التزايد الجنوني في سعر الدولار بالسوق السوداء جعل الجميع يدرك أن هناك أزمة اقتصادية حقيقية تمر بها مصر، فسعر الدولار في السوق السوداء كان في يناير 2016 8.72 جنيه، وأصبح بعد مرور 7 أشهر 12.60 جنيه؛ مما يعني أن الزيادة 3.88 جنيه. ومن المتوقع أن يرتفع خلال الأشهر القليلة القادمة؛ لعدم وجود تحرك حقيقي لإنهاء الأزمة الحالية، التي تتفاقم يوميًّا، حتى أصبح المواطن ينتظر تغيير سعر الدولار في اليوم الواحد من 3 إلى 4 مرات وبزيادة قد تفوق ال25 قرشًا في بعض الأوقات؛ لفشل الدولة في السيطرة على السوق السوداء، التي أصبحت تحدد سعر الدولار وفقًا لما تراه. وسيؤثر ارتفاع الدولار على القيمة الشرائية للسلع، والتي ستزيد، مع انخفاض الجنيه المصري. وكان قرار البنك المركزي المصري خفض قيمة الجنيه بنحو 112 قرشًا أمام الدولار خاطئًا، رغم أنه اعتبرها خطوة لتصحيح المسار الاقتصادي، لكن ما حدث هو استمرار ارتفاع الدولار وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه، ومع ذلك استمرت الدولة في سياساتها الاقتصادية، التي ثبت فشلها من اقتراض وفرض ضرائب. ورغم وصول الدين الخارجي إلى 53 مليار دولار، فما زال الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته يلجآن إلى الاقتراض؛ لسد العجز القائم، وبذلك تتضاعف الديون الخارجية، خاصة مع ارتفاع الدولار؛ وترتفع بالتالي سعر الفائدة، الأمر الذي يتحمل أعباءه الأجيال القادمة. وما زالت مصر تعتمد في استثماراتها الاقتصادية على الاقتصاد الريعي في الحصول على العملة الأجنبية، مثل إيرادات قناة السويس، التي تراجعت في الفترة الأخيرة بشكل كبير، والسياحة التي لم تخرج من كبوتها حتى الآن؛ بسبب سوء الأوضاع الأمنية. ومعلوم أن البلاد التي تعيش على الاقتصاد الريعي ليست منتجة، ولا تتحكم في اقتصادها؛ لعدم وجود اقتصاد حقيقي، يعتمد على إنتاج السلع والمشاريع الصناعية والزراعية، التي تنهض بالاقتصاد، وتسعى إلى تقدم الدولة بزيادة صادراتها التي توفر العملة الأجنبية؛ ومن ثم الاحتياط النقدي الأجنبي الذي يسمح للدولة بتحديد سعر هذه العملات. كما أن الاقتصاد الموازي أصبح شبحًا يطارد الاقتصاد الرسمي للدولة، عن طريق تعمد إخفائه للتهرب من الالتزامات القانونية، وتجنب القيود الروتينية والشروط المفروضة على عملية ممارسة النشاط الاقتصادي، ومع ذلك لم تلجأ الدولة إلي تقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمي في مصر، ودمجه مع الاقتصاد الرسمي؛ من أجل كبح الفقر ودعم قدرات محدودي الدخل وزيادة معدلات التوظيف. هناك دول استطاعت تقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمي، مثل الهند التي ركزت على توفير شبكة الأمان الصحي للقطاع غير الرسمي، وتجربة النمور الآسيوية التي ركزت على تدعيم المشروعات الصغيرة الحجم؛ لامتصاص العاملين بالقطاع غير الرسمي. التضخم إحدى الأزمات التي برزت على الساحة الاقتصادية في الفترة الماضية، خاصة بعد وصول التضخم إلي 14.8% في يونيو 2016، وهو أعلى معدلات التضخم في العالم، وهذا ناتج عن اتجاه الدولة نحو المشاريع الخدمية وافتقارها للمشاريع الإنتاجية، بالإضافة إلى عجز الموازنة العامة للدولة، والذي تلجأ الحكومة معه إلى الاقتراض، سواء الداخلي أو الخارجي؛ لسد هذا العجز، مما أدى إلى رفع إجمالي الدين العام وفقًا لآخر البيانات الصادرة عن البنك المركزي إلى 2.968 تريليون جنيه، وهو ما يعادل تقريبًا 104% من الناتج المحلى الإجمالي. ومع استمرار سياسات الدولة في الإنفاق الحكومي غير الضروري، وعدم إخضاع الصناديق الخاصة للموازنة، وتوفير الدعم للمستثمرين والمصدرين، وعدم تطبيق الضريبة التصاعدية، وزيادة الواردات غير الضرورية، وعدم مواجهة الاحتكار؛ سيزداد التضخم.