جاء إعلان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عن مقتل ثلاثة من جنود جيشه في ليبيا، الأيام القليلة الماضية؛ ليؤكد التقارير السابقة التي تشير إلى تواجد قوات فرنسية خاصة تقاتل ما تسميه الجماعات الإرهابية. ورغم رفض الحكومات الليبية المتنازعة دخول قوات أجنبية أراضيها، إلا أن الوضع القائم على الأرض غير ذلك؛ مما أثار الكثير من ردود الأفعال المتباينة في ليبيا. فبعد أن أعلنت فرنسا للمرة الأولى وجود قوات لها في ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011، خرجت حكومة الوفاق الليبية التي تشكلت برعاية أممية لترفض هذا التواجد، واعتبرته انتهاكًا لسيادة البلاد، فيما صمت البرلمان الليبي وقيادة الجيش الليبي برئاسة خليفة حفتر، الأمر الذي فسره البعض على أن هذه القوات كانت تدعم حفتر في حربه على الإرهاب، خاصة بعد تداول أنباء أن القوات الفرنسية تتواجد في المراكز العسكرية للجيش الليبي، وهو ما علق عليه عضو مجلس النواب عن طرابلس، مصطفى أبوشاقور قائلًا: «اعتراف اليوم الرئيس الفرنسي بمقتل ثلاثة جنود فرنسيين في شرق ليبيا خطير، يؤكد ما كان يشاع بأن قوات أجنبية تقاتل وتدعم قوات حفتر في حربه على بنغازي، هي في نفس الوقت تدعم الاتفاق السياسي الليبي». ولطالما كانت فرنسا من أكثر الدول حماسًا لإسقاط نظام القذافي، وبادرت بمساعدة المنتفضين ضده، وأرسلت قواتها لتحقيق هذا الهدف، إلَّا أن فسيفساء الفوضى الليبية فرضت واقعًا جديدًا لاحقًا، ويبدو أن فرنسا بغض النظر عن طبيعة دعمها العسكري لقوات حفتر، تتخندق عمليًّا الآن في مواجهة الإسلاميين الذين يحاربهم قائد الجيش الليبي، وتنظيم داعش الإرهابي، الذي عانت فرنسا منه الأمرَّين بعد الحوادث المتتالية في باريس ونيس. التواجد الفرنسي في ليبيا لم يكن الوحيد الذي كُشف أمره في الفترة الأخيرة، حيث ذكرت صحيفة «ميدل إيست آي» البريطانية تواجد قوات خاصة من بريطانيا وأمريكا وإيطاليا في قاعدة بنينا الجوية ببنغازي؛ لمساندة قوات الجيش والتنسق في الضربات الجوية التي يوجهها سلاح الجو الليبي لمعاقل الإرهاب. في الإطار ذاته، ورغم دعم القوى الدولية، من بينها فرنساوبريطانيا، لحكومة الوفاق الليبية، إلا أن التصريحات وردود الأفعال المتباينة تشير إلى أن تواجد قوات أجنبية في ليبيا ربما يزيد الانقسام المتواجد هناك، على خلفية أنه يدعم طرفًا دون الآخر، وهو ما أشارت إليه صحف كانت تدوال في السابق نفس التحليل، ففي سبتمبر الماضي كُشفت رسالة إلكترونية من بين آلاف الرسائل نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية لرئيسة الدبلوماسية السابقة، هيلاري كلينتون، بعثتها لمستشارها، سيلفان جاكوب، في التاسع من مارس 2012، أن المخابرات الفرنسية والبريطانية كانت تدبر لانقسام الشرق الليبي عن الغرب منذ منتصف يناير 2012. وتضيف الرسالة أن ضباطًا من المخابرات الفرنسية والبريطانية الخارجية عملوا منذ منتصف يناير إلى شهر مارس على تحفيز القبائل الشرقية والنشطاء المدنيين في «برقة» لطلب الحكم الذاتي والسعي إلى الانفصال عن حكومة طرابلس، مشددة – الجهة التي كتبت الرسالة السرية- على أن هذا المخطط تم تدبيره بإيعاز من مستشار للرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، بعد شكاوى رجال الأعمال الفرنسيين من الحكومة الجديدة التي رأوا أنها لا تخدم مصالحهم التجارية بالشكل الذي يناسبهم. من جانبه اعتبر المحلل السياسي الليبي عبد العزيز أغنية، في تصريحات صحفية، أن الأراضي الليبية مستباحة الآن، وهو ما يعكسه التواجد الأمريكي والفرنسي والإيطالي والبريطاني، وهو نتيجة الصراع بين من وصفهم بأطراف فبراير، بما فيها قوات الجيش الليبي الذي يقوده حفتر وجماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من مصراتة، مشيرًا إلى أن حربًا بالوكالة في ليبيا وقودها الليبيون، ويستثمرها الغرب تجري على الأرض، فبعد فشل تجربة الحرب المباشرة في العراق، جربوا ونجحوا في حرب الوكالة في ليبيا، مؤكدًا أن التواجد الأجنبي في ليبيا ليس بالعدد الكبير، بل مجموعات استخباراتية تضمن الاطلاع الكامل على الوضع بشكل تفصيلي على الأرض.