تنطلق الخميس المقبل الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائى، حاملة معها ملامح التحول الأوضح فى تاريخ المهرجان منذ تأسيسه عام 2017، فبعد أن رسخ المهرجان مكانته كمحطة سينمائية دولية، تأتى هذه الدورة لتُعلن انتقاله من مرحلة «البريق والاحتفال» إلى مرحلة «التأثير والصناعة»، مؤكدة أن السينما ليست ترفًا جماليًا فحسب، بل أداة وعى وتنمية وتواصل إنسانى. تُقام الدورة الجديدة تحت شعار المهرجان الراسخ «سينما من أجل الإنسانية»، لكنها تضيف إليه مضمونًا جديدًا يتمثل فى قضية الأمن الغذائى، كموضوع مركزى للمهرجان بالتزامن مع اليوم العالمى للغذاء، فى شراكة مع الأممالمتحدة وبرنامج الغذاء العالمى، هذه الخطوة تعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية أن تتقاطع السينما مع القضايا الكبرى التى تشغل البشرية، وأن يصبح المهرجان منصة للتفكير فى حلول لا مجرد استعراض للأفلام. وإذا كانت الدورات الأولى من مهرجان الجونة قد انشغلت ببناء هوية المهرجان وصورته الدولية، فإن الدورة الثامنة تبدو معنية أكثر بتثبيت دوره كمحركٍ حقيقى لصناعة السينما فى المنطقة. فأحد أبرز إنجازات هذه الدورة هو التوسّع اللافت فى منصة الجونة التى استقبلت أكثر من 290 مشروعًا من أنحاء العالم العربى والإفريقى والأوروبى، واخُتير منها 20 مشروعًا لبرامج التطوير والدعم، كما توسّع سوق الجونة السينمائى بمشاركة شركات ومنتجين عالميين، مما يعزز موقع المهرجان كمحرك للصناعة السينمائية فى المنطقة. وتحرص إدارة المهرجان هذا العام على الموازنة بين البعد الدولى والجذر المحلى، فالدورة تستضيف النجمة العالمية كيت بلانشيت كضيفة شرف، فى خطوة تؤكد الحضور العالمى للمهرجان وارتباطه بنجوم الصف الأول، فيما تُمنح جائزة الإبداع مدى الحياة للنجمة المصرية منى شلبى تقديرًا لمسيرتها السينمائية، إلى جانب عرض خمسة أفلام مصرية فى مسابقاته الرسمية، مما يعكس حرص المهرجان على دعم الإنتاج المحلى وصانعى الأفلام الشباب. المقارنة مع الدورات السابقة تكشف أن المهرجان تجاوز مرحلة التأسيس إلى مرحلة النضج والتأثير، فبينما ركزت الدورات الأولى على البريق، تأتى الدورة الثامنة لتربط السينما بالإنسان ، ولتتحول من مهرجان للعروض إلى منصة للإنتاج والحوار والصناعة. ورغم هذا التطور، تبقى التحديات قائمة فى تحقيق التوازن بين الرسالة الإنسانية والقيمة الفنية، وضمان استدامة التمويل وتوسيع الوصول إلى الجمهور، وبقدر ما تحمل هذه الدورة من بريق واحتفاء، فإن قيمتها الحقيقية تكمن فى قدرتها على تحويل هذا البريق إلى طاقة إنتاج وتعاون وتأثير، تجعل من الجونة ليس مهرجانًا موسميًا، بل مدرسة مستمرة فى صناعة السينما والفكر الإنسانى.