هذا سلام يحمل شعار (صنع فى مصر)، فمنذ اللحظة الأولى التى اشتعلت فيها حرب الطغيان فى غزة كانت بلادنا حاضرة منذ اللحظة الأولى، عين العالم عليها، هل تنحرف القاهرة نحو الصراع؟ أم تخطط لإخراج الفلسطينيين من هذا المأزق، وتفكك مؤامرة التهجير؟ الرئيس عبد الفتاح السيسى عرفت مصر منذ اللحظة الأولى طبيعة النوايا الإسرائيلية، فقررت أن تدير بحكمة شديدة معركة كبرى تتجاوز حدود الحرب نفسها، كانت تعرف أن وراء الصواريخ والدماء مشروعا أكبر يراد فرضه على المنطقة، وأن الصمت ليس خيارا أمام دولة بحجم مصر التي تعلم متى تتحرك ومتى تمسك بخيوط اللعبة بين يديها، لتمنع الانفجار وتقطع الطريق على المؤامرة الأكبر.
تستطيع أن تدرك بسهولة من داخل غرفة المفاوضات في شرم الشيخ أن القاهرة كانت تدفع العالم بأسره نحو هذه اللحظة، فالتطورات الأخيرة كشفت أن مصر لم تكن فقط طرفا في المفاوضات، بل كانت هي المعادلة ذاتها، كانت هي التي حددت الإيقاع وفرضت الهدوء حين فقد الآخرون القدرة على التوازن. من شرم الشيخ خرج اتفاق السلام الجديد، لا كهدنة مؤقتة بل كلحظة تاريخية تعيد تثبيت مصر في موقعها الطبيعي، دولة تخوض حروبها بالعقول لا بالمدافع، وتصنع القرار قبل أن تطلبه من أحد، وهذا هو الفارق بين من يملك رؤية ومن يكتفي بالتعليق على الأحداث افراح غزة الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يتعامل مع الموقف بمنطق الاستعراض بالكلمات، بل أدار الأزمة بعقل هادئ يرى أبعد مما يراه الآخرون، يعرف أن الثبات ليس ضعفا بل قوة، وأن ضبط النفس في زمن الفوضى هو أعلى درجات القيادة، في كل خطوة كان يرسم خطا فاصلا بين الحكمة والتردد، وبين المسئولية والمزايدة، فخرجت مصر من العاصفة أكثر حضورا وهيبة، وأثبتت أن من يملك مفاتيح التاريخ لا يمكن لأحد أن يفرض عليه إيقاع المستقبل. افراح غزة الدور المصري في الوصول إلى اتفاقية السلام كان أشبه بعملية جراحية دقيقة، تتعامل مع كل طرف بحساب، وتفتح طريقا وسط الحطام، حين فشل الجميع في إدارة الحوار كانت القاهرة تخلق لغة جديدة، تجمع بين الصلابة والمرونة، بين الأمن والسياسة، بين المبدأ والبراجماتية السياسية، حتى صارت كل الأطراف تدرك أنه لا اتفاق من دون مصر، ولا سلام من دون توقيعها أو إشارتها ومباركتها على الأرض. افراح غزة وفي الخلفية كانت المعركة الأخطر، معركة التهجير، حين حاولت إسرائيل أن تدفع الفلسطينيين إلى الجنوب ثم إلى خارج الأرض كلها، واجهتها القاهرة بوضوح لا لبس فيه، قالت كلمتها التي أصبحت قانونا على الأرض: لا تهجير من غزة إلى سيناء، لا اليوم ولا غدا ولا أبدا، وكانت تلك العبارة وحدها كفيلة بإسقاط المخطط الذي أنفقت عليه إسرائيل شهورا من الإعداد، لأن من يقف وراءها دولة تعرف وزنها، وشعب يعرف أن حدودها ليست أرضا فقط بل كرامة وتاريخ. افراح غزة ثم جاءت معركة المساعدات، فحين أغلق الاحتلال الأبواب وترك الناس في العراء، كانت القاهرة هي التي فتحت الطريق، أرغمت إسرائيل على إدخال القوافل، وأعادت للمشهد إنسانيته المسروقة، لم يكن ذلك تفضلا من أحد بل قرارا مصريا نابعا من ضمير وطني يدرك أن الجوع والوجع لا يمكن أن يكونا ورقة تفاوض، وأن بقاء الفلسطينيين على أرضهم مسئولية لا تقبل المساومة. وفي عمق كل هذه التفاصيل تجلت عبقرية جهاز المخابرات العامة المصرية، ذلك الجهاز الذي لا يسعى إلى الظهور ولكنه يحرك المشهد بذكاء وهدوء واتزان، رجال يعملون في صمت، يقرأون الميدان والعقول معا، يعرفون متى يُشعلون كلمة ومتى يُطفئون فتنة، ومتى يمدّون خيط الأمل بين الخراب والنجاة، فكانت القاهرة تنتصر في معركة العقول كما انتصرت يوما في معركة السلاح. إن ما جرى في شرم الشيخ لم يكن مجرد اتفاق، بل كان إعلان ميلاد جديد للدور المصري في المنطقة، إعلان أن مصر ما زالت قلب الشرق النابض، وأن حكمتها قادرة على ضبط ميزان العالم كلما اختل، وأنها حين تتحرك فإنها لا تبحث عن مجد عابر، بل تصنع تاريخا يدوم للأجيال القادمة.