السلالم الحجرية هي الوسيلة الوحيدة للصعود إلي مستعمر المسابك في عزبة العرب أعلي هضبة المقطم من ناحية مدينة نصر. هنا لن تتوقف عن الاندهاش فالعشوائية تفتح أبوابها لكوارث متنوعة تبدأ بقنابل أنابيب البوتاجاز وبراميل المازوت المتراصة أمام أفران المسابك ولا تنتهي بكابوس انهيار الصخور فوق رءوس السكان علي طريقة الدويقة. 5 1 ألف عامل في أفران بدائية لصهر مخلفات الألومنيوم يعملون بسعادة رغم أنهم يستنشقون الأبخرة السامة ليمنحوا أطفالهم قبلة الحياة. «روزاليوسف» استقصت أوضاع المنطقة في تحقيق مثير من داخل ورشة ضيقة بلا تهوية أو وسائل للأمن الصناعي خرج إلينا أحمد حسن أحد عمال المسابك ليؤكد لنا أن عمله هنا هو أمله الوحيد في الحياة فهو يعمل منذ 12 عاماً ويتقاضي 50 جنيها كل يوم. ويكمل طبيعة العمل بالمسابك تعتمد علي جلب مخلفات منتجات الألمونيوم وفوارغ المعلبات الغذائية من تجار الخردة ثم يتم صهرها لتمويلها إلي سبائك من الألمونيوم باستخدام الأفران وتباع لمصانع الألمونيوم بالعاشر من رمضان أو مدينة ميت غمر علاوة علي ورش بالعزبة تعمل في إنتاج الأواني. رغم صعوبة وصول عربات النقل الكبيرة إلي المسابك حيث يستحيل تسلق السلالم الحجرية ويفترض الصعود فقط علي العربات الصغيرة من خلال مدقات فإن حسني يري أن قرب عزبة العرب من وسط القاهرة والطريق الدائري يسهل علينا التسويق لمحافظات مصر.. يضيف لكن ما يعوقنا هو عدم اعتراف المسئولين بنا خاصة أنه لا يوجد ترخيص لتلك المسابك أو سجل صناعي كما أنها تفتقد اشتراطات الأمن الصناعي لهذا فإن المخالفات تنهال علي الورش سنويا بما يقارب 10 آلاف جنيه للمسبك الواحد. السكن بجوار المسبك مشكلة أخري يكشف عنها محمد محمود الذي يعمل في أحد المسابك ويسكن في العزبة حيث يؤكد أن المحافظة وفرت لهم مساكن بديلة بمنطقة النهضة لكن السكان رفضوا الإقامة هناك يقول عملي بالمسابك يتطلب وجود سكن بالقرب منها ولا يمكن أن أضيع أجري اليومي علي المواصلات من النهضة إلي مسابك العزبة! كابوس الدويقة أما محمود علي عامل فيري أن حياة سكان العزبة في خطر حيث يقول: نخشي أن نصحو يوما لنفاجأ بأجزاء من الهضبة فوق رءوسنا كما حدث بالدويقة بالإضافة لفقدان وسائل الأمن بالمسابك التي نعمل بها حيث لا يتوافر بها أية وسائل للأمن الصناعي أو معدات إطفاء الحريق. محمود يقف أمام الفرن طيلة 8 ساعات يوميا ونظرا لكون المسابك غير مرخصة نحن العمال بها منذ سنوات لا يوجد لدينا تأمين والعديد منا أصيب بحروق وأمراض صدرية خطيرة هكذا اختتم محمود كلامه بمرارة قبل أن يواصل العمل في فرن الصهر الذي لا يرحم. ومن عمال المسابك إلي أصحابها ومنهم عبده محمد الذي لا يمانع في نقل المسابك بشرط أن يكون إلي مكان قريب مثل منطقة العكرشة بالقليوبية.. عبده يعترف بأن وجود هذا الكم من المازوت وأنابيب البوتجاز قد يؤدي لتفجير العزبة بأكملها في أي لحظة. ومن قلب مسابك العزبة العشوائية إلي مقر اتحاد الصناعات علي كورنيش النيل حيث يفجر راشد توكل رئيس شعبة المسابك باتحاد الصناعات مفاجأة مؤكداً أن السبب الرئيسي وراء وجود المسابك غير المرخصة هو امتناع الجهات الرسمية عن منح تراخيص للمسابك منذ قرابة 15 عاما وهو الأمر الذي أدي إلي قلة المسابك الرسمية والتي لا تتعدي الألف مسبك علي مستوي الجمهورية. وبالنسبة لمسابك عزبة العرب يؤكد توكل أنها غير مرخصة ولا يمتلك أصحابها سجلات صناعية أو تراخيص أو بطاقات ضريبية واصفا منتجاتها بأنها غير مطابقة للمواصفات ومعايير الجودة. ويواصل رئيس الشعبة مفاجآته ليؤكد أن هذه المسابك غير خاضعة لتفتيش الرقابة الصناعية مما يجعلها تمثل خطورة داهمة عند تداول منتجاتها. منح التراخيص رئيس الشعبة يطالب عبر «روزاليوسف» بفتح باب منح التراخيص للمسابك بعد نقلها من منطقة عزبة العرب إلي منطقة صناعية لضمان خضوعها لرقابة الأجهزة المعنية خاصة أنها تضرب الصناعة المحلية بتقديمها منتجا رديء الجودة بسعر رخيص. ويقول توكل للأسف فالمستهلك لا يملك الوعي الكافي للتفرقة بين المنتج الأصلي والآخر المغشوش. وكما تفتقد منتجات هذه المسابك للمعايير الصحية فإن العاملين في تلك المسابك يتعرضون لأمراض خطيرة وكما يوضح الدكتور محمود عمر أن الوقوف بشكل مباشر أمام الأفران أو السكن بجوارها يعرض المواطنين للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والأورام الخبيثة نتيجة استنشاق الأبخرة السامة. أيضا فإن منتجات هذه المسابك تحتوي علي نسبة عالية من المعادن الثقيلة كالرصاص والكروم والحديد وهي عناصر سامة خاصة إذا تم استخدامها في أواني الطهي. قرارات الازالة ويعترف الدكتور مرعي خليفة رئيس المجلس الشعبي المحلي لحي غرب مدينة نصر بأن منطقة عزبة العرب من المناطق العشوائية والتي صدرت لها قرارات إزالة ونقل لسكانها منذ عام 1997 لكن لم يتم سوي نقل33 أسرة فقط وتبقي 370 أسرة. في المقابل يؤكد خليفة أن المسابك لم يصدر حيالها أي قرار بإزالتها ولكن كان هناك توجه لنقلها لمنطقة عكرشة بالقليوبية ولكن الأمر لم ينفذ وهناك الآن تفكير لنقلها لمنطقة عرب أبوساعد بمحافظة حلوان وتتم دراسته خاصة أن هناك 450 مسبكا كبيرا بالمنطقة بالإضافة للورش الصغيرة ويعمل بها قرابة 15 ألف عامل. ويختم بقوله للأسف فإن 90% من سكان المنطقة مصابون بأمراض صدرية نتيجة وجود تلك المسابك وسط الكتلة السكانية.