1500 طفل بالحسُنية في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، يعملون في تصليح السيارات وورش الخراطة وقطع الغيار والمسابك بأنواعها وأشكالها كافة، ليستمر مسلسل عمالة الأطفال دون رقابة من الدولة أو رادع من قانون، فضلًا الجهات الكومية الممثلة في وزارة القوى العاملة والمجلس القومي للأمومة والطفولة، ومنظمات حقوق الطفل. كانت ل«البديل» جولة بمنطقة الحُسنية بمدينة المنصورة، التقت الطفل أحمد السيد، 14 عامًا، من قرية ميت مزاح مركز المنصورة، ويعمل منذ أربع سنوات بورشة خراطة، مقابل 100 جنيه أسبوعيًّا، يعطيها كاملة لوالده ليساعده في مصاريف الأسرة المكونة من 7 أفراد، ويعاني أحمد من المعاملة السيئة من قِبَل صاحب الورشة، من ضرب وشتائم على حد قوله، ويتمنى أن يعود إلى المدرسة ليكمل تعليمه، لكنه يعلم جيدًا أنه إذا ذهب إلى المدرسة لم يجد من يصرف عليه ويحلب له احتياجاته. بينما يقول إيهاب إبراهيم، من قرية سلمون القماش التابعة لمركز المنصورة، إنه يكره العمل بالمخرطة التي يعمل بها، وكل عدة أشهر يتركها ويهرب، ثم يضربه والده ويعيده إلى العمل رغمًا عنه، وهو بالصف الثالث الإعدادي ولا يجيد القراءة والكتابة؛ لأنه يدرس بنظام «المنازل» ولا يذهب للمدرسة إلَّا في الامتحانات فقط، ليجد نموذج حل الامتحانات مكتوبًا على السبورة، على حد قوله، ولهذا ينجح كل عام دون مذاكرة، ويقول: إن الفقر ومرض والده هو الذي يجبره على العمل بالمخرطة، والفقر والجوع جعلا من طفولته مذلة وإهانة من «الصنايعية الكبار». وبابتسامة برئية قال ياسر، 14 عامًا، إن كل أولاد خالته يأتون يوميًّا للعمل بورش الحسنية، وهو جاء معهم ليصرف على أخته الصغيرة المريضة، ويحلم أن يكون صاحب ورشة حتى يجنى الكثير من المال ويعالج به أخته الصغيرة، ويرسلها إلى الخارج لإجراء جراحة فى القلب، ولهذا يعمل كل يوميًّا دون ملل، وهو يخشى أن تقع أي آلة حادة على يده، فيضطر إلى بترها، كما حدث مع زميله فى الورشة المجاورة له، ولهذا يحاول أن يأخذ حذره كل يوم عندما يأتي صباحًا ليفتح الورشة وينظفها ويخرج الآلات خارج الورشة، إلى أن يأتى باقي الصنايعية وصاحب الورشة. وأكد محمد بادع، صاحب مسبك ومخرطة، والشهير بعدو الأطفال، لرفضه عمل الأطفال في المسبك الخاص به، أن الحُسنية يعمل بها في الأيام العادية حوالى ألف و500 طفل بالورش والمخارط، وفي إجازة نهاية العام الدراسي يعمل حوالي 3 آلاف طفل، معظمهم من قرى ونجوع مجاورة للمنصورة، وتتراوح أعمارهم من 8 إلى 16 عامًا، وطبيعة عملهم مختلفة من ورشة لأخرى، وهم الأكثر عرضة للحوادث، ويحضرني موقف جعلني أبكي، عندما وجدت أربعة أطفال أخوة أيتام من عربة الشال، يعملون في جمع المسامير بإحدى الورش، ويقيمون مع أعمامهم، أصغرهم 4 سنوات وأكبرهم 8 سنوات. وتابع بادع: صاحب الورشة أو المخرط لا يبحث عن الأطفال ولا يستقطبهم، لكن الحالة المادية المتردية والضعيفة لأهالى الأطفال هي التي تجعلهم يسربون أطفالهم من التعليم ويجلبونهم للعمل بالورش. وأضاف أنه بدأ يفكر جديًّا في جلب عماله من الأطفال، لكن أكبر من 16 عامًا، ويمنحهم مرتبات مجزية ويتعلمون المهنة؛ لأن سبك وتشكيل المعادن هي أم الصناعات، ولابد من وجود جيل جديد من الصناع المهرة لتلك الصناعة، حتى لا تندثر مع تلاشى كبار «الصنايعية»، وتساءل بادع: لماذا لا تقنن الدولة علاقة العمل بين الأطفال وأصحاب الورش، ويكون للطفل تأمينات ورعاية صحية؟ وفي تصريح صحفى للمهندس وائل غنام، وكيل مديرية القوى العاملة بالدقهلية، قال إن المدرية تعاني من قلة مفتشي السلامة والصحة المهنية، والمختصين بالمرور والتفتيش على المؤسسات والمنشآت الخاصة، وإنه في حالة ثبوت تشغيل أطفال بالمنشآت الخاصة، يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه صاحب العمل. وأكد الدكتور هاني هلال، رئيس الائتلاف المصري لحقوق الطفل، أن مصر واحدة من أقدم الدول التي توقّع على الاتفاقيات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل، وتم التوقيع على اتفاقيية 182، الخاصة بالمنظمة الدولية لأشكال وأنواع العمل لعام 2008، وعدلت مصر تشريعاتها لتتفق مع المواثيق والمعاهدات الدولية، ويوجد نوعان من العمل الأول، نوع من العمل لا يؤثر على صحة وتعليم وأخلاق الطفل، وهذه الأعمال تصلح للأطفال فوق 15 عامًا، ومن المفترض أن يحظر عمل من هم أقل سنًّا عن ذلك، وهذا ما يقره القانون المصري، وفقًا للمواثيق الدولية، لكن للأسف هذا مغاير لما يحدث على أرض الواقع، والعمل للأطفال يبدأ في مصر من سن 7 سنوات في الورش والمخارط والمحاجر بصعيد مصر، والتي تمثل كارثة على الأطفال. وأضاف أن مصر بها أهم وأفضل التشريعات الخاصة بقانون العمل قانون 126 لسنة 2008، وهو قانون يحظر تشغيل الأطفال الأقل من 15 سنة.