انطلق الشعب الفلسطيني في كافة أنحاء الأراضي المحتلة معلنًا عن غضبه وامتعاضه من الصمت الدولي والانتهاكات الصهيونية والموقف العربي والإقليمي المتخاذل، واتخذ زمام مبادرة التحرك ضد عدوان الاحتلال دون أن يقف خلفه أي تنظيم أو فصيل معين، فأعلن انتفاضته الشبابية العفوية، وحمل على عاتقه مسؤولية مواجهة الاحتلال بأدواته المتوافرة، سواء بالسكين أو الدهس أو الحجارة. وفي ذلك الوقت كانت القوى السياسية منصرفة عما يحدث على الأرض، ومنشغلة بتسمية ما يحدث في الأراضي الفلسطينية: هل هي "هَبَّة جماهيرية" تحتاج إلى تأييد رسمي من الحكومة والفصائل الفلسطينية، أم"انتفاضة شعبية" تشبه في أهدافها وطريقتها وقيادتها الانتفاضتين الأولى والثانية؟ وسواء كانت هذه أو تلك، فإن المسميات لن تغير من دلالات وأهداف الحراك الفلسطيني ضد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين. أبو مازن يعترف بالحراك الفلسطيني في خطوة جديدة توحي بتغير الموقف الرئاسي الفلسطيني، اعترف الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" لأول مرة بالحراك الشعبي الفلسطيني، بعد أن كان يذهب في كافة خطاباته السابقة إلى إدانة التحركات المسلحة أو الاكتفاء بالحديث عن الخيارات السلمية والمفاوضات، أو الالتفاف حول الأمر وعدم التطرق إليه. فالرجل الذي اعتاد الإعلان عن عدم تأييده لاندلاع انتفاضة ثالثة، وآمن طوال سنوات حكمه بخيار المفاوضات والتسوية السياسية، تَدرَّجَ موقفه؛ ليمتنعفي وقت سابق عن تأييد الهجمات أو إدانتها، ثم يتغير الموقف نهائيًّا؛ ليصبح تأييدًا مُطلقًا ومُبررًا واعترافًا بالحراك الشعبي الفلسطيني، بل وأطلق عليه مصطلح "انتفاضة". وصف عباس ما تشهده الأراضي الفلسطينية من مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 3 أشهر بأنه "انتفاضة شعبية مبررة"، حيث قال خلال احتفالية اليوم العالمي لمكافحة الفساد، التي نظمتها هيئة مكافحة الفساد في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بالبيرة، إن الهبّة الجماهيرية نجمت عن يأس الشباب من استحالة تحقيق حل الدولتين، واقتحام المسجد الأقصى المبارك، وتواصُل البناء الاستيطاني، وانتشار الحواجز العسكرية الاحتلالية. وأضاف "نحن لا نملك أن نقول للشباب: لماذا أنتم خارجون للانتفاضة؟"، مؤكدًا أن "الانتفاضة الحالية بدأت هبّة جماهيرية مبررة. لقد خرجوا لأسباب عدة، أولها أنهم بدؤوا يشعرون باليأس من الدولتين، فهم يجولون ولا يرون أساسًا منطقيًّا لدولتين، فدولتنا غير موجودة، استيطان، حواجز، وبدأ اليأس يقترب إلى عقولهم، فبدأ يتراكم هذا الأمر، ولم يجدوا أمامهم حلًّا". وأوضح أن "الاعتداءات على الأقصى مستمرة، ففي عام 2000 اندلعت انتفاضة لأن شارون اقتحم الأقصى، واليوم يحدث الأمر ذاته". إصرار شعبي على الانتصار الموقف الرسمي الفلسطيني عادة ما كان يراعي الاتفاقيات الموقعة بين الاحتلال الصهيوني والدولة الفلسطينية، وهو ما كان يجعل موقفه غير واضح في الكثير من الأوقات، لكن دخول الهبّة الجماهيرية شهرها الثالث، وزيادة العمليات الفردية الفلسطينية، وتصاعد حدة الاشتباكات مع جنود الاحتلال، على الرغم من الإجراءات الأمنية الصهيونية المشددة، وفشل الرهان على المفاوضات وحل الدولتين، كل ذلك يبدو أنه