شهدت الفترة الماضية العديد من الاعتداءات علي الأطفال بدور الأيتام من قبل القائمين عليها، وتنوعت بين ضرب وحبس ومنع من الأكل، انتهاء بالاعتداء الجنسي، ورغم كثرة الجرائم فى حق الأطفال وتكرارها، إلا أن وزارة التضامن قررت لعب دور المتفرج فقط، فلا تحرك ساكنًا تجاه الكارثة سوى بعد تسليط الضوء عليها إعلاميًا. وأرجع عدد من الخبراء في مجال تنشئة الطفل السبب الرئيسي خلف الانتهاكات التي تحدث للأطفال، إلى وجود مشرفين ليس لديهم أي خبرات في تربية الأطفال؛ كونهم لا يحملون مؤهلات دراسية تناسب المسئولية التي يتقلدونها، وظهر ذلك جليًا من خلال بعض الإعلانات التي يطلقها عدد من دور الأيتام تطلب فيها مشرفين أو أمهات بديلة، مزيلة بعبارة «بدون أي خبرات ولا يشترط المؤهل الدراسي»، الأمر الذى ينتهى بالكوارث التي أصبحت علي مرأى ومسمع الجميع. توجهت محررة «البديل» إلى عدة دور أيتام، مثل «رسالة، وزهرة الياسمين، والرحمن»؛ للتقدم إلى وظيفة مشرفة بالدار، فلم يسألها أحد عن المؤهل أو الاختصاص، لتفاجأ بعدة أسئلة أخرى مثل: «هل انتي متزوجة؟ هل لديكي مانع في الإقامة والمبيت مع الأطفال بالدار؟»، فإذا توافر الشرطان فهينئا لغير ذى الاختصاص بالوظيفة. «ضرب وحبس وهتك عرض».. نصيب الأطفال بدور الأيتام أطفال أبرياء لم يقترفوا أي ذنب سوي أنهم خرجوا إلى الدنيا فلم يجدوا أبًا أو أمًا تحميهم من ظلمات الحياة، فملامحهم البريئة ليست كافية لحمايتهم من بعض آكلي لحوم البشر وفاقدى الآدمية الذين يعملوا فى دور الأيتام، فتعددت الاعتداءات الوحشة على براءة الأطفال، وكان أبرزها هتك عرض الأطفال من قبل ثلاث مشرفين بدار «أيتام مدينة المستقبل»، اعتدوا جنسيًا على أطفال الدار الذين يتراوح أعمارهم بين 12 إلي 15 عامًا، وبعد الكشف الطبي علي هؤلاء الأطفال وتقديم الجناة إلي النيابة، تبين أن أعمار المشرفين المُعتدين بين 18 و19 عامًا. وعلى نفس الكارثة، سارت دار أخرى لتربية وتنشئة الأطفال الأيتام تقع بمدينة العاشر من رمضان فى محافظة الشرقية، باعتداء مشرف بها جنسيًا علي أطفال الدار الذكور خلال نومهم وتكميم أفواههم حتي لا يستطيعوا الصراخ وفضحه. كما شهدت دار «نور الرحمن» هتك أحد المشرفين بها عرض طفل لم يتعد العشر سنوات، مستخدما آلة حاده لتهديده قبل تكميم فمه لعدم تصاعد أصوات صرخاته، حيث استغل «الذئب البشري» مجيء الطفل في موعد مبكر، حينما كان باقي الأطفال في مدارسهم، فتربص المشرف بالطفل وجرده من ملابسه وهتك عرضه، ولم يكتف الجاني بارتكاب جريمته الشنعاء، بل ذهب بعدها إلي مديرة الدار مقدمًا شكوي كيدية لها تفيد بأن أحد المشرفين الآخرين ارتكب الجريمة، وعليها قررت المديرة إبلاغ قسم الهرم بالواقعة. وشهدت أيضا دار أيتام الرحمة بمنطقة عين شمس، واقعة مماثلة، حيث أصيب طفل فيها بحالة من الإعياء الشديد لمشاهدته المشرفين بالدار يعتدون جنسيًا علي طفل آخر بالدارعدة مرات تحت بير السلم وفى غرفة المشرفين. وبعد افتضاح الجريمة، ادعي المتهم أمام النيابة العامة أنه مريض بالسكر، وعاجز جنسيًا، فلم يجد الطفل شخصًا يستنجد به غير مشرف آخر بالدار يثق فيه قليلاً، حكي له ما راه، فاصطحبه المشرف لإبلاغ مديرة الدار، لكن كانت الكارثة الكبري حينما زجرتهما المديرة، قائلة "ملكوش دعوة"، الأمر الذي دعا المشرف إلي التقدم ببلاغ ضد المشرفين والمديرة أيضًا إلى النيابة العامة. ولم تتوقف الانتهاكات عند الاعتداءات الجنسية فقط، بل تعدت إلى التعذيب الوحشى بالضرب والإهانة والمنع من الطعام، وكان أبرزها ما حدث فى دار أيتام مكة، بتعدى أسامة محمد عثمان، مدير الدار، على الأطفال بالضرب وحرق أجسادهم بطريقة وحشية؛ لمجرد أن طفلة فتحت الثلاجة دون إذن وأكلت لأنها جائعة. خبراء: دور الأيتام تحولت إلى وكر للمخدرات والسرقة بالإكراه انتشرت إعلانات طلب مشرفين لدور أيتام بمواقع التوظيف علي الإنترنت، لا تشترط التخصص أو الدراية بتربية الأطفال، لكن بعضها تقبل المشرفين الحاصلين علي دبلومات متوسطة كدار زهرة الياسمين، في حين نفت إدارة شئون العاملين بإحدى دور الأيتام فى منطقة فيصل اشتراط وجود مؤهلات من الأساس، ما يعد كارثة فى حق براءة الأطفال التى تغتال على يد هؤلاء. واعتبر المدافعون عن حقوق الطفل