الكنافة.. تلك الخيوط البيضاء الساحرة ما أن يطلق اسمها حتى يرتبط بأيام رمضان.. تزين الموائد بأشكالها المختلفة وطريقة صنعها التى تتفنن كل ربة بيت فى تحضيرها وتحويل تلك الخيوط البيضاء الرقيقة إلى سلاسل مسبوكة من الذهب فى بريقها ولمعانها بعد أن تخرج من فرن بيتها لا يطفىء لهيبها سوى الشراب السكرى الذى تفوح رائحته وهو يصب فوقها. وتعد الكنافة من أكثر الحلويات شهرة فى العالم العربى ولكن لا تزال الروايات الخاصة بالتاريخ لهذه المهنة متضاربة، فبينما ينسبها البعض إلى معاوية إبن أبى سفيان، فإن كثيرين يؤرخون لها بالعصر الفاطمى، وزمن المعز لدين الله الفاطمى، مؤسس مصر الإسلامية وقاهرتها. فيروى التاريخ أن صنَّاع الحلوى فى الشام صنعوها لتقديمها إلى معاوية بن أبى سفيان عندما كان واليًا على الشام، وذلك حتى يأكلها كطعام للسحور، فتمنع عنه الجوع الذى كان يشعر به فى أثناء الصيام، وقد ارتبط إسمها بإسمه، حتى إنها سُميت "كنافة معاوية" لفترة طويلة .ويذهب البعض إلى أن تاريخ الكنافة يعود إلى العصر الفاطمى، وقد عرفها المصريون قبل أهل بلاد الشام، وذلك عندما تصادف دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمى القاهرة، وكان ذلك فى شهر رمضان، فاستقبله الأهالى بعد الإفطار وهم يحملون الهدايا، ومن بينها الكنافة بالمكسّرات، كمظهر من مظاهر الكرم. اكتسبت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التى ابتدعها الفاطميون، ومن لا يأكلها في الأيام العادية، لابد أن يتناولها خلال رمضان في البيوت أو المطاعم، وإنتقلت بعد ذلك إلى بلاد الشام عن طريق التجار، وهناك ابتدع صانعو الحلويات بالشام طرقاً أخرى لصناعة الكنافة غير التى تفنَّن بها المصريون، فأضافوا لها الجبن، خاصة النابلسية التى تشتهر بها مدينة نابلس، وكذلك أضافوا لها الفستق وقاموا بالتفنن فى صناعتها بطرق مختلفة. والكنافة وإن اختلفت مصادر الروايات عن تاريخها إلا أنها تظل نجمة حلوى شهر رمضان والمؤكد أنها تسرى السعادة لنفس كل من يتناولها حتى اسمها يشتق من "الكنف" أى الرعاية والرحمة والمؤكد أيضا أنها كانت تزين بشكل حتمى موائد الملوك والخلفاء ثم اكتسبت طابعاً شعبياً أكثر مع الزمن، ولم تعد مقتصرة على الملوك والأمراء وعلى موائدهم الفاخرة، بل نزلت إلى الشارع لترسم الإبتسامة على وجوه البسطاء ولتجعل موائدهم أجمل بوجودها ذو المكانة. وصورة كنفانى رمضان القديمة لا تخفى على الكثيرين عندما يطل بجسمه النحيف يتلوى بسرعة وخفة فوق فرنه البلدى وبلفات محسوبة، وآنية العجين السائل فى يده ينسج الخيوط الفضية بشكل دائرى على صاجة الفرن ثم يسحبها فورا بعد أن تمسها الحرارة ويعيد الكرة إلى أن ينتهى من رزق اليوم، والفرن الخاص بالكنافة دائرى الشكل يرتفع عن الأرض قرب متر ونصف، وله فتحة لإشعال النار، وفوقه صاجة أو صينية مستديرة يُطلق عليها حجر زهر، ويُستخدم مع الفرن إناء ذو ثقوب تكون صفاً واحدا، كما تستخدم حلة للعجين ومصفاة لتصفيته ومغرفة أو كبشة كبيرة لغرف العجين السائل من الحلة إلى الإناء المثقوب. تلك هى الكنافة اليدوى التى ما زالت موجودة فى مصر فى بعض الأحياء الشعبية ويفضلها البعض، ولكن مع الحداثة والتطور فقد تحول إناء العجين المثقوب إلى وعاء كبير متحرك ومثقوب تلفه الآلة، بينما يقف الصنايعى ويزودها بالمقادير ويتحكم فى سرعة دورانها وفى كمية العجين التى تنزل من الثقوب إلى الصينية الدائرية، ويأتى إستخدام الماكينة الآلية فى صنع الكنافة بدلاً من الكوب المخرم، توفيراً للجهد والوقت وتيسيرا للإنتاج الغزير، ومن هنا عرف الناس الكنافة الآلى، وانتشرت بشكل كثيف. ويقول صاحب محل كنافة وقطايف شهير فى حى ميدان الجامع بمصر الجديدة أن "بيع الكنافة يتضاعف فى رمضان، فقد يمر العام ولا نبيع الكم الذى نبيعه فى شهر رمضان فقط.. فالكنافة والقطايف هما من أشهر حلوى رمضان خاصة فى النصف الأول من الشهر الكريم قبل أن يقبل الجماهير على شراء كعك العيد. وقد تنوعت طرق إعداد الكنافة من منطقة إلى أخرى، ففى الشام مثلا يفضلونها بالقشدة، وفى السعودية وفلسطين يفضلونها بالجبن، وفي بلاد المغرب يحضرونها غالبا بالمكسرات، كما ظهرت أنواع كثيرة منها سميت بأسماء جديدة: كالمفروكة والخشنة والناعمة والبلورية والمبرومة والشعر.ودخلت الموضة أيضا فى صنع الكنافة فأصبحت تصنع بالمانجو والبلح والفاكهة بخلاف الجبن والكريمة والقشدة وأصبحت تدخل فى صنع بعض المأكولات الحاذقة أيضا فهناك الكنافة بالجمبرى، إلى أن دخل معها بعض أنواع الكيكات الحديثة مثل كيكة "الرد فلفت" الشهيرة وأصبحت تصنع على شكل تورتة لأعياد الميلاد فى رمضان.. حقا كنافة رمضان نجم بلا منازع.