حلوى الأعيان تحولت إلى مصدر بهجة أبناء المحروسة اقتصرت أولا على موائد الملوك وانتشرت في عهد الفاطميين انتشار صناعة "الكنافة الآلي" يهدد بانقراض المهنة التراثية "اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني"، أغنية شهيرة يرددها المصريون، ومعها تتبادر إلى الذهن صورة صانع الكنافة، الذي ربما لا يعرف الكثيرون أنه صاحب إحدى أقدم المهن التي عرفتها المحروسة منذ ما يزيد على ألف عام، المهنة التي أدخلت البهجة على المصريين من خلال تقديم صنف شهي كان حكرا على الملوك لوقت طويل حتى عرف طريقه إلى المصريين وكان سببا في سعادة الكثيرين. في البداية اقتصرت الكنافة على موائد الملوك والأغنياء في عصر المماليك، وعند دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، انتشرت وبدأ المصريون في صنعها للملوك الفاطميين، ومع الوقت أصبح يشتهيها الفقراء حيث كان الملوك يوزعون عليهم منها خلال الشهر الكريم وفي المناسبات، وظهرت مهنة "بائع الكنافة" التي كان من يمتهنها لا يتعامل سوى مع علية القوم وسادتهم، ولكن سرعان ما انتشر صناعها وعرف الكثيرون سرها، فأصبحت في متناول الجميع، وأصبحت الكنافة طعام الفقير والغني في رمضان. ويُروى أن أول من قُدمت له الكنافة كان معاوية بن أبى سفيان، كطعام للسحور، وقيل إنها صُنعت خصيصًا له فأطلق عليها "كنافة معاوية". تطورت صناعة الكنافة على مدار العقود الماضية، وأصبحت مهنة صانع الكنافة أسهل بعد تطور أدوات صناعتها ودخول الماكينات، ولكن تظل الكنافة اليدوية الأفضل لدى الكثيرين، والأغلى ثمنا، فسعر الكنافة الآلية يتراوح بين 4 و5 جنيهات للكيلو، بينما الكنافة اليدوية يتراوح سعرها بين 6 و7 جنيهات. يرى الكثيرون مشهد "الكنفاني" وهو يلف شعيرات العجين بالسكر ليصنع الكنافة جزءا لا يتجزأ من تراث الثقافة المصرية الشعبية، في مشهد لا يمكن رؤيته سوى في مصر، والغريب في الأمر أن صانعي الكنافة اليدوي يتوارثون المهنة من أجدادهم وآبائهم ويجدون فيها متعة، على الرغم من أن الكثيرين منهم لا يعملون سوى في شهر رمضان، لكن ستجد أن الآلة التي تصنع بها الكنافة قد يعود تاريخها إلى 50 أو 60 عاما مضت توارثها الابن من الأب والأب من الجد، إذ تنتشر هذه الصنعة ويمكنك مشاهدتها أثناء تجولك فى أزقة مصر القديمة ووسط البلد والأحياء الشعبية القديمة. ولكن المؤسف في الأمر هو تقلص عدد بائعي الكنافة مع الوقت والزمن وتطور الصناعة، للدرجة التي يخشى منها على انقراض المهنة واقتصارها فقط على المصانع ذات الآلات والماكينات، التي حلت محل الإنسان في كثير من المهن، ورغم أنها سهلت عمله إلا أنها جعلت العديد من الحرفيين يهجرون أعمالهم بحثا عن لقمة العيش بعد أن طردتهم الآلة والتكنولوجيا الحديثة من محلاتهم التي ورثوها عن أسلافهم. "البديل" التقت فوزي محمد كارم، أحد بائعي الكنافة في رمضان، يقول"أعمل في صناعة الكنافة منذ 60 عاما، فقد كانت تلك صنعة أجدادي وورثتها عنهم، وكم أشعر بالفخر وأنا أؤدي عملي بها وخاصة في الشهر الكريم". ويضيف: "أصبحت المهنة في مصر تضيق على أصحابها، وأصبح العاملون بها يشعرون بالإحباط خاصة في رمضان، بسبب الباعة الذين ينتشرون في الشوارع دون أي تراخيص ودون سداد ضرائب للدولة، وعلى مرأى ومسمع من الحي دون مراعاة لحقوقنا . وأكد أن الضرائب تفرض عليهم بشكل عشوائي، وهذا العام على سبيل المثال جاءه خطاب الضرائب يطالبه بسداد مبلغ العام 44 ألف جنيه، وهو ما يمثل له مشكلة حقيقية، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام مما يجعله مضطرا لرفع الأسعار. وأشار إلى أن صناعة الكنافة في مصر الآن أصبحت تعتمد على الماكينات، وأصبح من النادر أن تجد صانعا للكنافة اليدوية، فتلك الصناعة لم يعد يدخلها أشخاص جدد في الوقت الحالي. وأوضح أن هناك فرقا بين الكنافة البلدي التي تصنع بالسمن البلدي واللبن، وبين الكنافة الشعر التي تصنع يدويًا، وأن الفرق ليس فقط في طريقة الصنع وإنما في الطعم أيضًا، وهناك زبائن لا يأكلون سوى الكنافة البلدي لأنها أصل الكنافة، على حد قوله. ووصف ل"البديل" طريقة صناعة الكنافة التي تتكون من دقيق يخلط بالمياه ليتكون العجين، ثم يصفى في أوعية، ومنها إلى الماكينة الخاصة، ويتم وضع العجين في قمع وبعدها يسوى من خلال 3 شعلات بداخل الطبلية، ثم تجمع على صاج، وتتم تهويتها لتصبح جاهزة للبيع. أما الكنافة البلدي أو "الطحين" كما تعرف، فلا بد من وجود فرن لتسويتها وتلك أصبحت قليلة جدًا في رمضان بسبب الفرن الذي تفرض عليه ضرائب تتجاوز الألف جنيه، لافتًا إلى أن الكنافة تصنع من اللبن والسمن، ولكن يختلف طعمها من صنايعي إلى آخر وذلك هو سر مهنة الكنافني. وأشار إلى أن من قال "اللي بني مصر كان في الأصل حلواني" كان يقصد تحديدًا صانع الكنافة لأنه يتميز عن غيره بالحنكة الشديدة مع الصبر ومعرفة سر صنع الكنافة الذي لم يخرج خارج أبناء المهنة على مدار سنوات. وأكد أن صناع الحلوى في مصر لا يجصلون على حقوقهم، فالعامل يدرك سر المهنة على مدار 30 عاما وأكثر، وحين يموت أو يمرض لا يكون له تأمين أو مصدر دخل يعول أسرته، موضحًا أن صناع الكنافة في مصر كثيرون، لكن المدركين لسر المهنة قليلون، وهؤلاء سينقرضون خلال سنوات قليلة، وربما تندثر المهنة التي اشتهر بها الملوك في كافة العصور.