أعطى انطباعًا لدى القيادة والفصائل الفلسطينية بوجود إصرار شعبي على مواجهة الكيان الصهيوني مهما كانت العواقب والتحديات، وهو ما دفع القيادات السياسية للاعتراف بالحراك الشعبي، حيث بدأت تدرك أن الشعب لن يتنازل عن حقوقه، ولن يوقف حراكه، حتى وإن تعمدت بعض الجهات السياسية التقليل من شأن ما يحدث على الأرض. التغيير الجوهري في موقف الرئيس الفلسطيني الذي أصبح مؤيدًا للانتفاضة قد يكون ضوءًا أخضر للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بأن تقف على الحياد، ولا تمنع الانتفاضة من استكمال طريقها، حيث كانت الأجهزة الأمنية دائمًا ما تمنع الشباب الفلسطيني من الوصول إلى مناطق التماسِّ مع الاحتلال الصهيوني، من خلال مطاردة أبناء المقاومة واعتقال العشرات منهم، بناءً على اتفاقيات ومعاهدات للتنسيق الأمني بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. هجمات الفلسطينيين ضد المستوطنين تصريحات عباس جاءت في وقت أظهر فيه استطلاع جديد للرأي دعمًا فلسطينيًّا واسع النطاق للهجمات المستمرة التي يشنها شباب فلسطينيون ضد المستوطنين والجنود الإسرائيليين، حيث كشف الاستطلاع، الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أن ثلثي الفلسطينيين يؤيدون الموجة الحالية من عمليات الطعن، ويعتقد معظم الفلسطينيين أنه إذا ما تطورت الهجمات الفردية الحالية إلى انتفاضة مسلحة، فإن العنف قد يخدم المصالح الفلسطينية أكثر من المفاوضات. وقال المركز إن 67% من الآراء المستطلعة يؤيدون استخدام السكين في المواجهات الراهنة مع إسرائيل، وإن 66% يعتقدون أنه لو تطورت المواجهات الراهنة إلى انتفاضة مسلحة، فإن ذلك سيساهم في تحقيق الحقوق الفلسطينية التي فشلت المفاوضات في تحقيقها. الهبّة تتطور.. فهل تصل إلى انتفاضة؟ لا شك في أن ملامح الانتفاضة الفلسطينية بدأت تتضح، وأن الهبّة الشعبية بدأت تتطور إلى أن ترقى لمستوى الانتفاضة. ويرى مراقبون أن ملامح أي انتفاضة تتلخص في عنصرين: الأول هو الاستمرارية، كما في تجارب الانتفاضات السابقة التي استمرت سنوات عدة، وهو ما يتضح في الانتفاضة الحالية التي اندلعت في مطلع أكتوبر الماضي؛ لتقترب بذلك من دخول شهرها الرابع. أما العنصر الثاني فيكمن في الشمول، بمعنى أن يكون هناك اتساع في المشاركة بهذه الأحداث بما يشمل الجغرافيا الفلسطينية، وكذلك مشاركة فئات المجتمع جميعها، وهو ما يحدث الآن بالفعل، من خلال اتساع رقعة المشاركات الفلسطينية، وانتقال الاشتباكات والمواجهات من أحياء وقرى الضفة إلى شوارع القدس وقلب الاحتلال الصهيوني، وزيادة مشاركات وتأييدات معظم الفصائل الفلسطينية لهذا الحراك الشعبي، والذي كان آخره التأييد الرئاسي الفلسطيني. على درب الشهداء وعلى صعيد متصل أكدت وزارة الصحة الفلسطينية اليوم استشهاد أحمد جحاجحة البالغ من العمر 21 عامًا، من مخيم قلنديا، وحكمت حمدان البالغة 29 عامًا من البيرة، خلال عملية نفذها جيش الاحتلال في مخيّم قلنديا للاجئين شمال مدينة القدسالمحتلة. وأوضحت مصادر فلسطينية أن الشهيد جحاجحة ارتقى بعدما أقدم على دهس مجموعة من جنود الاحتلال في حارة الياسمين على مدخل قلنديا، مشيرة إلى أن قوات الاحتلال اختطفت جثماني الشهيدين، فيما أصيب أربعة شبان آخرون خلال المواجهات.