في الوقت الذي أصبحت ألمانيا فيه من أكثر الدول التي تنادي بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية بالعالم، يشهد التعاون العسكري والاقتصادي بين برلين والكيان الصهيوني المحتل، الممارس لأبشع الانتهاكات القمعية في حق الشعب الفلسطيني تطورا كبيرا. وتعد ألمانيا أهم حلفاء إسرائيل بعد الولاياتالمتحدة، فهي تمدها بدعم ثمين على المستويات العسكرية والإستخباراتية والسياسية والاقتصادية، وتعتبر هي الشريك التجاري الأكبر لها في أوروبا، وتبلغ صادرات ألمانيا لإسرائيل نحو 2.3 مليار دولار سنويا. ولم تؤثر أفعال الاحتلال الاستفزازية والإجرامية يوميًا بحق الشعب الفلسطيني في توتر العلاقات مع برلين، بل على العكس أصبح التعاون بين الجانبين في أعلي مستوياته، و أعلنت وزارة الدفاع الألمانية بأن نحو 100 جندي تابعين للجيش الألماني، سوف يتم إرسالهم إلى الاحتلال، من أجل التدرب على مكافحة الإرهاب، والقتال داخل المدن. وذكر بيان وزارة الدفاع أن الجنود سيتلقون تدريبهم في مركز امني خاص، بحيث يشمل البرنامج التدريبي المعد لهم من المؤسسة الإسرائيلية «القتال داخل المدن، ومواجهة الأهداف الإرهابية بين المدنيين، وأوضح البيان أن هذه الرحلة التدريبية تندرج ضمن سلسلة التعاون الألماني الإسرائيلي القائم منذ أعوام. وأثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة نشرت معلومات تفيد بأن الحكومة الألمانية تسعى لإرسال جنود لها، للتدرب على حرب الأنفاق والتي خاضتها المقاومة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني العام الماضي، وأثار هذا القرار جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية والسياسية في ألمانيا أدى إلى مطالبة العديد من الألمان إلى مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة ورام الله، حيث طالب عدد من المثقفين والفنانين الألمان في رسالة مفتوحة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمساعدة غزة والعمل على فتح المعابر، وقالت الرسالة إن إسرائيل تقصف المستشفيات والمدارس وأن الفلسطينيين أصبحوا سجناء داخل غزة وأنه يترتب على ألمانيا العمل على مساعدة قطاع غزة. وبات معظم الإسرائيليين يشعرون بأن عواقب «الهولوكوست» المالية قد صفيت بينهم وبين الألمان، ومعها عدم اهتمامهم وحتى شعورهم بالضيق من ضغوطات اليهود المتشددين في سبيل الحصول على تعويضات من القطاع الصناعي الألماني، وتشير المعلومات في ألمانيا والكيان الصهيوني، إلى أن الدعم الألماني أساسي بالنسبة لأمن الكيان، حتى مع بقائه بعيدا عن الأضواء بسبب المخاوف الألمانية من رد فعل العالم العربي والرأي العام المحلي. العلاقات بين جهازي استخبارات كلا البلدين نشطة بشكل لافت، حسبما يفيد مسؤولون، إذ تزود ألمانيا إسرائيل بمعلومات واسعة عن العالم العربي، أما إسرائيل فإنها تزود ألمانيا مقابل ذلك بمعلومات عن أوروبا الشرقية وروسيا، وعلى حد تعبير أحد المسؤولين الإسرائيليين، «لدينا أفراد يتحلون بتفهم واسع». في سياق متصل ذكرت صحيفة هآرتس الصهيوني أن السلطات الأمنية للكيان الصهيوني أرسلت مهندسين بحريين إلى ألمانيا، وذلك من أجل التشاور في بناء السفن الحربية لحماية مواقع التنقيب عن الغاز الطبيعي الذي اكتشف مؤخرا قبالة سواحل البحر الأبيض المتوسط، ويأتي هذا التقرير بعدما أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن موافقتها لشراء 4 سفن حربية من ألمانيا من أجل حماية منشآت الغاز. وقالت التقارير إنه من المتوقع "أن يتم تسليم السفن الحربية في غضون 5 سنوات، ويتوقع أن تكلف كل سفينة 90 مليون دولار بعد المنحة التي حصلت عليها السلطات الإسرائيلية من ألمانيا"، ووفق الخطة الإسرائيلية، فإن إسرائيل هي من ستقوم بتركيب الأنظمة الكهربائية والقتالية للسفن. وقال مسؤول عسكري إسرائيلي لهآرتس إن "سبب تركيب معدات السفن الحربية في إسرائيل خوفا من أي حملة مقاطعة مستقبلا، وذلك على غرار حملات المقاطعة لإسرائيل مؤخرا بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حيث أعلنت إسبانيا وقت الحرب إلى إيقافها مؤقتا بيع الأسلحة والتكنولوجيات العسكرية لإسرائيل، في حين أعلنت حينئذ بريطانيا عن إعادة نظهرا لتراخيص تصدير المعدات العسكرية لإسرائيل". ووفق الاتفاقية، فإنّ ألمانيا ستقوم بتمويل نحو ثلث الاتفاقية الموقعة بين الطرفين، علما بأن هذه الاتفاقية تزامنت مع مناسبة مرور 50 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وألمانيا. وفي الواقع، تلعب ألمانيا اليوم دورا في السياسة الأوروبية تجاه الشرق الأوسط يتمثل في مناقضتها لبعض الدول الأخري الأكثر دعما داخل أوروبا للقضية الفلسطينية، وفي هذا الإطار لم تتضمن التقارير السنوية لوزارة الخارجية الألمانية لحقوق الإنسان أي إشارات للتصرفات الإسرائيلية بالأراضي المحتلة، على الرغم من إقدام الكيان الصهيوني على قتل وتشريد الفلسطينيين بشكل غير قانوني.