كالعادة، يفاجئنا الميدان السوري بديناميته العسكرية السريعة خاصةً حين يتعلق الأمر بمدينة هامة علي الصعيد الإستراتيجي، مدينة " حلب ". إذ كلّلَ الجيش العربي السوري و حلفائه جهوده العسكرية بإنتصارات في الإسبوعين الماضيين، أحكمت تلك الإنتصارات العسكرية الهدف الإستراتيجي الذي سعي إليه الجيش العربي السوري منذ عاميين، الأ و هو إتمام حصار و عزل مدينة حلب لأول مرة عن أي دعم خارجي للجماعات المسلحة فيها، و ذلك من خلال انتصاريين عسكريين كانا حجر الزاوية في إتمام الحصار و العزل. الإنتصار الأول: كان في سيطرة الجيش السوري علي طريق " الكاستيلو "، وهو الطريق الذي يربط حلب مباشرةً بتركيا منصة الدعم و الإمداد الرئيسي للجماعات المسلحة في حلب و الشمال السوري ككل. ثبّت الجيش السوري سيطرته علي هذا الطريق منتصف الشهر الماضي وعزل بذلك الأحياء الشرقية لحلب. الإنتصار الثاني: كان في إقتحام الجيش السوري لأكبر معاقل المسلحين في حلب و هو حي " بني زيد "، بعد معارك طاحنة مع المجموعات المسلحة بطول محور (الخالدية الأشرفية الليرمون دوار الليرمون). مثل تثبيت سيطرة الجيش السوري و حلفائه علي هذا الحي مع إحكام السيطرة علي طريق "الكاستيلو"، منصة التطويق الفعلي لمدينة حلب و الأحياء الشرقية فيها، و المحطة الأساسية التي انطلقت منها كل التطورات الأخيرة بجبهة الشمال السوري و التي أثرت إلي حدِ ملحوظ في الديموغرافية العسكرية لمحيط مدينة حلب. لحلب أهمية إستراتيجية كبري في الحرب السوري، إستعرضنا تلك الاهمية تفصيلاً في تقريرنا السابق تحرير حلب .. نقطة التحول الكبري في الحرب السورية. دفعت تلك الاهمية الإستراتيجية للمدينة إلي ردة فعل عنيفة و كبيرة تنظيمياً و عسكرياً من سائر التنظيمات المسلحة النشطة في الشمال السوري و التي يندرج بعضها في أطار ما يسمي بالمعارضة المعتدلة و التنظيمات الأخري المُصنّفة "إرهابية" بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي. تنظيمياً فشهدت "جبهة النصرة" فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، إستعداداً لتدويرها مرة اخري في الصراع السوري و معركة حلب، إذ تعد "جبهة النصرة" سابقاً، " فتح الشام" حالياً من اشرس التنظيمات الإرهابية النشطة في حلب و تخومها كما شكلت رأس حربة في المعارك التي انطلقت لكسر الحصار الذي فرضه الجيش السوري علي الأحياء الشرقية للمدينة. جاء فك ارتباط جبهة النصرة " فتح الشام " حالياً عن القاعدة بالتزامن مع إطلاق جيش الفتح غرفة عمليات تضم أشرس الجماعات المسلحة النشطة في الشمال السوري (أحرار الشام، جبهة النصرة "فتح الشام" حالياً، فيلق الشام، لواء الحق، أجناد الشام، الحزب الإسلامي التركستاني، جيش السنة).وكان اللافت خروج جند الأقصى من غرفة عمليات جيش الفتح واستبداله بالحزب الإسلامي التركستاني، ويتميز المقاتلون التركستان بشراستهم في القتال، وبأعداد الانغامسيين الكبيرة لديهم. كما أن جماعة "نور الدين الزنكي" لم تكن بعيدة عن التنسيق ميدانياً مع غرفة عمليات جيش الفتح. بغرفة عمليات تضم مجموعات مسلحة علي مستوي عالِ من إحتراف حرب العصابات، و بجبهة تمتد لأكثر من 20 كلم جنوب و غرب مدينة حلب، كانت الموجة الإرتدادية الكبيرة و العنيفة للمعارضة السورية المسلحة و المجموعات الإرهابية التي انطلقت من إدلب و حماة بعدما أعدت التجهيزات الكاملة من العتاد و المقاتلين لمعركة "كسر حصار حلب"، وبدأت الهجمات في مطلع الشهر الحالي من ساتر السابقية جنوبي مدينة حلب بهدف إستراتيجي مبدئي يتمثل في " كسر حصار حلب " الذي فرضه الجيش السوري و حلفائه منذ منتصف الشهر الماضي. و لفهم اوضح ل إنطلاقات الجماعات المسلحة نحو كسر الحصار يرجي الوقوف امام الخريطة التالية و التي تشمل حصيلة ما احرزته الجماعات المسلحة في معاركها مع الجيش السوري و حلفائه جنوب و غرب مدينة حلب بيد أن خريطة التوزيع العسكري الحالية و التي يمثل فيها اللون الازرق مناطق تقدم مقاتلي المجموعات المسلحة تشكلت فقط في ستة أيام، أي ان المجموعات المسلحة نجحت مبدئياً في حصار الأحياء الغربية لحلب و الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري في ستة أيام فقط، و قطعت بذلك الطريق الذي يربط حلب بدمشق، عبر سيطرتها بعد اشتباكات عنيفة علي الكلية الفنية الجوية ثم تباعاً كلية المدفعية و كلية التسليح الذين فتحوا الباب امام الجماعات المسلحة لدخول حي الراموسة و السيطرة عليه مؤقتاً و من ثم