السفير الإسرائيلي يتدخل احتجاجاً علي سؤال عن فلسطين في امتحان التاريخ امتحانات تروج للتطبيع مع إسرائيل كشفت ورقة امتحان مادة الجغرافيا في جامعة حلوان عن الصراع من أجل محاولات التطبيع وتزييف التاريخ وتجريف الذاكرة الوطنية للطلاب في الجامعات، إذ جري محو اسم فلسطين من علي خريطة الوطن العربي واستبدالها بدولة إسرائيل والانتصار للاحتلال الصهيوني علي حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والأخطر من ذلك أن هذه القضية قد كشفت عن تراجع اهتمام الدولة بتدريس مواد التربية الوطنية والقومية، وخضعت لتدخلات السفير الإسرائيلي واعتراضاته علي بعض أسئلة الامتحانات في مواد التاريخ والجغرافيا، والسؤال هل انتهي عصر المناهج الوطنية؟، وعلي من تقع المسئولية؟ مدرسي المادة أم المجلس الأعلي للجامعات أم وزارات التربية والتعليم؟ طرحنا هذه الأسئلة علي أساتذة الجامعة والخبراء. الدكتور صلاح السروي - الأستاذ بجامعة حلوان - يري أن الكتاب الجامعي مسئولية الأستاذ والقسم التابع له، أما في التعليم ما قبل الجامعي فالكتاب المدرسي مسئولية وزارة التربية والتعليم، والجامعة تتحدد مسئوليتها فيما يتعلق بالمناهج والبحث العلمي بلوائح تحدد خطوطا حمراء لا يجب الاقتراب منها وهي الثوابت الوطنية والدينية، أي لا يحول الأعداء إلي أصدقاء ويحترم التاريخ الوطني، ولكن ما حدث في كتاب الجغرافيا هو استجابة للمناخ الذي تحاول الدولة أن تشيعه في السياسة ومحاولة تفكيك حالة العداء الكامنة في نفوس المصريين ضد إسرائيل بشكل عام، ويشير السروي إلي أنه منذ زيارة السادات للقدس، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد فإن هناك محاولات للعبث بالعقل المصري تجاه هذه القضية بالذات، وبعض الباحثين يبحثون عن مكاسب من نوع ما، ولكن هذا الأمر يتعلق بالثوابت الوطنية والقيم الإنسانية العامة، ومشروعية الكتاب الجامعي والبحث العلمي ينبغي أن تصب في احترام القيم الإنسانية وتوخي مصلحة الإنسان، وعلي الباحث ألا يسوغ ما هو ضار بهذه القيم، ويضيف السروي أن أخطر ما في الموضوع أن الأستاذة لم تضع لدولة إسرائيل حدودا حولها علي الخريطة بل كتبت مصر علي منطقة حوض النيل وسوريا في مكانها الحالي والأردن الحالية، وهذا الأمر يذكرنا بالخريطة الموجودة في الكنيست الإسرائيلي والتي كتب عليها من النيل إلي الفرات أرضك يا إسرائيل، وسواء كانت المدرسة تقصد هذا المعني أم لا فإن الخريطة بمثابة تكريس ولو ظاهريا لمشروعية الأطماع الإسرائيلية، أي أن الكتاب تعامل مع إسرائيل ككيان طبيعي في المنطقة وليس كيانا قائما علي الاغتصاب والقتل والمجازر وهذه نقطة تخالف القيم الإنسانية العامة التي لا تبيح الاغتصاب ولا تبرر القمع والقهر للشعوب، وهو الأمر الذي كان ينبغي علي مؤلف الكتاب ومدرسته أن يعتذرا عنه أو يراجعاه، إذا كانا لا يقصدان هذا المعني، غير أنه من المؤسف أن الذي حدث عكس ذلك تماما حيث تم التعامل مع الطلاب بقدر عال من الاستعلاء برغم أنهم أصحاب حق، ويؤكد أن ما حدث هو