الفلاحون: الحكومة تخلت عنا لصالح التجار.. ونبيع المحاصيل بالخسارة البعض اضطر لحرق القطن في الأرض لارتفاع تكلفة جمعه عبر العصور والأزمان، كانت مصر دولة زراعية بالأساس، احترف أهلها الزراعة وبرعوا فيها، خاصة زراعة القطن طويل التيلة ذي الشهرة العالمية والأفضل بين الأقطان، وكذلك زراعة الأرز وهو الأهم والأكثر استهلاكا بين المواطنين إذ لاتخلو منه مائدة مصرية. وقد اشتهرت محافظة دمياط بزراعة المحصولين، وكانت ضمن المحافظات الزراعية المهمة ذات الإنتاج المتميز، حين كانت مصر تزرع الأرز الذى يكفى حاجتها وتصدر الفائض إلى بعض الدول العربية، كما تزرع كمية غير قليلة من القمح أحد السلع الاستراتيجية، فهي بلد زراعي في المقام الأول، اعتمدت عبر تاريخها على نهر النيل بمياهه العذبة الذي يمثل شريان الحياة لمصر والمصريين. وعلى مر العصور، أولت الدولة اهتمامها بالزراعة والمزارعين، وخاصة بعد ثورة يوليو 1952، التي أقرت قانون الإصلاح الزراعى وقضت على الإقطاع، وملكت المزارعين الأرض، وأنشأت الجمعيات الزراعية التى تمد الفلاحين بالسماد والبذور وتقدم لهم النصح والإرشاد للوصول لأفضل إنتاج وأفضل استغلال للأرض المنزرعة. واليوم أصبح حال الزراعة والمزارعين يرثى له، والدولة ترفع يدها شيئا فشيئا عن الزراعة وترفع دعمها عن الفلاح الذى يجد نفسه لقمة سائغة للتجار، فبعد أن كانت الدولة تتسلم منه محصولي الأرز والقطن عبر الجمعيات الزراعية بثمن يحفظ له كرامته ويضمن له الاستمرار فى الزراعة، رفعت الدولة يدها عن تسلم الأرز وبعده القطن، وتركت الفلاح نهبا لقانون العرض والطلب واستغلال التجار، لتشتري الدولة بعد ذلك من التاجر بدلا من الفلاح، وهو ما تسبب فى خسائر كبيرة للفلاحين مما دفع الكثيرين منهم للإقلاع عن زراعة القطن والاتجاه لزراعة محاصيل أخرى أكثر ربحية، وفي هذا خسارة كبيرة للدولة وللفلاح الذي كان ينتظر موسم حصاد القطن لإصلاح أحواله المعيشية. عيسى عبد الفتاح عمار، مزارع من مركز كفر سعد، يقول "تقريبا إحنا بنتقتل فى أراضينا، بعد ما كنا بنزرع الأرز والقطن واحنا مش شايلين هم لحاجه أبدا، وكنا بنجيب البذور من الجمعية الزراعية والسماد المطلوب للأرض طول الموسم، وكمان بيعطوا للفلاح سلفة نقدية يمشى حاله ويصرف على عياله ولما المحصول يطلع نورد للجمعية والحكومة تاخد حقها ويطلع لنا فلوس نبني شقق لأولادنا ونزوجهم ونسدد ديوننا ونشتري مواشي للتربية. ويؤكد "ده فعلا كان بيحصل، وكنا حاسين بأن فيه دولة بترعانا وبتقدم لنا دعم حقيقي لأن الحكومة لو ما دعمتناش مفيش حد هيسأل عنا لأننا لا بنعرف نعمل مظاهرات ولا بنعرف نقطع طريق ولا عندنا أصلا وقت للكلام ده لأننا بنبدأ يومنا بعد صلاة الفجر وبنكون فى أرضنا بنأكل مواشينا ونشوف زراعتنا وحالنا، وعلشان كدا ملناش غير الدولة هى اللي مفروض ترعانا، لكن للأسف اللى بيحصل الوقتى ده ميرضيش حد أبدا، الحكومة شالت إيدها من كل شيء، وتركت تسليم الأرز للسوق السودا وده سبب ضرر كبير للفلاح، لأن استلام الجمعية للأرز كان بيضبط الأسعار وما يخليش التجار يتحكموا فينا، وكانت فلوسنا مضمونة. ويضيف "ومع ذلك لما جت فى الأرز قولنا ماشى أدينا بنزرعه ونأكل منه ونبيع اللى يفيض علينا، لكن إن الحكومة تسيب القطن وتسيب الفلاح نهيبة فى إيد تجار السوق والقطاع الخاص هى دى المصيبة اللى قسمت ضهر الفلاح، لأن القطن ده أهم زرعة عندنا، إحنا هنا بنزرع قطن وأرز بس، يعنى لما الحكومة تقول إنها مش هتاخد القطن فى الوقت اللى بتستورد فيه من الخارج بالعملة الصعبة وأغلى من القطن بتاعتنا، ولو اللى بنزرعه هنا مش ملائم طيب ما تجيبوا لنا بذرة القطن اللى مصانعنا بتستخدمه واحنا نزرعه ونوفر الاستيراد. ويتساءل عمار "ثم هى الدوله ليه عملت مصنع دمياط للغزل والنسيج هنا فى المحافظة؟ مش علشان عندنا أكثر من 38 ألف فدان بنزرعها قطن وده كان بيخدم المصنع، يبقى ليه الحكومة تسيبه وما تستلموش؟، السنه اللى فاتت الفلاح شاف المر والذل علشان يبيع القطن، والتجار للأسف باعوا فينا واشتروا وخسرونا كل حاجة، وأقسم بالله الناس ولعت فى القطن وهو فى الأرض لأنها مش لاقية فلوس حتى تجمعه، واللى كان بيجازف ويجمع القطن كان بيبيعه بأقل من تكلفة جمعه لأنه محتاج أى فلوس، الناس باعت الأرز اللى هتأكل منه عيالها وصرفت على جمع القطن، وفضل مرمي فى البيوت لما كان هيخسر ويتلف، وفى الآخر بعنا بالخسارة، يبقى ليه الدولة بتعمل فينا كدا؟". عبد العزيز أحمد، مزارع، يقول "إحنا بقينا حاسين إننا أغراب فى بلدنا بجد، السنة اللى فاتت والله تعبنا علشان نبيع القطن والتجار بهدلونا، والعجيب اللى احنا مش قادرين نفهمه إن الدولة معدتش راضية تاخد القطن من الفلاح، وقالت بيعوا فى السوق للتجار وبعدين الدولة ترجع تشتريه من التجار، طيب يعنى الدولة بتقف فى صف التجار على حساب الفلاح وبتكسبه مش الفلاح أولى لأن هو اللى زرع وحصد وتعب هو وأولاده؟، يبقى لازمتها إيه اللفة دي؟، نبيع للتجار والتجار يحددوا السعر اللى على مزاجهم فنخسر وهما يكسبوا والدولة تساعدهم على كدا على حسابنا. ويضيف "السنة اللى فاتت بعد ما بعنا القطن بالخسارة للتجار لأن مفيش حل تاني الدولة حددت الأسعار بزيادة على ما بعنا إحنا للتجار ب150 جنيه للقنطار، يعنى برده كله لصالح التاجر مش اللى زرع وتعب، كل اللى إحنا عاوزينه إن الدولة ترجع تستلم القطن مننا زى زمان وتدعمه وتعطى للفلاح البذرة والسماد وترعاه لغاية ما المحصول يطلع وتاخد حقها والفلاح ياخد حقه، لأن إحنا فئة ملهاش حد لا عندنا نقابة ولا لنا حد يدافع عننا". المهندس حامد. ج. مدير إحدى الجمعيات الزراعية، قال ل"البديل": للأسف الوضع اختلف اليوم عن الأمس، وفيما قبل كانت الدولة تعمل كثيرا من أجل الفلاح، وكانت الوزارة تفكر في كيفية تقديم الدعم الكامل له من خلال تقديم أفضل أنواع البذور والسماد المناسب للموسم، كما كنا نمنحهم القروض الزراعية الميسرة حتى يستطيعوا تسيير أمور حياتهم حتى موعد الحصاد الذي يرتبط به دخلهم. وأوضح: الآن اختلفت سياسة الدولة خاصة بعد قرار وزارة الرزاعة رفع الدعم كليا عن زراعة القطن، وهو بلاشك قرار خاطئ ولا يدعم إلا المستورد والمرزاع الأجنبي، لأن البلد بها عدد كبير من مصانع الغزل والنسيج التي يجب على الدولة دعمها بدعم زراعة نوع القطن الذي تستخدمه هذه المصانع من أجل توفير العملة الصعبة التي نستورد بها القطن، وحتى نحافظ على آلاف العمال. ويؤكد: يظل الفلاح المصري هو من يدفع الثمن وحده، إذ تخلت الدولة عنه تقريبا، وكأنها تلقي إلى الفلاح برسالة مفادها "عاوز ترزع قطن إنت حر ملناش دعوة بك، ازرع واصرف وبيع بعيد عني"، وترجع الحكومة تشتري من التجار اللى بيكسبوا ملايين على حساب الفلاح الغلبان.