لكل جماعة أو فرقة أو طائفة في الإسلام، مرجعية شرعية تستند إليها فيما تذهب إلية ويكون هو حجتها، وكلما كان ذلك المستند الشرعي قويًّا "كتابًا وسنة" كانت لتلك الفرقة البقاء على الساحة وكثر أتباعها، وللمذاهب والمرجعيات أنواع، فمنها الطيب الحسن القائم على صحيح الدين ووسطيته، وآخر عدوانيًّا يتميز بالغلو الديني وسفك الدماء بوحشية. ومن ضمن الفرق التي كان لها مرجعية، تأتي الجماعة الإسلامية بأهم كتبها على الإطلاق وهو «قتال الطائفة الممتنعة»، التي تجيب به الجماعة على سؤال إذا كان الشعب عندكم مسلمًا والشرطة مسلمة والجيش مسلمًا، وبالتالي فهم معصومو الدم والمال، فكيف تقاتلونهم وتقتلوهم وتبيحون دماءهم وأموالهم؟ محاربة من لا يطبق الشريعة.. وقتل الأسرى المسلمين يقول وليد البرش، مؤسس حركة "تمرد الجماعة الإسلامية": إنهم قالوا في الكتاب: إن أي طائفة تمتنع عن تطبيق شريعة واحدة من شرائع الإسلام تقاتل على هذه الشريعة حتى تطبقها، وفرقوا بين القتل والقتال، فأفراد هذه الطائفة الممتنعة يجوز قتالهم وهم مسلمون ولا يجوز قتلهم، وجاءت هذه التفرقة ليهربوا من أحكام عصمة الدم، وأن الدم لا يباح، فلا على سبيل الحصر، والحالة التي يقولون بها ليست من هذه الحالات، فقالوا: إن القتال ليس هو القتل وأن هناك اختلافًا بينهما، مع أن نتيجة القتال هي سفك الدماء، والقتل، لكنه تطويع الدين وفق رغباتهم. وأشار إلى أن كتاب «قتال الطائفة الممتنعة» بعد أن تحدث في مسألة الطائفة الممتنعة، انتقل إلى نقطة خطيرة جدًّا وهي مسألة التترس، وهي إذا كان أعداء المسلمين قد تترسوا بأسرى مسلمين في الحرب، بحيث لا يستطيع المسلمون الوصول إلى أعدائهم إلَّا عن طريق قتل الأسرى المسلمين، فإنهم أجازوا قتل الأسرى المسلمين حفاظًا على جيش المسلمين، وتحقيقًا لمصلحة الإسلام، واستندوا في ذلك إلى فتوى لابن تيمية في الفتاوى الكبرى: "وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترس بمن عنده من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم». وأضاف: وقد فرَّعت الجماعة عنها مسألةأنه إذا لم يستطع أن يُخلص إلى أحد من الطائفة الممتنعة إلَّا بقتل أحد من معصومي الدم معه قتلناه، ويبعث على نيته يوم القيامة، وهكذا بكل بساطة، تقوم مجموعة تدعي الإسلام بتفجير يقتل عشرات من المواطنين، ثم تقول بكل بساطة وأريحية: «يبعثون على نياتهم". صيام شهرين كفارة قتل 120 ضابطًا وجنديًّا وأرجع "البرش" سبب كتابة هذا الكتاب، إلى اقتحام الجماعة في 8 من أكتوبر عام 1981م بعد اغتيال السادات، مبني مديرية أمن أسيوط وقسم أول أسيوط، وقتل 120 ضابطًا وجنديًّا، فلما التقى بهم د. عمر عبد الرحمن سألهم: ما دليلكم الشرعي عما ارتكبتموه في أسيوط؟ وبأي حق سفكت هذه الدماء؟ فلم يجيبوه..