في مصر أن هذه جريمة في حق الأطفال وتقصير من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، مؤكدين أن وظيفة مشرف بدار الأيتام أهم من وظيفة مدير الدار نفسه؛ لأن هؤلاء المشرفين يلازمون الأطفال 24 ساعة. ونفى أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، وجود آلية لتنظيم عمل المشرفين بدور الأيتام، مما يؤدي إلي حدوث الكثير من الكوارث بها، مضيفًا: «من المفترض على وزارة التضامن الاجتماعي أن تحدد معايير لإنشاء دور الأيتام ولتحديد البيئة التي ينشأ بها الأطفال، بداية من الإدارة، مرورًا بالمشرفين وحتي العاملين بالدار، إلي جانب ضرورة وجود برامج تأهيلية لتنشئة هؤلاء الأطفال، إضافة إلي حصول المشرف علي دورات تدريبية وإجراءات لحماية الطفل من جميع صور التعدي، سواء البدني أو النفسي». وتابع "مصيلحي": «من الضروري أيضا تقديم المشرف ما يثبت عدم صدور أي أحكام جنائية ضده، وأنه حسن السير والسلوك، لكن للأسف وزارة التضامن الاجتماعي تخرج علينا من حين لآخر مؤكدة أن لديها برنامج لتطوير المشرفين بدور الأيتام، وأنها سوف تولي خريجي كليات الخدمة الاجتماعية هذه المهام، لكن لا يحدث شىء على أرض الواقع، ولم تتعد سوى تصريحات فقط كلما سلط الإعلام الضوء علي أي حادث تعذيب للأطفال بدار أيتام ما»، مؤكدًا أن حقوق الأطفال مهدرة داخل دور الأيتام، والتبرعات من أهل الخير لا تصل إلي الأطفال في الكثير من الأحيان، ولا يوجد أي رقابة من قبل الوزارة علي التبرعات». واختتم رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، كلامه بمفاجأة من العيار الثقيل، قائلاً إن «دار الرواد» يقوم نزلاؤها ببيع المخدرات بجانب سور الدار، وفي دار ليلة القدر يقوم الأطفال بتثبيت المارة في الشارع وسرقتهم بالإكراه. ومن جانبها، أكدت داليا صلاح، مدير المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة، غياب الآلية لعمل المشرفين بدور الأيتام، فيمكن لأي شخص التقدم إلى وظيفة مشرف بدار أيتام ويتم قبوله بلا أي مؤهلات أو خبرات ترشحه إلي العمل بتلك الوظيفة الحساسة، موضحة أن العمالة غير المؤهلة أدت إلي وجود الكثير من حالات التعدي علي الأطفال، سواء هتك عرضهم أو ضربهم بصورة وحشية أو حبسهم أيضًا. وأرجعت "صلاح" السبب في ذلك إلي محاولة توفير عمالة بأقل تكلفة، ولو كان علي حساب آدمية الأطفال، لافتة إلى أن هناك الكثير من دور أيتام المعاقين تقوم بربط الأطفال في الأسرة، دون النظر إلى أن حالتهم تحتاج إلي معاملة خاصة وجلسات علاجية، لكن للأسف لا يتلقون أي شىء من وسائل العلاج، ويتم ربطهم في الأسرة للتخلص من صراخهم، ويتم التعامل معهم على أنهم متأخرين عقليا ولن يستطيعوا الشكوي مما يلاقوه من وسائل التعذيب، مطالبة بضرورة التأكد من سلامة المشرفين نفسيا قبل تعينهم بدور الأيتام. «التضامن» تعترف: لا يوجد مشرفون مؤهلون لتربية الأطفال وعلى الجانب الآخر، قال الدكتور مسعد رضوان، مستشار وزيرة التضامن للتخطيط الاستراتيجى وتنمية القدرات، إن الوزارة وضعت برنامجًا رائعًا للحد من الحوادث بدور الأيتام، من خلال تعيين خريجي كليات الخدمة الاجتماعية كمشرفين بالدور بعد أن يتلقوا دورات تدريبية تأهلهم لذلك، معترفًا فى الوقت نفسه بعدم وجود حاليًا مشرفين مؤهلين لتربية وتنشئة الأطفال الأيتام. وبسؤاله عن قبول دور الأيتام لمشرفين غير حاصلين علي مؤهلات عليا أو شهادات تعليمية من الأساس، أضاف "رضوان": «للأسف مصر مفتقدة المشرف المؤهل، وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها جميعًا، على عكس ما يحدث فى الدول الأجنبية، التي تشترط حصول مشرف دور الأيتام علي دبلومات في تربية الأطفال، وهو ما سنسعي إلي تطبيقه في الفترة المقبلة». وفى نفس السياق، أوضح كمال شريف، وكيل وزارة التضامن الاجتماعي، أن لديهم آلية لتنظيم عمل المشرفين فى دور الأيتام، يبدو أنها على الورق فقط، متابعا: «لكننا في الوزارة نعتبر تلك المرحلة انتقالية، أي أننا يجب توفير عمل آخر للمشرفين الحاليين بالدور قبل تعيين خريجي الخدمة الاجتماعية وغيرها من الكليات المعنية بتنشئة الأطفال»، ومختتما: «لا يمكننا تطبيق البرنامج إلا بعد توفير أماكن أخري للعاملين، فيجب أن نعالج الأمر برمته».