في الوقت الذي تطالب فيه الدولة المواطنين بترشيد استهلاكهم في كافة أمور حياتهم، وتسير بخطوات ثابتة نحو رفع الأسعار وفرض مزيد من الضرائب؛ لسد العجز في الموازنة، وتتحدث الحكومة عن اتخاذها "إجراءات لتقليل نفقاتها"، نجد جيوشًا من مستشاري الوزراء يتوغلون داخل الحكومة، وبعضهم يتجاوز السبعين عامًا، ويحصلون على مبالغ قدرها البعض بأنها تصل إلى ربع ميزانية الأجور. وكان الدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء الأسبق، قد أعلن في تصريحات له أن المبالغ التي يتقاضاها المستشارون في الوزارات والشركات وصلت إلى 18 مليار جنيه. ورغم أن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الذي تولى بعد الببلاوي طالب بتحديد عدد المستشارين في الوزرات؛ لتقليص اعدادهم، الا أن عددهم ارتفع إلى 83 ألف مستشار يتقاضون شهريًّا ملياري جنيه، ما يعادل 24 مليار جنيه سنويًّا على شكل رواتب ومنح وحوافز، وذلك حسب تقرير أصدره المركز المصري للدراسات الاقتصادية. وذكر التقرير أن هؤلاء المستشارين يتمركزون في وزارات المالية والبترول والصحة والسياحة والتضامن الاجتماعي والتخطيط والعدل والتموين والتعليم والتعاون الدولي، فضلًا عن وجودهم في بعض المحافظات، والهيئات الحكومية، خاصة الاقتصادية، وقطاع البنوك وعدد من الجامعات، وارتفع عدد المستشارين في الوزارات والهيئات الحكومية والمحافظات. ولفت التقرير إلى أن وزارة المالية تتصدر القائمة، حيث يعمل بها 500 مستشار؛ ما يعد انتهاكًا لمبدأ العدالة الاجتماعية، بحسب تقرير أصدره المركز المصري للدراسات الاقتصادية. وأكد التقرير أن "ما يتقاضاه هؤلاء المستشارون والخبراء ممن بلغوا سن الشيخوخة في الوزارات والمصالح الحكومية كفيل بحل مشاكل البطالة لدى الكثير من الشباب، وتشغيل عدد من الشركات والمصانع المتعطلة عن العمل منذ سنوات، خصوصًا أن الكثيرين منهم تجاوزت أعمارهم 75 عامًا، ولم يقدموا جديدًا للنهوض بالدولة اقتصاديًّا". الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، يقول إن دول العالم كلها لديها مستشارون داخل الوزارات، "فهو مبدأ لسنا ضده، ولكن ما هي إنتاجية المستشارين داخل الوزارات في ظل واقع يقول إن نتائج بعض الوزارات تشير إلى فشلها؟"، موضحًا أن دول العالم تقوم بتعيين المستشارين بقدر الحاجة إليهم والاستفادة من خبراتهم مقابل مرتبات تتماشى مع طبيعة عملهم. وأضاف أن ذلك يعد شكلًا من أشكال الفساد، في ظل تقاضي مستشارين للوزراء رواتب تفوق رواتب الوزراء أنفسهم، وهذه الرواتب لا تتناسب مع هيكل الأجور، موضحًا أنه يجب أن يتم مراجعة أعداد المستشارين بالوزارات بقدر الحاجة إليهم والاستفادة من خبراتهم، إذ إنه ليس من المنطق ان ندعي الشفافية، ونطالب باستعادة الأموال المنهوبة من الخارج ولدينا أشكال فساد في الداخل. وأكد الدكتور محمد فوزي، أستاذ الاقتصاد والتمويل، أن عدد المستشارين داخل الوزارات مبالغ فيه بطريقة كبيرة، إذ إنه يمثل إهدارًا للأموال على أفراد غير منتجين، كما أنه يضيف عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة، حيث إن بعض الإحصاءات قدرت رواتبهم بربع أجور ما يتقاضاه موظفو الدولة، مشددًا على أنه يجب اتخاذ إجراءات لتقليصهم والإبقاء على من يقدمون خبرات مفيدة فقط.