يبدو أن الجهات الحكومية الأردنية ناقضت نفسها عندما قامت بتعديلاتها الأخيرة على مناهجها التعليمية، فالمناهج الجديدة تحاول الابتعاد عن المظاهر الدينية في مضمونها، لكنه في المقابل تحاول الاقتراب أكثر من الكيان الصهيوني. المناهج الجديدة والاحتجاجات شارك العشرات من المعلمين الأردنيين، الجمعة الماضية، في احتجاج على خلفية التعديلات التي أدخلت على المناهج الدراسية، حيث احتشدوا أمام وزارة التربية والتعليم في منطقة العبدلي، بالعاصمة عمّان، بعد دعوة من نقابة المعلمين. وبحسب وكالة زاد الأردنية الإخبارية، قدم المشاركون في الاعتصام مطالبهم من خلال الهتافات واللافتات للتراجع عن التعديلات التي أدخلت على المناهج الدراسية؛ لأنها لا تعكس المحتوى التعليمي المناسب للطلبة، ومن ضمن الشعارات التي رفعوها "نعم للتطوير لا للتطبيع"، و"يسقط الوزير". وكانت العاصمة الأردنيةعمان قد شهدت، الجمعة الماضية أيضًا، مسيرة شعبية حاشدة، تندد باتفاقية الغاز التي جرى توقيعها مؤخرًا مع إسرائيل، وتطالب بإسقاطها. المناهج الأردنية بين العلمانية والتطبيع استهدفت التعديلات الأخيرة إلغاء المواد الإسلامية والوطنية التي تتحدث عن كره الصهاينة للمسلمين والعرب والمجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، الأمر الذي أثار استياء الأردنيين، الذين طالبوا بوقف التطبيع مع الاحتلال من خلال مناهج التعليم. كما قامت السلطات الأردنية بالحفاظ على التغييرات السابقة التي طرأت على المنهج الأردني عام 2014، وتمثَّل هذا التغيير في إحلال اسم إسرائيل بديلًا من فلسطين؛ وحذف كل ما له علاقة بالقضية من الكتاب المدرسي؛ لتصبح واقعًا أو تطبيعًا تعليميًّا مكملًا للتطبيع السياسي والأمني. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد ليشمل الحذف، كقصة الطيار الأردني فراس العجلوني وبطولته العسكرية كأول طيار عربي يقصف الاحتلال الإسرائيلي. في المقابل دافعت وزارة التربية والتعليم عن الخطوة بالقول إن الكتب الدراسية "جديدة بالكامل وليست تعديلات هنا وهناك، كما زعم البعض"، مشيرة إلى أنها ألغت كتب العام 2015 بعد تجريبها، وطرحت كتبًا جديدة للعام الحالي، "ولا يجوز المقارنة بينهما بناء على ملاحظات الميدان، وإن تشابهت أو تطابقت بعض الموضوعات". دفاع الوزارة عن نفسها لم يُلقِ أذانًا مصغية عند الجمهور الأردني، حيث هدد المعلمون بالتصعيد والإضراب عن العمل في حال عدم تراجع وزارة التربية عن قرار "تطوير" المناهج، وبلغت ذروة الاحتجاج حرق الكتب المدرسية، التي وصفوها بأنها "علمانية". على جانب آخر أعلنت مجموعة مضادة، تطلق على نفسها حركة "نعم لتطوير المناهج" (ناشطون يساريون وعلمانيون) في بيان مماثل، عن تأييدها للتغيير الذي طال المناهج، محذرة مما أسمته "خضوع المجتمع الأردني لحملة التجهيل والتضليل"، في إشارة للحملة المعارضة للتعديلات الجزئية التي طرأت على الكتب المدرسية هذا العام. وتأتي التعديلات التي أُقرت مؤخرًا في الأردن بعد عامين من تعديلات خففت جرعة الصراع العربي مع الكيان الصهيوني في المناهج الأردنية، وترتبط الأردن مع الكيان الصهيوني باتفاقية وادي عربة للسلام منذ عام 1994؛ حيث ورد في ديباجة الاتفاقية أنه «ولتحقيق السلام المنشود ينبغي تخطي الحواجز النفسية بين الشعبين الأردني والإسرائيلي»، بالإضافة إلى ما ورد في بنود المادتين الخامسة والعاشرة من الاتفاقية، والتي تنص على أن تتضمن عملية التطبيع