جددت أحداث مدينة إربد الأردنية بالأمس ملف دعم عمان وتساهلها، الذي وصل إلى درجة غض البصر عن تواجد جماعات إرهابية بمناطق حدودية تابعة لها وتسهيل عبورها إلى سوريا، لا سيما أن إربد تبعد حوالي 20 كيلو مترًا من جنوب الحدود السورية. ودارت اشتباكات عنيفة بين الشرطة الأردنية وجماعات مسلحة، استمرت حتى وقت متأخر من ليل أمس في إربد شمال البلاد، حيث حاصرت قوات الأمن المجموعة المسلحة بأحد منازل المدينة وواجهتهم بالأسلحة النارية وقنابل الغاز. عملية أمنية في إربد ورغم تأكيد الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية انتهاء العملية الأمنية في مدينة إربد، التي أسفرت عن مقتل ثمانية مسلحين ورجل أمن برتبة نقيب، وإصابة اثنين من العناصر الأمنية، إلَّا أن بيان الحكومة أشار إلى أن العملية الأمنية بمدينة إربد مستمرة من أجل القبض على الذين وصفتهم الداخلية بالخارجين عن القانون. ولم تكشف الداخلية عن كامل أسرار العملية، فوسائل الإعلام مُنعت من الاقتراب بأمر الجهات الرسمية والأمنية الأردنية التي فرضت طوقًا أمنيًّا وآخر معلوماتيًّا، بمنع أي معلومات عن عدد الإرهابيين المتحصنين أو حتى هوياتهم، وتعد العملية واحدة من أكبر عمليات التفتيش عن الخلايا النائمة المتعاطفة مع التيارات الإرهابية في الأردن خلال الأعوام الماضية. ويؤكد مراقبون أن العملية كانت امتدادًا لعمليات أخرى تعاملت فيها الأجهزة الأمنية مع جماعات متطرفة، فقوى الأمن الأردنية اعتقلت الأسبوع الماضي 15 ناشطًا من التيار الإرهابي بمدينة إربد، كما تم اعتقال نحو 300 شخص من التيار نفسه الشهر الماضي، وواجهوا تهمًا تتعلق بتأييدهم لداعش والترويج لفكرها. الأردن بين واشنطنوموسكو الأردن ليست بعيدة عن تطورات المشهد السياسي والعسكري الدائر في سوريا، فأغلب الدول الحدودية التي كانت تدعم الإرهاب كتركيا، شهدت مؤخرًا تحركات حدودية واشتباكات من هذا النوع، نزولًا عن رغبة قطبي الصراع في سوريا، روسيا والولايات المتحدةالأمريكية، اللذين اتفقا مؤخرًا على هدنة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة تستثني داعش والنصرة، حيث أفادت وكالة «دوغان» التركية أمس بقصف للجيش التركي على مواقع لتنظيم داعش في سوريا، بالتنسيق مع التحالف الأمريكي. وتعتبر الأردن من أكثر الدول الحدودية ارتباكًا في تعاملها مع روسيا وأمريكا حيال الأزمة في سوريا، فتركيا الدولة الحدودية مع سوريا حسمت أمورها مع روسيا بقطع آمال العودة بعد إسقاطها الطائرة الحربية شهر نوفمبر الماضي، أما الأردن فمازالت حائرة بين مشاركتها مع واشنطن في التحالف الدولي ومصالحها مع موسكو. وأصبحت الأردن طرفًا أصيلًا في الأزمة السورية بعد أن طالتها تصريحات وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الذي اتهم فيها الأردن بتسهيل مرور الإرهابيين عبر أراضيها إلى سوريا، ورغم النفي الأردني لهذه الاتهامات ووصفها بالافتراء، إلَّا أن أحداث إربد الأخيرة أثبت صحة الاتهامات السورية للأردن. ويرى مراقبون أن عملية إربد بدأت تفرض واقعًا جديدًا على عمان، فالوجود الروسي في سوريا الذي يحارب التنظيمات الإرهابية يمثل ضمانة للأمن الحدودي الأردني، كما أن أي تسوية عسكرية تنال من داعش في سوريا ستنعكس بالدرجة الأولى على أمن الأردن، خاصةً أن الضغط من قِبَل الجيش السوري المدعوم روسيًّا على الفصائل المسلحة الإرهابية، سيجعل من المنافذ الحدودية وسيلة البقاء الوحيدة لهذه الفصائل. وبعيدًا عن مسار انعكاسات الحرب، فإن الأردن وبموقعه الجديد سيكون عرضة للإرهاب؛ سواء تقارب من موسكو أو واشنطن، فالأردن بوصفه الدولة المناط بها تحديد قائمة الجماعات الإرهابية في سوريا، سيكون محط أنظار الفصائل المسلحة، وستبدأ هذه الفصائل بتمايز مواقفها من الأردن، وفقًا لما ستفرزه قوائمها، فضلًا عن أنه يترتب على إقرار الأردن بأن هذه المنظمات إرهابية، مشكلات مع الأطراف المختلفة، ذلك أن لكل طرف دولي رأيه وقوائمه في هذا الشأن، وبما أن الوضع الحالي يجبر الأردن على تأمين حدودها، فإن هذا يقودها بطبيعة الحال لتقارب يفرضه الواقع مع روسيا، وبالتالي لا يمكن قراءة العملية الأمنية في إربد، إلَّا من الناحية السياسية.