للمرة الأولى منذ أن خسر رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" معركته ضد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وفي أجواء سياسية مشحونة، ووسط توقعات متضاربة بلقاء ودي دافيء أو لقاء على أوتار مشدودة، وصل "نتنياهو" إلى واشنطن الأحد الماضي، في زيارة من المقرر أن تنتهي اليوم، يتطلع خلالها لطي صفحات الخلافات مع الحليف الأمريكي وفتح قنوات ابتزاز جديدة. في لقاء هو الأول منذ أكتوبر عام 2014، التقى رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو"، الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، أمس الاثنين في واشنطن، و خلال زيارته يلقي كلمة في مركز التطوير الأمريكي، وهو مركز أبحاث في واشنطن تربطه علاقات وثيقة بالبيت الأبيض والحزب الديمقراطي، ويلتقي أعضاء في الكونجرس. توقع الخبراء أن يكون اللقاء الأمريكي الإسرائيلي عملياً أكثر منه ودياً، حيث يهدف الطرفين من خلاله إلى تجديد التأكيد على متانة التحالف الأمني بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وهو ما أكده تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض "جوش ارنست" حيث قال إن "المشاعر الشخصية ليست أهم من قدرتهما على العمل معاً لدفع مصالح الأمن القومي للبلدين"، وهو ما دفع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إلى وصف اللقاء بأنه أشبه "بلقاء بالغ الحرج لزوجين منفصلين بعد خلافات عديدة، يلتقيان بمرارة فقط لأجل آخر التسويات المالية قبل الطلاق"، وأشارت الصحيفة إلى أن الإدارة الأمريكية تستقبل "نتنياهو" بكتف باردة، وقد برز هذا من خلال قرار الإدارة عدم استضافة "نتنياهو" وحاشيته في مقر الضيافة الرسمي الفاخر المعروف باسم "بلير هاوس"، وإبقائهم في فندق بواشنطن. يسعى "نتنياهو" إلى تحسين العلاقات الشخصية المتوترة مع حليفه الأمريكي "أوباما" وطي صفحة الخلافات، حيث شهدت العلاقات بين الحليفين في الفترة الأخيرة تدهور وبرود على خلفية الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته أمريكا رغمًا عن رغبة الحليف الصهيوني، فكانت التصريحات الصهيونية المعادية لأمريكا وسياستها تتجدد يوميًا بشكل استفز الإدارة الأمريكية ودفعها إلى الرد أحيانًا بلهجة مرتفعة وغاضبة، وأعقبها فترة قطيعة طويلة بين نتنياهو وأوباما لم تكن توجد فيها قناة تواصل شخصي بين الرجلين. جاءت زيارة "نتنياهو" الأخيرة لواشنطن في مارس الماضي لتزيد الخلاف وتشعل الأجواء بين الطرفين، حيث زار "نتنياهو" البيت الأبيض بدون أي تنسيق مسبق، وهو ما أبقى أبواب البيت الأبيض مغلقة أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال تلك الزيارة، حيث رفض "أوباما" استقباله حينها، وأعرب البيت الأبيض عن استيائه يومها من قرار "نتنياهو" إلقاء خطاب في الكونجرس تلبية لدعوة من الجمهوريين، لتحريض المشرعين الأمريكيين على التصويت ضد الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما أثار غضب وامتعاض الرئيس الأمريكي الذي سعى حينها إلى التقليل من شأن خطاب "نتنياهو". الخلافات بين الطرفين لا تنفي استمرار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خاصة على المستوى العسكري التسليحي، حيث تعتبر هذه النقطة محور التباحث الأساسية بين الطرفين، خاصة مسألة زيادة المعونات العسكرية السنوية لإسرائيل، والتي تتعلق باتفاق عسكري جديد يمتد للسنوات العشر القادمة، قد يتيح لإسرائيل الحصول على زيادة في المساعدات العسكرية الأمريكية التي تتلقاها وقيمتها أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً، وتضاف هذه المساعدات العسكرية إلى مساعدات أخرى منها الإنفاق على منظومة القبة الحديدية الدفاعية لاعتراض الصواريخ، وتأتي هذه الاتفاقيات الدفاعية ل"طمأنة إسرائيل حيال المخاطر الأمنية التي تقول إنها تواجهها بسبب الاتفاق النووي مع إيران". لن يتم وضع اللمسات النهائية على الاتفاقية الدفاعية خلال القمة، ولن تدخل حيز التنفيذ إلا في العام 2017 بعد انتهاء اتفاق قائم حاليًا، لكن يناقش "أوباما" و"نتنياهو" الالتزامات التي قد تسمح لإسرائيل بالحصول على 33 مقاتلة من طراز "إف-35″ المتطورة، والتي قدمت إسرائيل طلبًا بشأنها، بالإضافة إلى ذخائر عالية الدقة وفرصة لشراء مروحيات "في-22 اوسبري" وأسلحة أخرى مصممة لضمان تفوق إسرائيل العسكري على جيرانها. القضية الفلسطينية واشتعال الأجواء في الأراضي الفلسطينية أخذت مساحة من المباحثات بين الحليفين، لاسيما وأن الزيارة تأتي في الوقت الذي تُصعد فيها حكومة الاحتلال من سياسة تهويدها للأراضي الفلسطينية، وتصم آذانها عن أي دعوات لإحياء عملية السلام مع الفلسطينيين، وكان "أوباما" انتقد "نتنياهو" بسبب الإشارات المتضاربة التي يرسلها حول التزامه بحل الدولتين، لكن منذ أيام أكد ثلاثة مستشارين ل"أوباما" أنه فقد أي أمل بالتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين قبل أن يغادر منصبه في يناير 2017، وأنه لم يعد يؤمن باستئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بل إنه لم يعد يؤمن أيضًا بحل الدولتين. "نتنياهو" الذي يتطلع إلى العودة لإسرائيل وفي جعبته إنجاز عسكري أو صفقة تسليحية دسمة، قد تنهدم أماله في لحظة بسبب تصريحات مستشار نتنياهو "ران باراتز" المثيرة للجدل مؤخرًا، والتي وصف فيه الرئيس الأمريكي بأنه "وجه معاصر لمعاداة السامية"، وقال عن وزير خارجيته "جون كيري"، أنه "له قدرة عقلية كقدرة طفل"، وحينها طلب "كيري" من "نتنياهو" توضيحًا بشأن تصريحات "باراتز"، وبدوره حاول "نتنياهو" تخفيف حدة التوتر بقوله إن "تصريحات باراتز غير مقبولة"، وأنه سيناقشه في الأمر عند عودته إلى تل أبيب.