حنا: أشدد على ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية سعد: أبي ما يزال حي يرزق أمل: إعلاميون وشخصيات معروفة تسرعوا بنشر الخبر ربما لتحقيق سبق صحفي في الساعات الأخيرة، تداول مستخدمو فيس بوك خبر وفاة الأديب السوري الكبير حنا مينه، حتى خرجت عائلته بتكذيب الخبر، إذ نفى الفنان سعد مينه وشقيقته المهندسة أمل مينة خبر وفاة والدهما الأديب المخضرم مؤكدين أن والدهما بخير وصحة جيدة وبكامل وعيه وذاكرته ويمارس حياته العادية ولكن بحركة بطيئة تتناسب مع عمره الذي تجاوز التسعين عاما، ليثبت لصاحب «نهاية رجل شجاع»، أن وصيته التي سبق وأن كتبها ونشرت في وسائل الإعلام لن تتحقق بعد رحيله عن عالمنا. عبرت أمل عن أسفها لنقل شائعات عن وفاة والدها على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تعد مصدرا للمعلومات مشيرة إلى أن بعض الإعلاميين والشخصيات المعروفة تسرعوا بنشر الخبر دون التأكد من المعلومة ربما لتحقيق سبق صحفي بعد استنادهم إلى معلومة مغلوطة. ومن جهته, نفى سعد مرة أخرى، وربما العشرون، شائعة وفاة والده حنا مينة، مؤكدا أن أباه ما يزال حي يرزق, وأن ما تم تناقله عن وفاة أبيه، محض كذب وتلفيق، مؤكدا أن أباه لم يفارق الحياة. حنا مينه، روائي سوري، ولد في مدينة اللاذقية عام 1924، ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب، يعد أحد كبار كتاب الرواية العربية, وتتميز رواياته بالواقعية. عاش طفولته في إحدى قرى لواء الإسكندرون على الساحل السوري، وفي عام 1939 عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية وهي عشقه وملهمته بجبالها وبحرها، كافح كثيرا في بداية حياته وعمل حلاقا وحمالا في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب. اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلح دراجات، ومربي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي أحيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للاذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي. البداية الأدبية كانت متواضعة، تدرج في كتابة العرائض للحكومة ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة. أرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق بعد استقلال سوريا أخذ يبحث عن عمل وفي عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الإنشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها. بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية، وضاعت من مكتبته فتهيب من الكتابة للمسرح، كتب الروايات والقصص الكثيرة بعد ذلك والتي زادت على 30 رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة منها عدة روايات خصصها للبحر التي عشقة وأحبه، كتب القصص القصيرة في البداية في الأربعينات من القرن العشرين ونشرها في صحف دمشقية كان يراسلها، أولى رواياته الطويلة التي كتبتها كانت (المصابيح الزرق) في عام 1954 وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، ويذكر أن الكثير من روايات حنا مينه تحولت إلى أفلام سينمائية سورية ومسلسلات تلفزيونية. وصيته كتبها وتداولتها وسائل الإعلام، رغم غيابه التام عن الساحة الإعلامية، يقول فيها: أنا حنا بن سليم حنا مينه، والدتي مريانا ميخائيل زكور، من مواليد اللاذقية العام 1924، أكتب وصيتي وأنا بكامل قواي العقلية، وقد عمّرت طويلاً حتى صرت أخشى ألا أموت، بعد أن شبعت من الدنيا، مع يقيني أنه «لكل أجل كتاب». لقد كنت سعيداً جداً في حياتي، فمنذ أبصرت عيناي النور، وأنا منذورٌ للشقاء، وفي قلب الشقاء حاربت الشقاء، وانتصرت عليه، وهذه نعمة الله، ومكافأة السماء، وإني لمن الشاكرين. عندما ألفظ النفس الأخير، آمل، وأشدد على هذه الكلمة، ألا يُذاع خبر موتي في أية وسيلةٍ إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، فقد كنت بسيطاً في حياتي، وأرغب أن أكون بسيطاً في مماتي، وليس لي أهلٌ، لأن أهلي، جميعاً، لم يعرفوا من أنا في حياتي، وهذا أفضل، لذلك ليس من الإنصاف في شيء، أن يتحسروا علي عندما يعرفونني، بعد مغادرة هذه الفانية. كل ما فعلته في حياتي معروفٌ، وهو أداء واجبي تجاه وطني وشعبي، وقد كرست كل كلماتي لأجل هدف واحد: نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض، وبعد أن ناضلت بجسدي في سبيل هذا الهدف، وبدأت الكتابة في الأربعين من عمري، شرّعت قلمي لأجل الهدف ذاته، ولما أزل. لا عتبٌ ولا عتابٌ، ولست ذاكرهما، هنا، إلا للضرورة، فقد اعتمدت عمري كله، لا على الحظ، بل على الساعد، فيدي وحدها، وبمفردها، صفّقت، وإني لأشكر هذه اليد، ففي الشكر تدوم النِعم. أعتذر للجميع، أقرباء، أصدقاء، رفاق، قُرّاء، إذا طلبت منهم أن يدعوا نعشي، محمولاً من بيتي إلى عربة الموت، على أكتاف أربعة أشخاصٍ مأجورين من دائرة دفن الموتى، وبعد إهالة التراب علي، في أي قبر مُتاح، ينفض الجميع أيديهم، ويعودون إلى بيوتهم، فقد انتهى الحفل، وأغلقت الدائرة. لا حزنٌ، لا بكاءٌ، لا لباسٌ أسود، لا للتعزيات، بأي شكلٍ، ومن أي نوع، في البيت أو خارجه، ثمّ، وهذا هو الأهم، وأشدد: لا حفلة تأبين، فالذي سيقال بعد موتي، سمعته في حياتي، وهذه التأبين، وكما جرت العادات، منكرة، منفّرة، مسيئة إلي، استغيث بكم جميعاً، أن تريحوا عظامي منها. كلُّ ما أملك، في دمشق واللاذقية، يتصرف به من يدّعون أنهم أهلي، ولهم الحرية في توزيع بعضه، على الفقراء، الأحباء الذين كنت منهم، وكانوا مني، وكنا على نسب هو الأغلى، الأثمن، الأكرم عندي. زوجتي العزيزة مريم دميان سمعان، وصيتي عند من يصلّون لراحة نفسي، لها الحق، لو كانت لديها إمكانية دعي هذا الحق، أن تتصرف بكلّ إرثي، أما بيتي في اللاذقية، وكل ما فيه، فهو لها ومطوّب باسمها، فلا يباع إلا بعد عودتها إلى العدم الذي خرجت هي، وخرجت أنا، منه، ثم عدنا إليه. رغم أنه أوصى ألا يُذاع خبر موته في أية وسيلة إعلامية، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، لكن بمجرد أن خرجت شائعة موته عمت أرجاء الصحف السورية المتخصصة وساعد على انتشارها مواقع التواصل الاجتماعي، إنه رد عفوي من جمهور «مينه» أن وصيتك لن تنفذ بعد موتك، هكذا يمكنه أن يوقن بما أنه ما زال على قيد الحياة.