مسئولية مشتركة بين السياسة العامة للنظام مع وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلي للجامعات، والقسم التابع له الأستاذة، وليس معني هذا التدخل في المناهج أو البحث العلمي أو عمل الأستاذة ولكن يجب في هذا مراعاة اللوائح والقوانين التي تنظم عمل الجامعات. زوبعة إعلامية وصرح مصدر -رفض ذكر اسمه- بأن ما حدث زوبعة إعلامية لا معني لها، وتساءل: أليست كل الخرائط تأتي من الأممالمتحدة وعليها دولة إسرائيل، وجميع المفاوضات تتم سواء بين الاتحاد الأوروبي أو أمريكا مع دولة إسرائيل، وهناك علاقات واعتراف من مصر بدولة إسرائيل إذن لماذا هذه الضجة؟ إسرائيل واقع، وبالنسبة لمشكلة الأستاذة فهي تسأل فقط إذا كانت تقدم شرحا في الكتاب أو المحاضرة دون ذكر وجود للصراع العربي - الإسرائيلي وليس علي وجود اسم إسرائيل علي الخريطة!!. الضمير العلمي الدكتور عاصم الدسوقي - أستاذ التاريخ جامعة حلوان - يقول: أستاذ الجامعة مكلف بمقرر له عنوان وله محتوي وعناصر علي أساس أن هذه العناصر يتم إقرارها من مجلس القسم ثم الكلية ثم الجامعة، الأهم من هذا أن الأستاذ له الحرية في شرح كل التفاصيل علي أن يلتزم بالإطار العام، ولكن بعض الأساتذة عندما يدخل المدرج ويغلق عليه الباب تحدث مفارقات ويستخدمون المحاضرة في الإسقاط السياسي فمنهم المنتمي للتيار الديني أو ضد القومية العربية أو ليبرالي، المشكلة إذن في القائم بالتدريس وليس في المنهج، وممكن أن يكون الكتاب ليست به أي شبهة، وهذه المسألة لا رقيب عليها إلا الضمير العلمي للأستاذ، بمعني أنه لا ينبغي أن يصوغ أفكار الطلاب وفقا لأفكاره، وأنه بالنسبة لمشكلة كتاب الجغرافيا، أن الطلبة تقدموا بمذكرة للعميد وكان من المفترض التحرك وسحب الكتاب وتتم مراجعة الامتحان الذي وضعته الدكتورة من القسم المسئول لائحيا وعلميا عن المناهج والكتب. ويشير د. عاصم إلي أن الكتب المدرسية أيضا لا توجد بها شبهة وتتناول في كتب التاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، ولكن السفير الإسرائيلي يراجع المناهج ويكتب التقارير ويتقدم باحتجاجات بأن المناهج ضد التطبيع وأن بها عداء لدولة إسرائيل، ويقول د. عصام إنه كان عضوا في لجنة وضع أسئلة الثانوية العامة واتصلت الوزارة بالمرحوم الدكتور رءوف عباس لكي يشترك في وضع الامتحان لكنه اعتذر ورشحني بدلا منه ولكن الوزارة رفضت بحجة أنني وضعت سؤالا في امتحان العام الذي قبله أغضب السفير الإسرائيلي «السؤال خريطة صماء للوطن العربي وقلت، وضح حدود دولة فلسطين قبل وبعد الاحتلال الصهيوني»، ويقول هناك قواعد لتأليف الكتاب منصوص عليها في لائحة المجلس الأعلي للجامعات وله الحق في التدخل في الكتب التي يجري اعتمادها سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، فمثلا تدخل الدكتور مفيد شهاب وسحب كتابا كان مقررا في الجامعة الأمريكية، ولقد قامت الدكتورة بسحب الكتاب وقدمت كتابا غيره عليه اسم فلسطين وقالت إنها لم تدرس الكتاب الذي تتحدث عنه الطالبة، ولكن الطالبة قدمت