مع تصاعد التوتر والفوضي في ليبيا، وارتهان الدولة بمؤسساتها وبنيتها وحكومتها للمجموعات المسلحة، أصبحت ليبيا مرتعا للمسلحين ومصدره للإرهابيين ومكمن الخطر، حيث تخطى خطر المجموعات المسلحة تهديد الداخل الليبي فقط، بل أصبحت تهدد العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الدول المجاورة. أعلنت السلطات التونسية، غلق القنصلية التونسية في العاصمة الليبية طرابلس وعودة كامل طاقمها إلى البلاد، وقال وزير الخارجية التونسي "طيب البكوش"، "قررنا غلق القنصلية، وجميع العاملين فيها وعددهم 23 عادوا إلى تونس"، ورأى "البكوش" أن سلطات حكومة الغرب الليبي غير المعترف بها دوليًا "أخلّت بوعد بحماية موظفي القنصلية التونسية في طرابلس"، وقال "عندما تتوافر الحماية للقنصلية وطاقمها، عندها سنفكر في إعادة فتحها"، وأعلن "البكوش" أيضًا عن تأجيل إعادة التمثيلية الدبلوماسية بقنصلية تونس في مدينة البيضاء الليبية، نظرًا لأنّ الحكومة المعترف بها دوليًا، أكدت أنها غير قادرة على حمايتها، ودعا التونسيين في ليبيا للعودة على وجه السرعة. تأتي هذه التطورات السياسية والدبلوماسية الخطيرة بعد حادثة اختطاف الدبلوماسيين العشرة من القنصلية التونسيةبطرابلس في الأسبوع الماضي، حيث اقتحمت ميليشا "فجر ليبيا" المسلحة التي تسيطر على طرابلس، القنصلية التونسية في طرابلس في 12 يونيو الجاري واختطفت عشرة دبلوماسيين. أعلنت السلطات التونسية إطلاق سراح الدبلوماسيين العشرة بالقنصلية، الجمعة الماضية، حيث وصل إلى مطار العوينة على متن طائرة عسكرية عدد من طاقم القنصلية التونسية المفرج عنهم، بينما اختار عدد آخر العودة إلى أهله مباشرة من معبر رأس الجدير عند وصولهم فجر الجمعة، وفي المقابل، أطلقت السلطات التونسية سراح قائد المسلحين "وليد القليب" الموقوف في تونس منذ نحو شهر بتهمة "الإرهاب"، وأوضح وزير الخارجية التونسي أنّ القضاء الليبي طلب من نظيره التونسي تسليم "وليد القليب" بموجب اتفاقية ثنائية، في إشارة إلى اتفاقية تعاون قضائي وقعها البلدان سنة 1961. وشرح وزير الخارجية قائلًا "جاءنا وفد من ثلاثة وزراء من سلطة طرابلس، وقدموا لنا اعتذاراتهم، وقالوا إن عناصر قامت بهذا الاختطاف بصفة غير مسئولة، نتيجة تأثرهم بإيقاف قائدهم وليد القليب من طريق العدالة التونسية"، وفي السياق ذاته؛ أفاد المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح في تونس "رضا زغدود" بأن "وليد القليب" غادر السجن فجر الجمعة. قال أحد أعضاء الطاقم الذين اختطفوا في ليبيا "جمال السايبي"، "لقد خطفتنا جماعة مسلحة يقودها شقيق وليد القليب، ولقينا معاملة سيئة في البداية، لكن عندما تأكدوا أن القليب سيطلق سراحه تغيرت المعاملة"، وأضاف "لن أعود إلى ليبيا أبداً". من جهة أخرى أثار قرار الخارجية التونسية القبول بصفقة تسليم القيادي في فجر ليبيا "وليد القليب" مقابل إطلاق سراح الدبلوماسيين المخطوفين، جدلا واسعًا في تونس، حول هيبة الدولة واستقلال القضاء وأداء الدبلوماسية، خاصة تجاه الملف الليبي. هذا الاختطاف لم يكن الأول من نوعه الذي يمس مواطنين تونسيين في ليبيا، ففي السابق تم اختطاف تونسيين واستهداف مصالح تونسية في ليبيا، وأجرت تونس في مايو الماضي مفاوضات طوال 10 أيام للإفراج عن 254 تونسيًا احتجزتهم "فجر ليبيا" أيضًا ردًا على توقيف "وليد القليب"، وكانت جماعة متطرفة ليبية أخرى تطلق على نفسها اسم "شباب التوحيد" قد اختطفت موظفاً ودبلوماسياً في السفارة التونسية بليبيا على التوالي في 21 مارس و17 أبريل عام 2014، وأفرجت عنهما في 30 يونيو من نفس العام، وطالب الخاطفون وقتئذ بالإفراج عن ليبيين قضت محكمة تونسية في عام 2011 بسجنهما 20 عامًا من أجل جرائم تتعلق ب"لإرهاب"، وفي يناير الماضي، أعلنت جماعة ليبية مسلحة تقول إنها تابعة لتنظيم "داعش" قتل الصحفيين التونسيين، "سفيان الشورابي" و"نذير القطاري"، اللذين دخلا ليبيا للقيام بمهماتهما الصحفية. تكرار عمليات اختطاف التونسيين في ليبيا يهدد بتعقيد العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، وهو ما ظهر جليًا بعد الحادث الأخير الذي اختطف فيه الدبلوماسيين العشرة، فما أن وصل الدبلوماسيون التونسيون إلى المطار حتى أعلن وزير الخارجية التونسي إغلاق مقر القنصلية العامة التونسية في طرابلس، وحذر المواطنين من السفر إلى هناك لحين إرساء حكومة موحدة في ليبيا، تكون قادرة على السيطرة على كامل التراب الليبي، وهو ما يطرح تساؤل حول هل يصل الأمر بقطع العلاقات التونسية الليبية؟