فأمرهم بصيام شهرين متتابعين كفارة قتل خطأ، فصام جميع كل من شارك في هذه الأحداث، وقد أصيب فيها من المهاجمين: عصام دربالة، انفجرت قنبلة في يده اليمنى فقطعت، وأصيب عاصم عبد الماجد في ساقه، فلم تنثني مرة أخرى، وأصيب ناجح إبراهيم في قدمه. وأوضح أنها فتوى عجيبة من عمر عبد الرحمن، كل واحد من هؤلاء قتل أكثر من خمسة جنود، فكيف يصوم شهرين متتابعين؟ كيف تجزئ كفارة واحدة عن جرائم متعددة؟ ثم هذا قتل عمد، فألف عصام دربالة وعاصم عبد الماجد هذا الكتاب للرد على سؤال: لماذا سفكتم هذه الدماء؟ وعرضوا هذا الكتاب ليقرؤوه على د. عمر فرفض وقال لهم: ما حدث في أسيوط من سفك دماء لا يصح أن يحكم فيه عالم واحد، وإنما يجب أن يعرض على مجموعة من العلماء، فطلبوا منه أن يستمع إليه كبحث فقهي، فلما استمع إليه، قال: هو بحث جيد، لكن لا ينطبق على واقع مصر. وأضاف مؤسس تمرد الجماعة الإسلامية: وتم إخفاء رأي عمر لمدة عشرين عامًا، ودرس هذا الكتاب على أعضاء الجماعة، وكان هو سند كل من رفع السلاح في مصر، وسند كل من اشترك في عمليات العنف في مصر، وقالوا: إن الدكتور عمر أجازه، وبعد سنوات طويلة في عام 2001م قال قيادات الجماعة: إن هذا الكتاب خطأ، وذكروا رأي عمر فيه. التأصيل الشرعي لاغتيال «زكي بدر»: ستكون في الجنة مع الحور العين وأشار إلى أن هذه هي الخدعة الكبرى التي تعرض لها شباب الجماعة من قِبَل القيادات، وعلى هذا التأصيل الشرعي رتبت الجماعة عملية اغتيال وزير الداخلية الراحل زكي بدر في عام 1989م، حيث أعدت سيارة بها مائتان وأربعون كيلو من مادة شديدة الانفجار، وهي تي إن تي، وانتظروا موكبه على كوبري الفردوس، وكان في السيارة أحد أعضاء الجماعة وهو محمد صبرة، قالوا له: بمجرد أن نرى الموكب سنعطيك إشارة البدء، وعندها تضع المفتاح في كونتاك السيارة، ستكون في الجنة مع الحور العين، فلما أعطوه الإشارة، وضع المفتاح وأدار السيارة، فوجد نفسه معلقًا في مبنى مباحث أمن الدولة بلاظوغلي، فقد كان هناك خطأ في المفجر، فلم يحدث الانفجار المطلوب، وإنما سمع صوت فرقعة شديدة، جذبت انتباه رجال الأمن الذين قبضوا عليه، فكشفوا المحاولة كاملة. وأردف قائلًا: وقد يذهل المرء من حادثة كهذه، لقد تعرض عضو الجماعة لعملية غسيل مخ، وظن أنه بحركة وحيدة سيكون هناك في الجنة مع الحور العين، ولولا أن من حكى لي هذه القصة هو د. محمود شعيب، لقلت: إنها محض خيال، ولو نجحت هذه العملية كما خططت لها الجماعة، وقتل وزير الداخلية زكي بدر كم نفس كانت ستقتل معه، سيكون القتل عشوائيًّا، لكن رد الجماعة آنذاك أنهم: «يبعثون على نياتهم» ، هكذا بكل بساطة. ورأى "البرش" أنه من الملاحظ في هذه العملية أيضًا أنها محاولة قتل وليست قتالًا، فعلى ما ذكره كتاب «قتال الطائفة الممتنعة» من إباحة قتال هذه الطائفة وعدم جواز قتلهم، فعلى أي أساس كانت كل عمليات الاغتيالات، ليس لهم دليل شرعي بإباحة القتل، وإنما هم لا يتورعون في دماء المصريين، تحقيقًا لأغراض دنيوية سياسية والدين والشرع منها براء، وكعادة الجماعة بعد سنوات طويلة، وبعد أن هزمت عسكريًّا، وفشلت إنسانيًّا قررت أنها أخطأت في هذه المسألة أيضًا.