الكتاب الأصلي، ولو كانت الدكتورة حسنة النية لاعترفت بأن هناك خطأ في الكتاب، أما أن يستغل الأستاذ المحاضرة للدفع بأفكار معينة مثل برامج الإعلام التي تستهدف تشويه الوعي فتصبح البرامج والكتب الدراسية مادة لتزييف حقائق التاريخ والعلم، وهؤلاء يتحولون إلي بوق دعاية للحكومة طمعا في منصب بطرح وجهات نظر تتسق مع الاختيارات الرسمية للدولة. أمانة المعلم التعليم أمانة في عنق الأساتذة، لكن أن يحولها البعض إلي جمعية تبث أفكارا محددة وأحادية فهذا خطأ فادح، ألا يعلمون أن كلمة جامعة هي جامعة الأفكار المتصارعة وليست الأفكار المتعانقة، علي أساس أن الحقيقة بنت الجدل، وأن يتعلم الطالب أن الحقيقة متعددة المصادر ولا يمكن أخذها من مصدر واحد، ويقترح د. عاصم الدسوقي للخروج من هذا المأزق إلغاء الكتاب الجامعي، علي أن يوزع الأستاذ علي طلبته محتوي المنهج ويكون الطالب لنفسه مادة من قراءته في أكثر من كتاب وعليه أن يبحث ويفكر ويبدع، الأستاذ يحاضر بشكل عام، وعلي الطالب أن يكون نظرة للأفكار المتعارضة ويخلص إلي فكرة عقلية، ويؤكد عاصم الدسوقي أنه في الخمسينيات وهو طالب في كلية الآداب جامعة عين شمس لم تكن هناك كتب جامعية وكان علينا البحث في أكثر من مرجع، وكما قال وزير المعارف سعد زغلول في الاحتفال بتأسيس الجامعة «الجامعة لا دين لها إلا العلم». المدرسة أين تعلمت؟! الدكتور علي بركات - أستاذ التاريخ جامعة حلوان - يضيف أن مقررات ومفردات المنهج في الجامعة مسئولية أستاذ المادة علي أن يضع نسخة من المقرر في مكتب رئيس القسم، واللوائح تتضمن قدرا كبيرا من الحرية والصلاحيات للأستاذ، فالمنهج مسئولية كاملة علي الأستاذ، أما كون مدرس في الجامعة يبادر من نفسه ليزيل اسم فلسطين من الخريطة وفلسطين لاتزال تحت الاحتلال الصهيوني، فهذا هو الخطأ بعينه والنظام السياسي مسئول من الألف للياء عن كل ما يحدث في مصر، لا توجد توجيهات لنا كأساتذة في المناهج وأنا أدرس التاريخ في كلية الآداب جامعة حلوان ويوجد في الكتاب فصل كامل عن القضية الفلسطينية، لأن القضية الفلسطينية في عقول الناس نعلمها لأولادنا والأجيال القادمة، والسلطة السياسية فشلت في إقناع الناس بأن إسرائيل دولة جوار، ويؤكد د. علي بركات أن أستاذ المادة يكيفها وفق أطر عامة أو حسب انتماءاته السياسية ويتساءل أين يا تري تعلمت هذه المدرسة حتي تلغي اسم فلسطين من الخريطة؟ هل بسبب غيبة التنشئة السياسية في الجامعات أم أملا في التقرب من النظام ومن إسرائيل؟، كل دول العالم تدرس تاريخها وحضارتها، ولكننا في التعليم ما قبل الجامعي توجد فترات كثيرة لا ندرسها في التاريخ المصري ولو وجد ذلك يمر مرور الكرام في صفحة أو صفحتين، ويذكر الدكتور علي بركات أنه في السعودية والإمارات يدرس الطلاب تاريخ بلدهم في كل الكليات، ولا ينجح الطالب إلا إذا أكمل منهج التاريخ، لكن نظامنا التعليمي سمح للمدارس الأجنبية في مصر علي مدار سنوات أن تدرس تاريخها وحضارتها هي وليس تاريخ مصر، إن الوحدة الفكرية بين شبابنا مفتقدة فالتعليم