العلاقات الاقتصادية والثقافية بموازاة العلاقات السياسية، وهو الأمر الذي تسعى إليه الحكومة الأردنية في الآونة الأخيرة، خاصة أن حادثة تغيير المناهج التعليمية في الأردن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية جاءت بالتزامن القريب مع توقيع الأردن اتفاقية الغاز مع تل أبيب، في حين يؤكد ساسة أردنيون وجود ضغوط أمريكية وإسرائيلية متزايدة على الحكومة الأردنية تحت ستار التمويل. حلول لتعديل المناهج طالب المعتصمون بعدة مطالب، أبرزها إقالة وزير التربية والتعلم محمد الذنيبات، واقالة وزير الصناعة والتجارة جواد العناني، على خلفية تصريحه حول المناهج قبل التعديل. كما طالبوا بالرجوع عن تعديلات المناهج الأخيرة وترك مسألة إعداد المناهج للمعلمين، معتبرين أنهم الأحق في كتابة المناهج المدرسية. وقال وليد الريالات، رئيس اللجان التحضيرية للنقابة العامة في المدارس الخاصة: إن اتحاد المدارس الخاصة، والذي يتكون من 400 مدرسة، سيستمر في تدريس جميع ما حذف من المناهج، وإنهم ينتظرون الخطوات التصعيدية التي ستقوم بها نقابة المعلمين، متسائلًا: هل ستكون سريعة أم بطيئة بحيث تقتل القضية؟ ومن الجدير بالذكر أن التعديلات شملت معظم المناهج التي تدرس في الفصول الدراسية في المملكة الأردنية. دول عربية أخرى ولا يقتصر التطبيع في مناهج التعليم على الأردن، ففي كتاب مدرسي جديد لهذا الفصل الدراسي في المدارس المصرية، صدر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، يطالب التلاميذ المصريين بحفظ شروط وأحكام معاهدة السلام مع إسرائيل الموقعة عام 1979، ويوضح مزايا السلام لمصر وللدول العربية، ويخص الكتاب الصف الثالث الإعدادي، وهو كتاب جغرافيا العالم العربي وتاريخ مصر الحديث. وفي الإمارات العربية المتحدة كان الظهور الأول لدولة الكيان الصهيوني في المناهج عام 2009 في كتاب الجغرافيا للصف السابع، حيث وردت على خارطة العالم كلمة "إسرائيل" بدلًا من فلسطين، وهو ما دفع أولياء الأمور إلى التقدم بشكوى لهيئة المعرفة في دبي التي تحققت من الواقعة، وحذفتها فيما بعد، ووضعت دولة فلسطين. المناهج الإسرائيلية في المقابل نجد المناهج الإسرائيلية تفرد صفحاتها لمهاجمة العرب، فمناهجهم تتعمد تقديم الإنسان العربي على أنه مخلوق مشوه بصور منفرة؛ ليكون في عيون النشء الجديد مثيرًا للكراهية والاحتقار والاشمئزاز، فنجد هذه المناهج تصف العرب بالتخلف والوحشية والهمجية؛ مما يدعم السلوك العدواني تجاه العرب ويسهل ارتكاب الجرائم ضدهم. ومن مظاهر عسكرة التعليم في إسرائيل أيضًا تولي كبار ضباط الجيش في الاحتياط مناصب إدارية هامة في جهاز التعليم وإدارة المؤسسات التربوية، حيث تقوم وزارة التعليم بتأهيل الضباط المتقاعدين من الجيش والمخابرات للانخراط في التعليم، وهذا الأمر يتم في التعليم الرسمي العلماني، فما بالكم بالتعليم الديني الذي يكون فيه التطرف والصورة أكثر سوداوية ومأساوية، وفتاوى الحاخامات تحث على اقتلاع كل ما هو عربي، وفتاواهم مقدمة على أي تعليمات أخرى؟ ويرى مراقبون أن التناقض الذي وقعت فيه السلطات الأردنية بالنقطة المتعلقة بتطوير المناهج التعليمية، بأنها من جهة قلصت المظاهر الدينية في المنهاج الجديد بحجة تقويض الإرهاب الداعشي الذي لا علاقة له بالدين أصلًا، ومن جهة أخرى يسعى المنهج الأردني الجديد لتقريب المسافات مع العدو الصهيوني الذي هو منبع الإرهاب العالمي بقتله الممنهج ضد الفلسطينيين العزل.