في تطور مفاجئ أعلنت الولاياتالمتحدة، الثلاثاء الماضي، أن معركة انتزاع وتحرير مدينة الرقة السورية من تنظيم داعش قد تكون قريبة، وقد تتداخل مع الهجوم الجاري في العراق على مدينة الموصل. ولم يكشف وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، أي تفاصيل عن العملية، حتى في تصريحاته للصحفيين بعد اجتماع أعضاء التحالف ضد داعش الذي انعقد في باريس، فلم يقدم معلومات عن توقيت حملة الرقة، غير أنه اكتفى ب«الاستعدادات جارية»، الأمر الذي أكده وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان. وقال مسؤول عسكري أمريكي للصحفيين إن حملة الرقة ستبدأ على الأرجح عقب تحقيق بعض النجاح في الموصل، مضيفًا أن المخططين العسكريين سيسعون إلى تجنب الضغط على المساعدة المقدمة للتحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة. وكان كارتر دعا الأحد الماضي إلى بدء عملية لعزل تنظيم داعش في مدينة الرقة السورية بالتزامن مع الهجوم على مدينة الموصل، معقل التنظيم في العراق. الخطوة الأمريكية جاءت بالتزامن مع تقرير للاستخبارات الأمريكية تفيد بأن روسيا قد تسقط مقاتلاتهم في أجواء سوريا، الأمر الذي يشير إلى عدم وجود تنسيق روسي أمريكي حول معركة الرقة المزعومة، بل على العكس، شدّد وزير الدفاع الأمريكي على أن روسيا لن تشارك في عملية التحالف بالرقة، وينطبق كلام الوزير الأمريكي أيضًا على الجيش السوري، الأمر الذي يضع علامات استفهام على القوى العسكرية التي ستشارك في المعركة. توقيت الإعلان الأمريكي خبراء عسكريون استغربوا من إعلان واشنطن الاستعداد لمعركة الرقة، فعسكريًّا أي خطة جديدة لاقتحام الرقة معقل تنظيم داعش الأخير قد تربك سير عملية تحرير الموصل، فمن جهة قد لا يصب تشتيت الإمكانيات بين الموصل والرقة في صالح الحشد ضد التنظيم، ومن جهة أخرى يفتح المجال لمجموعة من المساومات السياسية على حساب معركة الموصل؛ فتركيا تسعى جاهدة لتواجد عسكري لها في العراق. من جانبها ترفض الحكومة العراقية الطموح التركي، إلا أن واشنطن بدأت بالمراوغة في هذه النقطة، ففي بداية الأمر دعت الولاياتالمتحدةتركيا إلى احترام سيادة العراق، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارك تونر "القوة العسكرية التركية في الأراضي العراقية، في بعشيقة، ليست جزءا من قوات التحالف، فلم تحصل على إذن من الحكومة العراقية، وبالتالي وجودها غير قانوني"، لكن سرعان ما تبدل الأمر؛ فأثناء زيارة وزير الدفاع الأمريكي لتركيا في 21 أكتوبر الجاري، أشار إلى دور تركي في معركة الموصل. بدء معركة الرقة في هذا التوقيت قد يربك معركة الموصل؛ فتحركات داعش بين المدينتين مفتوحة على مصرعيها تتم تحت الرعاية الأمريكية، حيث قال رئيس غرفة العمليات في الأركان العامة الروسية، سيرغي رودسكي، بأن عناصر "داعش" تهرب من العراق إلى سوريا، وتم تسجيل وصول حوالي 300 عنصر إلى مدينة دير الزور السورية. كما أن هناك خلطًا من نوع آخر، فواشنطن تستطيع مساومة أنقرة على حساب حكومتي بغداد ودمشق فيما يتعلق بالموصل والرقة، فبحسب خبراء عسكريين مقربين لواشنطن، مثل الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية "ناتيف"، يعقوب كيدمي، قال في مطلع هذا الشهر الجاري، إنه رغم إعلان الولاياتالمتحدة بالكلمات عن نيتها استعادة الرقة والموصل، فليس لديها الإمكانيات اللازمة، وأضاف أن استعادة الرقة تحتاج إلى قوة عسكرية كبيرة، وأكراد سوريا الوحيدون القادرون على ذلك، بيد أن الولاياتالمتحدة لن تتمكن من استخدامهم، لأن تركيا تعارض ذلك بشدة، فالولاياتالمتحدة لن تتمكن من استعادة الرقة، وستكون مضطرة إما إلى إفساد علاقاتها مع تركيا، أو أن تنسى هدفها في سوريا. المعركة المزمعة من شأنها فتح باب المفاوضات مع أنقرة، فكارتر تساءل عن أي قوة عسكرية ستستعيد الرقة؟ وأضاف "المبدأ الاستراتيجي للتحالف يقول إن هذه المهمة يجب أن تتولاها قوات محلية فاعلة علينا تحديد هويتها والسماح لها بالتدخل"، معتبرًا أن "هذا الأمر لا يمكن أن يقوم به سوى أناس يعيشون هنا، لأننا نسعى إلى هزيمة دائمة لداعش، ولا يمكن تحقيق هزيمة دائمة عبر قوات خارجية". تصريحات الوزير الأمريكي المبهمة قد تستثني بذلك تركيا، التي لوحت مرارًا بتصميمها على المشاركة في معركة الرقة، شريطة استبعاد المقاتلين الأكراد من المشاركة فيها، ما يعني فعليًّا إبعاد "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من واشنطن، الأمر الذي لن تقبله أمريكا، وبالتالي يمكن إعطاء دور تركي أكبر في العراق مقابل تقليص دورها في سوريا، خاصة أن واشنطن يمكنها الاستفادة من العلاقات الطيبة بين تركيا وأكراد العراق، ما يساعد في تسهيل عملية الموصل، وفي الوقت نفسه تستفيد من أكراد سوريا الذين لا تجمعهم علاقات طيبة مع تركيا في تنفيذ مخططاتها في الرقة، ما قد يسهل بدء عمليات الولاياتالمتحدة في الرقة، التي توقفت عدة مرات. ويرى مراقبون أن إعلان واشنطن اقتراب معركة الرقة يشير إلى أنها عازمة على حجز المدينة السورية لها والتأكيد على تواجدها فيها، مقابل التوسع الروسي في حلب، خاصة أن الرقة تشكل الحديقة الخلفية للموصل العراقية، الأمر الذي يعطيها هامشًا للعب في الملف السوري كطرف مؤثر وفعال.