"حظر النشر".. جملة اقترنت خلال الفترة الماضية بالعديد من القضايا؛ بحجة عدم المساس بالأمن القومي وإثارة الرأي العام، لكنها في الحقيقة، تنال من حق المواطن في المعرفة والاطلاع على مجريات الأمور، وبالتالي أصبح بديل الدولة الآمن لحجب المعلومات. وتعددت قرارات حظر النشر التي تصدر من النيابة العامة خلال الفترة الماضية، كان آخرها منع النشر في قضية الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا؛ بعد اقتحام مقر نقابة الصحفيين بالمخالفة للقوانين والدساتير والأعراف المحلية والدولية وإلقاء القبض عليهما، وما تلاها من أزمة حادة بين الجماعة الصحفية ووزارة الداخلية. الغريب، أن قرار النيابة العامة الأخير بحظر النشر في قضية الزميلين "بدر والسقا" تخص الجماعة الصحفية، فكيف يحظر النشر في قضية أحد أطرافها صحفيين! من جانبها، تفتح "البديل" ملف قضايا حظر النشر بالمخالفة للمادة 68 من الدستور التي تعطي الحق للمواطنين بتداول المعلومات والبيانات والوثائق. التهمة صحفي.. والقرار "حظر النشر"! أثار قرار النائب العام بحظر النشر في قضية الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا التي تحمل رقم 4016 لسنة 2016، غضب واستياء أعضاء مجلس نقابة الصحفيين وجموع أبناء المهنة؛ خاصة بعدما ألقت قوات الشرطة القبض عليهما من داخل مقر نقابة الصحفيين، ما أدى إلى اشتعال الأزمة أكثر. وذكر قرار حظر النشر في القضية المذكورة، أنه تلاحظ مؤخرا تناول البعض لإجراءات ضبط وإحضار المتهمين في القضية بالتفسير والتأويل، فإن النيابة العامة تؤكد أن ما اتخذ من إجراءات في شأن ضبط وإحضار الصحفيين "بدر والسقا" من داخل نقابة الصحفيين يتفق وصحيح القانون. وأضاف أن النيابة العامة صاحبة الولاية في إصدار تلك القرارات، لاسيما أن المتهمين قد نسب إليهما جرائم جنائية يعاقبان عليها وفقا لقانوني العقوبات والإرهاب وهي جرائم غير متعلقة بعملهما الصحفي والمهني، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يتعين علي الجميع الإمساك عن تفسير وتأويل نصوص القانون وترك الأمر في هذا الخصوص للنيابة العامة صاحبة الولاية في هذا الشأن بموجب الدستور والقانون والتي بعد تأكدها من صحة تلك الإجراءات أصدرت قرارها بحبس المتهمين 15 يوما علي ذمة التحقيقات. وتابع أن مقر نقابة الصحفيين لا يستعصي علي ضبط وإحضار المتهمين اللذين اعتصما به على اعتبار أن هذا الضبط كان تنفيذا للقرار القضائي الصادر من النيابة العامة وهو الأمر الذي أباحه الدستور والقانون حتي لحرمة المسكن الخاص الذي تتعاظم حرمته عن أي مكان آخر. شهيدة الورد شيماء الصباغ.. وتخابر المعزول لم تكن قضية الصحفيين، الأولي التي اتخذت النيابة العامة قرارا فيها بحظر النشر، لكنها سلسلة شهدتها العديد من القضايا خلال عام 2015، وكان قرار حظر النشر الحاضر الرئيسي فيها. مقتل شيماء الصباغ.. قضية أثارت الرأي العام خلال شهر فبراير عام 2015، الشهيدة قتلت علي يد أحد رجال الشرطة أثناء حملها باقة من الزهور وتوجهها إلى ميدان التحرير في ذكرى ثورة يناير، ورغم أن الواقعة تحولت إلي قضية رأي عام، إلا أن قرار حظر النشر جاء مكمما لأفواه جميع وسائل الإعلام؛ بذريعة عدم إثارة الأكاذيب التي من شأنها تخرب البلاد. وقالت النيابة العامة في بيان لها آنذاك: "تابعنا باستنكار بالغ ما تداولته وسائل الإعلام المختلفة بأساليب تخرج عن إطار العمل الإعلامي من خلال روايات عديدة ومعلومات غير دقيقة ومتناقضة بشأن التحقيقات التي تجريها في واقعة مقتل المواطنة شيماء الصباغ وكيفية مقتلها، دون مراعاة للتحقيقات التي تجرى والأدلة التي تجمع الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبا على سلامة التحقيقات والعدالة التي تنشدها النيابة العامة إعلاء لمبدأ سيادة القانون". التخابر مع دولة قطر.. قضية متهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي؛ بتسريب وثائق ومستندات صادرة عن أجهزة الدولة السيادية إلى مؤسسة الرئاسة وإفشائها إلى دولة قطر، لتعلن المحكمة التي تنظر القضية سرية الجلسات، وطلبت إخلاء المحاكم، وأمرت أيضًا بحظر النشر في القضية. ضحية تعذيب قسم المطرية.. واختطاف الضابط أيمن الدسوقي ولم تمر عدة أشهر علي