أصدر المستشار النائب العام قرارا بحظر النشر في مقتل الشهيدة شيماء الصباغ، كما أصدر قرارات مماثلة بحظر النشر في عدة قضايا أخرى. وليس من شك ان هذا القرار من سلطة النائب العام حرصا على سلامة التحقيق ليتم دون ضغوط من الرأي العام أو من أطراف أخرى لها صلة بمثل هذه القضايا لكن الشعب من حقه ان يعرف ما وصل اليه التحقيق، الأمر الذي يتطلب صدور بيانات من النائب العام حول سير التحقيق كلما استجد فيه جديد لان الغموض وغياب المعلومات يجعل الشعب في حيرة من أمره ويكون نهبا للشائعات حينا وأكثر ميلا لتقبل الشائعات حول التحقيق حينا آخر ويسهم هذا الوضع في خلق مناخ أكثر ميلا للشك في نوايا السلطات وعدم الثقة في مواقف السلطات العامة ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام لا يمكن للسلطات ان تمنع تداول أخبار أو معلومات بين المواطنين قد لا تكون صحيحة ولكنها في ظل التكتم وغياب الحقائق تؤدي إلى البلبلة وينعكس ذلك سلبا على الرأي العام. ويستطيع أي مراقب للأحداث والتطورات في مصر ان يلمس ميلا متزايدا للمواطنين تجاه السلطات العامة والشك في نواياها على العكس من الوضع الذي تبادر فيه الحكومة ومؤسساتها المختلفة إلى تزويد الرأي العام بالأخبار والحقائق حول تطور الأحداث في المجتمع خاصة اننا نمر في مرحلة عصيبة تشتد فيها ضراوة الإرهاب وما تعيشه البلاد من أزمة سياسية حقيقية نتيجة صدور بعض القوانين التي تضيق المجال العام مما يؤدي إلى انسحاب قطاعات من المجتمع من العمل العام والاهتمام بقضايا المجتمع ويكفي ان أشير هنا إلى مثال واضح للمناخ السلبي القائم حاليا في مصر الذي انعكس على اجتماع المجلس القومي لحقوق الإنسان يوم 4 فبراير 2015 عندما بدأ يناقش الوضع العام في المجتمع من زاوية حقوق الإنسان حيث دارت مناقشات مهمة بدأت بالحديث عن قضية شيماء الصباغ وانها تشبه إلى حد كبير قصة خالد سعيد التي كانت أحد الأسباب المهمة في قيام ثورة 25 يناير وان مثل هذه الأحداث تؤدي إلى اثارة المواطنين وتوفر أرضا خصبة للمتربصين وانتهت المناقشات إلى اتفاق أعضاء المجلس على إدانة حادث مقتل شيماء الصباغ وان هناك عودة لسياسة وزارة الداخلية لما قبل ثورة 25 يناير، وهناك أدلة وشواهد تشير إلى ذلك منها مقتل مسجون بقسم روض الفرج بسبب التعذيب، ومقتل سائق بامبابة على يد ضابط. وقيام أمين شرطة بقتل مواطن لانه استفزه، فضلا عن احتجاز 180 قاصرا بمعسكرات الأمن المركزي وان هذه الوقائع تعدت مسألة الحوادث الفردية إلى كونها تعبيرا عن سياسة عامة تنتهجها الأجهزة الأمنية. وانتقد بعض السادة الأعضاء تأخر المجلس القومي لحقوق الإنسان في إصدار بيان صحفي في حادث مقتل شيماء الصباغ ولا يكفي ما حدث بادراج فقرة عن هذا الحادث في البيان الصادر عن ملتقى الجمعيات الأهلية مما دعا الأستاذ محمد فايق إلى التأكيد على ان الأمر كان ملتبسا في يوم 24 يناير، حيث كانت هناك تهديدات شديدة من الإخوان المسلمين يوم 25 يناير وبالتالي قررنا الانتظار حتى تتضح الأمور ويكون البيان أكثر دقة ونتيجة لمتابعة هذا الموضوع مع شخصيات موضع ثقة فان المجلس القومي لحقوق الإنسان طلب فتح التحقيق مع الجميع للوصول إلى الجاني ولكننا فوجئنا بقيام وزارة الداخلية بمحاولة تلفيق تهمة القتل للدكتور زهدي الشامي الذي اكتشفت النيابة العامة براءته وأخلت سبيله وقد طالب عدد من أعضاء المجلس بتأكيد مسئولية الداخلية في حادثة مقتل شيماء الصباغ واحتمال ان يكون أحد أفراد الأمن هو الذي قام بذلك أو ان قوات الأمن لم تستطع حماية القتيلة رغم ان المظاهرة كانت سلمية وتتكون من 50 فردا فقط وأكد هؤلاء الأعضاء ان قضية مقتل شيماء الصباغ لا تقبل المساومة، وهي محددة في مساحة وزمن معلوم، ويجب الضغط لإصدار نتيجة التحقيقات في أسرع وقت خاصة وان ما يحدث بيئة حاضنة للثورات ويزيد من أعداء النظام وهناك من يتعمد ذلك. وفي هذا السياق تناول بعض الأعضاء التراجع في المجتمع للطلب على حقوق الإنسان وتزايد الطلب على الأمن والحقوق الاقتصادية وهو أمر مخيف ويعصف بحقوق الإنسان وأكدوا على خطورة مثل هذه الأحداث على الداخل وصورة مصر بالخارج، فهذه الأعمال لا يمكن الدفاع عنها وليس لها مبرر وتزيد من هجوم المنظمات الدولية على مصر وانتهت المناقشات إلى عدة اقتراحات منها إصدار بيان صحفي عن حادث مقتل شيماء الصباغ يؤكد أهمية الإسراع بإعلان نتائج التحقيق ووضع مدى زمني لهذا التحقيق والإنضمام إلى أسرة شيماء في هذه القضية وفقا لأحكام الدستور التي تعطي المجلس القومي لحقوق الإنسان هذا الحق إذا طلبت الأسرة ذلك والوقوف بشدة ضد تصاعد هذا الاتجاه في المجتمع وحالات القتل والمعاملة السيئة في الأقسام والتزام المجلس بإعادة زيارة السجون للتعرف على أوضاع المسجونين فيها. ان الدرس المستفاد من هذه التطورات هو احترام حق الشعب في المعرفة واحاطة المواطنين علما أولا بأول تجاه التطورات الجارية بالمجتمع وخاصة ما يتصل منها بحياة الناس. نقلا عن جريدة الأهرام