الجامعي الحكومي به الآن مليون ازدواجية تخلق أنماطا وأفكارا اجتماعية وسياسية متناقضة، فهناك مسئولية الدولة الحديثة عن التعليم والإنفاق عليه، لكن أن يكون الفكر الجديد لرجال التعليم هو تحويل التعليم العالي إلي مؤسسة تدر الربح، أي سلعة لمن يبيع ويشتري، وتخفيض أعداد الطلاب في التعليم الجامعي الحكومي والتوسع في الجامعات الخاصة، وعدم بناء جامعات جديدة والقضاء علي حق ومجانية التعليم الذي تكفله جميع الدساتير الحديثة، سواء حق التعليم أو الصحة أو الرعاية الاجتماعية، ويتساءل دكتور علي بركات هل هناك أمل يرجي في نظام ليس له أي توجه في التنمية بل باع أصول الدولة بأبخس الأثمان؟ أي نظام فاسد، وأنه لا أمل في إصلاح وحل مشاكل المنظومة التعليمية، إلا بنظام ديمقراطي يراعي العدالة الاجتماعية، وبتنشئة سياسية ديمقراطية للطلاب، وبوجود مشروع قومي حضاري يحدد أهداف التنمية. هل انتهي عصر المناهج الوطنية؟ الدكتور كمال نجيب - أستاذ المناهج وطرق التدريس جامعة الإسكندرية - أشار إلي أنه في أزمان سابقة في السبعينيات كانت هناك مناهج وطنية ومقررات قومية تدرس في الجامعات، وفي التعليم ما قبل الجامعي كانت مادة التربية الوطنية مادة أساسية، ومنذ الانفتاح الاقتصادي والسياسي انتهي عصر المناهج الوطنية، فالمناهج هي الآن في أسوأ المراحل التاريخية من حيث دعم التنوير والنهضة في المجتمع، ويضيف أنه بالنسبة للكتاب الجامعي فالمسئولية من الناحية القانونية مسئولية القسم، لأنه هو الذي قرر الكتب التي توضع بمعايير لجان القطاعات التابعة للمجلس الأعلي للجامعات في ضوء لوائح ومعايير، ولكن في هذه المرحلة توجد ميوعة في تنفيذ القوانين، وغياب المسئولية من الوزير والمجلس الأعلي للجامعات، وعدم الالتزام بقانون تنظيم الجامعات، ويعتبر الدكتور كمال نجيب أن وزير التعليم العالي هو أول من يتجاوز القانون ويضع قرارات ضد الدستور تقضي علي تكافؤ الفرص التعليمية بجعله التعليم بمصروفات في الجامعات الحكومية مثل أقسام اللغات والمميزة وكليات التميز والتعليم المفتوح، وطالما أنه لا يوجد مشروع قومي واستراتيجية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، إلي جانب عدم وجود فكر تربوي لدي وزارة التعليم العالي يساند مشروع النهضة، بل العكس هو تطبيع مع إسرائيل سواء في الوزارة أو الحكومة، ويؤكد كمال نجيب ظاهرة غياب الوعي والمسئولية السياسية وكذلك تغلغل الأمن في الجامعة لمنع أي نشاط سياسي وتحريم العمل السياسي علي الطلاب باللوائح، وهو الوضع الذي أصبح فيه التكوين السياسي للأساتذة والطلاب ضحلا، وإذا وجد أي نشاط سياسي يواجه بعداء شديد من الدولة وأجهزتها ومن إدارة الجامعة، وذكر كمال نجيب أنه منذ عدة سنوات تبين وجود خرائط في المدارس يستخدمها المعلمون موجود عليها دولة إسرائيل بدلا من فلسطين، وتم سحبها وتصحيح الخطأ، أي أنه هناك محاولات اختراق للتعليم من أفراد مجهولين بفعل فاعل للتطبيع من أوسع أبوابه، ولكن ليس أمامنا إلا الأساتذة والطلاب الشرفاء لمواجهة هذا التزييف.