قضية مقتل شيماء الصباغ، حتى تلتها واقعة مقتل المحامي كريم حمدي، الذي قتل داخل قسم شرطة المطرية نتيجة للتعذيب، الأمر الذي تسبب في ثورة غضب بين جموع المحامين ومجلس نقابتهم، لينتهي الأمر بقرار النائب العام بحظر النشر، سواء المرئي أو المسموع أو المقروء؛ بحجة عدم إثارة الرأي العام أيضا لحين انتهاء التحقيقات. وقضية أخرى بطلها أيمن الدسوقي، الضابط بقوات أمن الموانئ بشمال سيناء، الذي اختطفته مجموعة إرهابية إثر عودته من إجازة، فأصدر المستشار هشام بركات، النائب العام السابق، قرارا بحظر النشر في القضية؛ بحجة عدم إثارة الذعر بين المواطنين. الرشوة الجنسية.. وفساد وزارة الزراعة أصدر المستشار علي عمران، القائم باعمال النائب العام، عقب اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام السابق، قرارا بحظر النشر سواء المرئي أو المسموع أو المقروء في قضية الرشوة الجنسية، التي اتهم فيها رئيس محكمة مستأنف مدينة نصر، المستشار رامي عبد الهادي، بعد أن عرض علي إحدي السيدات رشوة جنسية في مقابل الحكم لصالحها، وعليها سجلت السيدة مكالمات هاتفية بينهما، ثم قدمتها إلى الرقابة الإدارية. وأصدر أيضا المستشار علي عمران، قرارا بحظر النشر في القضية الخاصة بفساد وزارة الزراعة، التي اتهم فيها عدد من المسؤولين علي رأسهم صلاح هلال، وزير الزراعة الأسبق، بإهدار المال العام وتسهيل رشاوى لرجال الأعمال. مقتل النائب العام.. ومشروع الضبعة جاء مقتل المستشار هشام بركات، النائب العام السابق، حدثا كارثيا شهدته البلاد في يوليو 2015، لكن المحكمة التي تنظر القضية قضت بعدم تداول أي أخبار عن الواقعة، وتم حظر النشر في القضية تمامًا، ما وصفه بعض المختصين بالتعتيم الإعلامي. وشمل قرارات حظر النشر أيضا، مشروع المحطة النووية بالضبعة؛ حيث صدر بيان من إحدى الجهات السيادية يفيد عدم نشر أي أخبار تخص المشروع، إلا بعد العودة إلى الجهات المعنية بالأمر. جدل إعلامي حول "حظر النشر": للحفاظ على الأمن القومي أم طمس المعلومات؟ أكد عدد من الخبراء الإعلاميين أن الساحة شهدت العديد من قرارات حظر النشر في الفترة الأخيرة، والتي تأتي دومًا بحجة الحفاظ على الأمن القومي وعدم إثارة البلبلة في المجتمع، ويستخدم في قضايا رأي عام، من حق المواطن العادى معرفتها. يقول الدكتور طارق مليجي، الخبير الإعلامي، إن الفترة الأخيرة شهدت العديد من قرارات حظر النشر، التي ليس لها أي داعي، خاصة أنها قضايا رأي عام، مثل مقتل شيماء الصباغ، عضو التحالف الشعبي الاشتراكي، أثناء تقديم الزهور لأرواح شهداء ثورة 25 يناير بميدان التحرير. وأضاف مليجي ل"البديل" أن قرارات حظر النشر، سواء في الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء، يجب أن تستخدم في القضايا التي تمس الأمن القومي بالفعل، لكن لا جدوى منها في قضية تمس حرية الصحافة، متابعا: "الوضع الآن متوتر، ويجب استيعابه من جميع الأطراف؛ حتي تمر الأزمة دون خسائر لأحد". وترى الدكتورة ليلي عبد المجيد، عميد كلية الإعلام السابق، أن قرارات حظر النشر تكون في بعض الأوقات لصالح المحبوس أو الجاني ذاته؛ حتى لا يتم فضحه، خاصة أن بعض وسائل الإعلام تستخدم أساليب الإثارة وتزييف بعض الحقائق، ما يؤدي إلى تجريح أشخاص من المفترض أن لهم خصوصية، فارتكابهم جرائم لا يعني اقتحام حياتهم وتشويههم بشتى الطرق. قانوني: حق المواطن في المعرفة.. ومصطلح "أمن قومي" مطاط رغم أن القانون يكفل حرية تداول المعلومات والبيانات والوثائق لجموع أبناء الشعب، طبقا للمادة 68 من الدستور، إلا أن قرارات حظر النشر أصبحت ظاهرة في الآونة الأخيرة. يقول الدكتور شوقي إسماعيل، محامي ل"البديل"، رغم أن القانون المصري أعطي الحق للمواطنين في المعرفة عن طريق وسائل الإعلام، سواء الصحف أو القنوات الفضائية، لكن المادة 23 من القانون رقم 96 لسنة 1996، تعطى الحق للنائب العام في حظر النشر للقضايا التي تمس الأمن القومي للبلاد. ويرى إسماعيل عدم ضرورة حظر النشر في قضية الصحفيين "بدر والسقا"؛ لأنها تحولت لقضية رأي عام ومن حق المواطنين المعرفة والاطلاع على مجريات الأمور، مطالبا بضرورة وضع تعريف لمصطلح "الأمن القومي"؛ لأنه أصبح مطاطا، ويستخدم أشياء عديدة مجهولة.