من الصفات الشخصية التى يتمتع بها البابا شنودة ، أن لديه " كاريزما" يندر أن تتكرر فى أى شخصية وطنية دينية ، وأتمنى أن يتمتع بابا الأقباط القادم ببعض صفات الراحل البابا شنودة ، والذى وصفه البعض بأنه كان يطفىء نيران الفتنة الطائفية ببراعة يحسد عليها ، ويفوت الفرصة على أعداء الوطن فى تنفيذ مخططاتهم التخريبية التى تهدف إلى انقسام الوطن وشق الوحدة الوطنية فى مصر ، كما كانت له قدرة عجيبة على احتواء المشاكل الطائفية بحكمة وصبر ، نظراً لقدرته العالية على فهم أبعاد الموقف وحرصه غير العادى على وحدة الوطن وحمايته من خطر الانقسام ، وبعده نظره الدائم فى الحفاظ المصالح العليا للبلاد وأمنها القومى ، وسد الثغرات التى يمكن أن ينفذ منها بعض المتنطعين فى الخارج المدعين دون حق بأنهم حريصون على حماية حقوق الأقليات فى مصر ومنهم الأقباط ، بل كان البابا يرفض دائماً تصنيف أقباط مصر على انهم أقلية ، وكان دائما يحرص على أنهم جزء من النسيج الاجتماعى المصرى . ومن الصفات الجليلة التى كان يتمتع بها الراحل البابا شنودة ، قدرته العالية على التسامح والحوار والإقناع ، وساعده فى ذلك ثقافته العالية ودراسته الواسعة للدين الإسلامى وليس " المسيحى " فقط ، وقراءاته الفلسفية ، وعشقه للتاريخ والأدب وإجادته للشعر وأصول اللغة العربية . وأذكر أننى كنت مع مجموعة من زملائى الصحفيين فى جريدة العالم اليوم فى زيارة للبابا شنودة فى المقر البابوى بكاتدرائية العباسية فى أواخر عام 1992 وقام بتنظيم تلك الزيارة الكاتب الصحفى وزميلى فى الجريدة الأستاذ ماجد عطية ، مستشار البابا وقتئذ ، وقد دارت مناقشات فى قضايا عديدة ، وقد اجاب البابا على أسئلة زملائى بصدر رحب ، ودون انفعال ، وقد سيطرت على المناقشات قضايا العنف والإرهاب ، ولاسيما أن غول التطرف كان ، يمارس نشاطه شبه اليومى ، والتفجيرات ذدات حدتها ، وعندما ألمح البابا إلى أن الأقباط يشعرون بالقلق والخوف الشديد من تزايد العنف الدينى ، قلت له إن من واقع العمل الصحفى الذى أتابع من خلاله نشاط الجماعات المتطرفة فى أمبابة - حيث كنت أغطى تلك الأحداث لجريدتى فى وقت كان من الصعب أن يقوم أى صحفى بعمله فى حرية وأمان داخل جمهورية أمبابة التى كان يرأسها المتطرف جابر الطبال وقتئذ – ثبت ان بعض الأقباط يطلقون النار على بعض أفراد الجماعات الإسلامية بل قلت للبابا فى مواجهته أن بعض المتطرفين يؤكدون أن الأقباط يخزنون أسلحة فى الكنائس ذات الأسوار العالية . واعتقدت إن البابا شنودة سيقوم بطردى من الكارتدائية بعد هذا الكلام المستفز والذى جاء من صحفى شاب مندفع ، ولكن البابا نظر إلى ضاحكاً وقال لى " سأسدى لك نصيحة من صحفى عجوز : لاتتكلم إلا بمصادر موثوق منها ، فقلت له إن تحقيقات النيابة مع بعض الأقباط فى امبابة اكدت ذلك ، فقال لى هل صدر حكم إدانة من المحكمة وثبت حمل بعض الأقباط للسلاح وإطلاقهم النار على أعضاء الجماعات المتطرفة ، فأجبت بالنفى ، فقال لى إن الأقباط مسالمون ولايحملون السلاح إلا للدفاع عن أنفسهم " وللتهويش " فقط ، وهم يشعرون بالخطر من تزايد شوكة الجماعات المتطرفة فى إمبابة وعين شمس والصعيد ، ولاتصدق أن الكنائس بها أسلحة وخذ كلامى ثقة : الكنائس للعبادة فقط وليست ثكنات عسكرية " وقتها شعرت بالحرج ، بل نظرتى للأقباط جميعا تغيرت لأن كلام البابا أقنعنى ، وشعرت أنه لم يغضب منى عندما أعطانى فى نهاية اللقاء تسالى ومحمصات من الفسدق واللوز وقال لى : هذه هدية لزيادة المحبة وليس للتسالى فقط . لم يكن ذلك الدرس الوحيد الذى تعلمته من البابا شنودة ، فقد كانت أولى دروسه التى تعلمتها مساندته للقضية الفلسطنية وعدم التطبيع مع إسرائيل ، وقد منع الأقباط من زيارة القدس لرفضه الإحتلال الإسرائيلى لها ، و تعلمت أيضا كيف يطفىء الحرائق التى كادت تشتعل فى الوطن بعد أحداث الكشح والعمرانية وتفجيرات كنيسة القديسين قبل ثورة يناير ، واحداث أطفيح والماريناب وامبابة وماسبيرو بعد الثورة . فقد رفض البابا أن يستقوى بالخارج على وطنه مصر ويكشف معاناة الأقباط ، بل رفض مخططات الغرب لتقسيم الوطن ، وكانت له علاقات طيبة بكل القوى السياسية والدينية فى مصر ، وكانت آخر مقابلته مع المرشد العام للإخوان ، كما أن البابا الراحل كان دائما يردد " إن مصر ليست وطنا نعيش فيه ، ولكن وطنا يعيش فينا " ولهذا السبب أحبه المصريين المسلمين قبل الأقباط.