ضُرِبَ حصار الجيش السوري للاحياء الشرقية لمدينة حلب بحصار المجموعات المسلحة للأحياء الغربية للمدينة. و لكن بالنظر إلي البقعة الجغرافية جنوب و غرب مدينة حلب و التي تعد خط مواجهة ساخن بين المجموعات المسلحة و الجيش السوري تتضح الإجابة عن سؤال ردده كثيرون، لماذا جاء هجوم المجموعات المسلحة من جنوبي غرب مدينة حلب و لم يأتي إنطلاقاً من شرقها، او محاولة تحرير الأحياء الشرقية؟. الإجابة تتلخص في أن الهدف الإستراتيجي للمجموعات المسلحة ليس فقط كسر حصار الجيش السوري لحلب، و إنما بدء معركة شاملة و موسعة بهدف السيطرة علي كامل المدينة. الأمر الذي يرجح بفرضيات اتساع رقعة المعارك في حلب لتشمل احياء و مناطق جديدة بطول خط المواجهة السابق ذكره من جهة المجموعات المسلحة، و من جهة الجيش السوري و حلفائه سترتكز جهوده العسكرية بين طرفين إستراتيجيين هامين سيسعي من خلالهما تضييق ثغرة المجموعات المسلحة جنوبي غربي حلب، الطرفين هما مشروع ال 1070 شقة و معمل الأسمنت. العماد "علي أيوب" في حلب. بدا واضحاً من التطورات العسكرية المشار إليها أن معركة حلب لها أهميتها الخاصة، ف علي صعيد أخر وصل رئيس اركان الجيش السوري العماد علي أيوب إلي حلب و تفقد بتوجيه من الرئيس الأسد عدداً من الوحدات و المواقع العسكرية في حلب و محيطها، كما اطلع العماد أيوب في جولته برفقة ضباط القيادة العامة علي الوضع الميداني و ظروف عمل القوات و جاهزيتها القتالية و حالة التنسيق و التعاون بين صنوف القوات. الصين ستدعم الجيش السوري عسكرياً في تطور آخر علي صعيد الشركاء الإستراتيجيين لدمشق، قالت وكالة الأنباء الصينية الرسمية شينخوا إن مدير مكتب التعاون العسكري الدولي التابع للجنة المركزية العسكرية الصينية غوان يوفاي قد التقى مع وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج في دمشق .وقال غوان إن القوات المسلحة الصينية ترغب في تعزيز التبادل والتعاون مع القوات المسلحة السورية وتقديم الدعم اللازم لها ."واضاف غوان أن الطرفين تباحثا بشأن تدريب الأفراد , و إن القوات المسلحة الصينية ستقدم ايضا مساعدات إنسانية والذي من شانه تعزيز دور بكين في الشرق الاوسط. كما التقي غوان بجنرال روسي في دمشق، إلا أن وكالة الأنباء لم تعط المزيد من التفاصيل حول اللقاء. الروسي ينطلق من إيران صوب العراق و سوريا. و في تطور مفاجئ يرتبط بالميدان السوري، انطلقت القاذفات الروسية الإستراتيجية من طراز "تو 22" لأول مرة من ايران لقصف مواقع ارهابيي داعش و المجموعات المسلحة الاخري في مناطق دير الزور و حلب و الرقة. و بذلك استضافت إيران و لأول مرة قاعدة عسكرية لحليف في بلادها. إذ نشرت وسائل اعلامية روسية صورا تظهر قاذفات استراتيجية روسية من طراز تو 22 وقد تم نشرها في مطار همدان في ايران .وبحسب وسائل اعلام روسية فأن الهدف من نشر هذه القاذفات في ايران هو تقليص المسافة التي كانت تقطعها القاذفات الروسية من جنوبروسيا إلى سوريا مرورا ببحر قزوين وايرانوالعراق والتي تقدر ب 2100 كم , وستصبح من مطار ايران إلى سوريا بحدود 900 كم فقط وبالتالي انخفاض في كمية و وزن الوقود اللازم للطيران بحدود 60 % . واكدت المصادر الروسية بأن القاذفات ستزود بقنابل اضافية بأكثر من 69 ضعف من السابق وهي قنابل من نوع OFAB 250-270 بالاضافة ل زيادة عدد الطلعات الجوية واضافت بان الطلعات الجوية للقاذفات الاستراتيجية ستكون بحدود 6 مرات ضمن الاسبوع الواحد . ومن جهته أعلن مصدر عسكري روسي أن وزارة الدفاع الروسية وجهت الأسبوع الماضي طلبات إلى كل من العراقوايران لاستخدام مجاليهما الجويين لتحليق الصواريخ المجنحة والتي سيتم قصف الجماعات المسلحة بها في سورية . و سبق وأعلن وزير الدفاع الروسي اليوم إن روسيا و امريكا تقتربان من البدء بعمل عسكري مشترك لمحاربة الارهابيين في مدينة حلب .وكانت موسكو قد اعلنت في وقت سابق من شهر آب عن نيتها البدء في توسيع قاعدة حميميم الجوية تمهيدا لاستقبال قاذفات استراتيجية تستيطع حمل رؤوس نووية . بيد أن إنشاء الروسي قاعدة عسكرية له في إيران يكشف عن حجم العلاقات الإستراتيجية بينه و بين طهران، و من جهة أخري يضع امام الرئيس الروسي خطوة اخيرة نحو وضع أطر للتعاون الإستراتيج بين ثلاثة، روسياإيرانتركيا،هذة الخطوة هي زيارة للرئيس التركي رجب أردوغان لإيران تناقش علي اجندتها الأزمة السورية و التعاون العسكري بين البلدين. و التي ستصب مباشرةً لحل الأزمة السورية.