لم تتعاف عائلات شهداء مدينة القدس من جراح فقدان أبنائها، ليضيف الاحتلال الصهيوني جرحًا آخر يتمثل في هدم المنازل وتشريد أسرهم وإغلاق المحلات التجارية لهم. وفي وقت تتسارع فيه الأحداث وتشتعل القدس والضفة بزيادة وتيرة العمليات الفدائية ضد الاحتلال، الذي أصبح مخترقًا أمنيًا، كان رد الكيان الصهيوني على مقتل المستوطنين المتطرفين هو تفجير وإغلاق منازل ذوي شهداء العمليات الفدائية، حتى وصلت في الفترة الأخيرة إلى الهدم الذي جاء بطريقة انتقامية من المحكمة الإسرائيلية العليا التي صادقت نهاية العام الماضي على هدم منازل الشهداء جميعهم. هدم منزل الشهيد أبو صبيح وكان آخر العمليات الانتقامية من قبل الاحتلال، إصدار سلطاته قرارا يمنع عائلة الشهيد مصباح أبو صبيح من فتح بيت عزاء له في بلدة الرام (شرقي مدينة القدسالمحتلة)، حيث أوضحت عائلة الشهيد أن سلطات الاحتلال أبلغت والد الشهيد بالقرار قبل أن تطلق سراحه، لكنها رفضته وفتحت بيت العزاء بعد تسلم الجثمان وتشييعه. وقالت المتحدثة باسم شرطة الاحتلال الإسرائيلية، لوبا السمري، إن هدم منزل الشهيد مصباح أبو صبيح، منفذ عملية إطلاق النار في الشيخ جراح، واحدة من الصلاحيات المعطاة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مضيفة أنه فور تنفيذ العملية أوعز وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إلى شرطة الاحتلال بالعمل وفقا لجميع الإجراءات القضائية المتاحة، ضد كل نشاط وعمل ومظهر يحمل في طياته تأييدا للعملية، لافتة إلى أن الشرطة اعتقلت موزعي السكاكر والملبسات، ومنعت إقامة خيمة للعزاء في سلوان، واعتقلت ناشطين طالبوا بإغلاق محال تجارية في القدس تأييدا لمنفذ العملية، كما اعتقلت في الساعات الأخيرة المواطنين العرب الذين صوروا ووثقوا العملية وهم يكبّرون. وطلبت شرطة الاحتلال من الجيش العمل أيضا في بلدة الرام على منع أي من مظاهر التأييد للعملية، بما فيها إزالة اليافطة التي علقت على منزل الشهيد، واعتقلت قوات الاحتلال خمسة شبان مقدسيين، بعد اقتحام ورشة للبناء في حي الشيخ جراح، بتهمة تصوير عملية إطلاق النار على الشهيد، كما أغلقت وحدة أخرى محلات تجارية ومخازن في البناية تعود لوالد الشهيد مصباح، بأمر من قائد الجيش الإسرائيلي، روني نومة. عقاب صهيوني لعائلة فواد كساف ولم تكن هذه الانتهاكات الإسرائيلية الأولى من نوعها في حق أهالي وعائلات شهداء القدس والضفة الغربية، فعائلة الشهيد فواد كساف، منفذ العملية الفدائية بالقدس مارس الماضي، فقدت الابن وحق الإقامة في مدينة القدس، كما فقد والده العمل واحتجز في الزنازين، كما تم التحقيق مع أفراد العائلة، وما زالت تعيش العائلة تداعيات الألم بمواصلة احتجاز جثمان ابنها في ثلاجات الاحتلال. بعد استشهاد فؤاد كساف في اشتباك مسلح مع الاحتلال، عمدت السلطات الإسرائيلية إلى إخراج العائلة قسرا من المدينة بحجة "إلغاء معاملة لم الشمل"، فأصبح والده دون عمل بعد تركه عمله في العيسوية، وأشقاؤه دون مدارس والعائلة دون منزل وتبحث عن مأوى لها. انتهاكات بحق عائلة جعابيص وتعيش عائلة محمد نايف جعابيص، الوجع ذاته، بعدما اقتحم الاحتلال منزل عائلة الشهيد وأشقائه ومجموعة من الجيران، وأجبرهم على الخروج من منازلهم في أكتوبر الماضي بعد عملية فدائية أجراها جعابيص ضد الاحتلال. والد الشهيد يقول: "صبرت على استشهاد محمد وفقدانه.. وسأصبر على هدم المنازل وتدميرها بهذا الشكل الإجرامي.. لنا الأرض ونحن الأصليين"، واليوم الاحتلال تعمد تدمير منزل عائلة الشهيد محمد، وأصر على معاقبة أشقائه. وجرت العادة خلال هبة القدس أن تحتجز سلطات الاحتلال جثامين الشهداء منفذي العمليات، في محاولة منها لردع الفلسطينيين وعائلاتهم من تنفيذ عمليات جديدة، وباستشهاد مصباح أبو صبيح، يرتفع عدد الشهداء المحتجزين في ثلاجات الاحتلال الإسرائيلي إلى 19 شهيدا، بينهم 11 من محافظة الخليل، و3 من الإناث. والشهداء المحتجزين لدى الاحتلال هم: محمد الطرايرة، أنصار هرشة، مجد الخضور، سارة الطرايرة، وائل أبو صالح، عبد الحميد أبو سرور، محمد الفقيه، مصطفى برادعة، رامي عورتاني، ساري أبو غراب، محمد السراحين، فراس البيراوي الخصور، حاتم الشلودي، محمد الرجبي، أمير الرجبي، مهند الرجبي، عيسى طرايرة، نسيب أبو ميزر، مصباح أبو صبيح. ومنذ مطلع أكتوبر 2015 وحتى اليوم، قتل الاحتلال الإسرائيلي 252 فلسطينيًّا، من بينهم 59 طفلا دون الثامنة عشرة، و24 من الإناث، كما واحتجز منذ بداية الهبة الجماهيرية، جثامين 131 شهيدا فلسطينيًّا، بينهم 19 يواصل الاحتلال احتجازهم حتى اليوم، آخرهم الشهيد مصباح أبو صبيح.