تزايدت في الآونة الأخيرة الاتهامات الأمريكية للحليف الصهيوني على مسرح السياسة العالمية، فأول أمس الثلاثاء، شن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، هجوما على الحكومة الإسرائيلية، قائلا: «سياستها تزيد المخاطر والتهديدات على إسرائيل». وانتقد كيري سياسة الحكومة الصهيونية حيال الصراع مع الفلسطينيين، وأن إسرائيل ستصبح مع المناطق الفلسطينية دولة ثنائية القومية من الصعب إدارة شؤون الحكم فيها، مضيفا: «لا يمكن لإسرائيل ببساطة مواصلة البناء في الضفة الغربية وهدم منازل أناس ترغب في التوصل إلى تسوية سلمية معهم». ادعاءات كيري بالهجوم على الكيان الصهيوني، لم تكن الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، ففي 24/2/2015، قال وزير الخارجية الأمريكي، إن منتقدي الاتفاق النووي قيد التفاوض مع إيران لا يعرفون عما يتحدثون، في إشارة إلى رئيس وزراء إسرائيل. كان نتنياهو بعث رسالة إلى سيناتور ديمقراطي، رفض فيها دعوة النواب الديمقراطيين للاجتماع معهم في مجلس الشيوخ الأمريكي، خلال زيارته المقررة لواشنطن في ذلك الوقت، قائلا: «أؤكد لكم أن نيتي الوحيدة من قبول الدعوة، التعبير عن مخاوف إسرائيل الخطيرة من اتفاق نووي محتمل مع إيران قد يهدد وجود بلدي». وفي 4 مارس 2015، أعلن كيري أنه حقق بعض التقدم مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، في مفاوضاتهما، موجها نقدا مخفيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد كلمة الأخير أمام الكونجرس الأمريكي، التى دعى خلالها القوى العالمية الست إلى الإصرار على تفكيك البرنامج النووي الإيراني وتغيير ما وصفه بالوضع الإقليمي العدواني، وانتقد الرئيس الأمريكي، أوباما، أيضا خطاب نتنياهو، مؤكدا أن التوصل لاتفاق مع إيران سيكون أفضل سبيل لمنعها من الحصول على سلاح نووي. وتعد الولاياتالمتحدة الداعم الأكبر للكيان الصهيوني، فمنذ حرب عام 1973، وفرت واشنطن للكيان الصهيوني أكبر قدر ممكن من الدعم بالمقارنة مع أي دولة أخرى، فتل أبيب أكبر متلق للمساعدات العسكرية والاقتصادية المباشرة منذ عام 1967، فيتلقى الكيان الصهيوني سنويا حوالي ثلاثة مليارات دولار كمساعدات أمريكية مباشرة، أي ما يقارب خمس ميزانية المساعدات الخارجية، وبمعنى آخر، فإن واشنطن تعطي كل مستوطن إسرائيلي حوالي أربعمائة دولار سنوياً، فى حين أن الكيان الصهيوني اليوم يعد قوة صناعية غنية، فيبلغ دخل الفرد فيها أكثر من 2500 دولار. وأعطت الولاياتالمتحدة لإسرائيل حوالي ثلاثة مليار دولار لتطوير أنظمة التسلح فيها، كما أن واشنطن تتيح لتل أبيب ما لا تتيحه لغيرها، فمكنتها من الإطلاع على معلومات استخباراتية لا توفرها لحلفائها في منظمة حليفها الأطلسي، وغضت الطرف عن امتلاك الكيان الصهيوني للسلاح النووي. وعلى الصعيد السياسي، توفر الولاياتالمتحدة الدعم الدبلوماسي المستمر لهذا الكيان، فمنذ عام 1982، استعملت أمريكا حق النقض «الفيتو» في تاريخها 79 مرة، أكثر من النصف وهو 41 مرة لصالح الكيان الصهيوني ومصالحه، و33 مرة ضد القرارات الفلسطينية، مما يعني أن حق النقض، سيوظف لخدمة العدو الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية، طالما أن الولاياتالمتحدة تلقي بكامل دعمها للاحتلال. لماذا تنتقد الولاياتالمتحدةالأمريكية حليفها الصهيوني في هذا التوقيت؟ الحفاظ على صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في معظم الأحيان، حاول الإعلام الغربي والأمريكي قدر المستطاع تصوير الكيان الصهيوني باعتباره دولة ضعيفة ومحاصرة، لكن مهما حاول لا يستطيع التغطية على الصورة المغايرة والأقرب للواقع، فالكيان اليوم القوة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط، ويتفوق بمراحل في قواته التقليدية على الدول العربية، كما أنه الوحيد الذي يمتلك أسلحة نووية، وإذا كان دعم الطرف الضعيف مطلب يفرضه المنطق الأخلاقي، فإنه يتعين على الولاياتالمتحدة أن تدعم أعداء الكيان الصهيوني، خاصة الفلسطينيين الذين لا يملكون إلا الحجارة، وحتى تتهرب الولاياتالمتحدة من المعضلة، توجه انتقادات لا تسمن ولا تغن من جوع ولا يترتب عليها أي تبعات سياسية أو قانونية للكيان الصهيوني، ففي الوقت الذي تتظاهر فيه أنها تقسو على إسرائيل من خلال تصريحاتها، تحميها من أي انتقادات لها باستخدام حق الفيتو، كما تزودها بالسلاح والمال. امتصاص غضب الشارع الإسلامي العربي تؤكد استطلاعات الرأي العام أن الشعوب العربية تشعر بسخط شديد على الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ بسبب دعمها للكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، ما يضعف موقف الولاياتالمتحدة خارجيا أمام الرأي العام العالمي والعربي والإسلامي، فيعتقد معظم حلفاء واشنطن أن أمريكا تدعم إسرائيل أكثر من اللازم، وأن تغاضيها عن القمع الصهيوني في الأراضي المحتلة، أمر غير أخلاقي ويشكل عائقا في الحرب على الإرهاب، وبالتالي تحاول أمريكا من خلال تصريحاتها التي تتظاهر بها أنها معادية للكيان الصهيوني؛ لامتصاص غضب العرب والمسلمين. الانتقادات الأمريكية تؤثر إيجابًا على الانتخابات الصهيونية الحكومة الأمريكية عندما تنتقد موقف نتنياهو وتعطيه صبغة تطرفيه في قضايا تمس الأمن القومي الصهيوني، كالملف النووي الإيراني أو السوري، فهي شهادة للداخل الصهيوني تعزز من فرص حزبه للفوز في الانتخابات. كشف استطلاع للرأي خلال شهر مارس الماضي ارتفاعا طفيفا لشعبية نتنياهو في الكيان الصهيوني؛ بعد كلمته في الكونجرس الأمريكي، التي لاقت بعض النقد من أطراف سياسية أمريكية كأوباما وجون كيري فيما يخص الملف النووي الإيراني. تحالفات السعودية بتعاون أمريكي في الفترة الأخيرة، شهدنا تحالفات سياسية ودينية روجت لها السعودية بالمنطقة، تكون دائما عبر اقتراحات أمريكية أو مباركة من واشنطن، فالتحالف الإسلامي الذي دعت إليه السعودية مؤخرا، سبقه تأكيد في شهر أغسطس 2014 من المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش أرنست، أن الولاياتالمتحدة ترغب في التنسيق مع الدول السُنية في المنطقة، لاسيما السعودية لبناء تحالف دولي ضد تنظيم داعش، أما المباركة الأمريكية لتحالفات السعودية العسكرية، جاءت على لسان وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر في وقت سابق، حين قال إن بلاده تدعم خطط إنشاء قوة عربية مشتركة للتصدي للتهديدات الأمنية المتزايدة في الشرق الأوسط، وإن البنتاجون سيتعاون معها في المجالات التي تتوافق فيها المصالح الأمريكية مع العربية. ولكي ترفع أمريكا الحرج عن السعودية كحليفة لها وعرابتها في التحالفات بالمنطقة، تنتقد من حين إلى آخر الكيان الصهيوني، فتقتنع وقتها الدول العربية والإسلامية أن السعودية بتحالفها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يعني بالضرورة بأنها حليفة لإسرائيل.