مؤخراً فقط ولكن على مدى السنوات العشر الأخيرة، ووفقاً لحروب حماس وإسرائيل، التي إستهدفت اللعب على أوتار القضية الفلسطينية، لأهداف أخرى غيرها في الحقيقة!!. لقد امتلأ الخطاب بالتحديات لكل القوى التي إستهدفت مصر، منذ 25 يناير، بينما يقف العرب والكثير من دول العالم، ومن بينها روسيا والصين، كظهير لمصر، مؤيدين كلماتها، التي تؤكد كونها قوة إقليمية لا يُستهان بها، ودولة محورية في العالم، لا يُمكن تخطي دورها. وأكد الخطاب على وقوف الشعب المصري ضد الإخوان الإرهابيين في تذكرة حية، وفي قلب الولاياتالمتحدة، على رفض المصريين الإخوان الإرهابيين، الذين أيدتهم أمريكا، ضد ثورة الشعب المصري. وكان الخطاب في الأممالمتحدة، بعد مقابلة السيسي لبعض من رموز الولاياتالمتحدة التاريخيين ورئيسها اليوم، تأكيد على خضوع وإنصياع سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، لإرادة مصر وشعبها، وإنتهاء المواجهة، ضد مصر، فيما يتعلق بكون 30 يونيو ليست ثورة، حيث كان خطاب السيسي تأكيد على أنها ثورة شعب!! وكان من ضمن اللافت، أن أكد السيسي، أن مصر كانت قد حذرت من الإخوان والإرهاب كثيراً فيما قبل، وبالطبع كانت تلك الإشارة، خاصة، بمصر التسعينات، قبل 25 يناير، لأن السياسيين في مصر بعد ذلك، كانوا يتعاونون مع الإخوان ويطلقون عليهم "فصيلاً وطنياً، إلى أن اختلفوا. وقريباً نلتقي، حينما يتضح كل ما عناه خطاب المُشير السيسي، لأن ما لم يقله أكثر مما قاله بكثير جداً، وتحيا مصر حُرةً أبية.