«إذا كان الاستيطان قد حقق تاريخياً جمعاً يهودياً منعزلاً ومعترف به دولياً بعد العام 1948، فإن الاستيطان في الضفة الغربية يستهدف وظيفياً منع إقامة كيان سياسي فلسطيني غربي النهر من جهة، والاستمرار في مصادرة حيز الحياة للفلسطينيين كجزء لا يتجزأ من مشروع التطهير العرقي للعرب في فلسطين».. هكذا يقول الباحث المقدسي سعيد يقين، في دراسته «الجدار العازل الإسرائيلي- دراسة في السياسة الديمجرافية والتطهير العرقي (2002- 2014). أصدر الدراسة، مركز دراسات الوحدة العربية، مؤخرًا، في كتاب جديدة ضمن مطبوعاتها، ليكون أحد أهم المراجع التي درست ظاهرة الجدار العازل في فلسطين، وأشار المركز في تقديمه للكتاب، إلى أنه دراسة ترصد حالة الجدار العازل الإسرائيلي، بوصفه إحدى الجرائم العنصرية وأكثرها دلالة على الجذور الفكرية الصهيونية، التي أرست هذا الجدار نفسيًا وسياسيًا وثقافيًا، قبل أن ترسيه ماديًا في فلسطين. يأتي الكتاب في خمسة فصول، وملخص تنفيذي، ونجد الفصل الأول ارتكز على إطار نظري يجمع بين مفاهيم التطهير العرقي والفصل العنصري من جهة ودراسة الأسس النظرية للفكر العنصري ومرجعياته الثيقراطية والأيدلوجية. وفي الفصل الثاني، استعرض المؤلف المرجعيات الدينية والتاريخية والفكرية لمشروع الجدار العازل، وجاء الفصل الثالث الذي حمل عنوان الأبعاد الاستراتيجية للجدار العنصري في الرؤية الاسرائيلية ليرصد الاهداف العليا لهذا المشروع الاستراتيجي. وعن تداعيات الجدار على المشروع السياسي الفلسطيني، رصد الفصل الرابع من هذه الدراسة الآثار المتمثلة بتقويض مشروع الدولة الفلسطينية، وإفشال حل الدولة الواحدة في المنظور المستقبلي، وآثار الجدار الكارثية على النظام الاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني. وفي الجانب التطبيقي، جاء الفصل الخامس الذي حمل عنوان: في زمن الجدار-جغرافية الكارثة وآفاق الانعتاق، ليقدم إطار معرفياً حول اثنوقراطية النظام السياسي في إسرائيل وتصاعد عنف المستوطنين وتنامي حملة المقاوم الشعبية والمقاطعة الدولية لإسرائيل ثم خيارات وبدائل وآفاق سياسية أمام الشعب الفلسطيني. وقد جاءت نتائج الدراسة لتثبت منظومة من القضايا، فعلى المستوى النظري توصلت الدراسة لحقيقة أن القوى الاستعمارية، رغم أنها ذات تشكيلات تاريخية وقومية مختلفة إلا أنها تتمركز دائماً حول ادعاءات السمو والقداسة والتوكيل الإلهي والوظيفية التنويرية، وأن المدى الزمني لسنوات الاحتلال أو الاستعمار لا تخفف من حدة الاجراءات الاستعمارية بحق الشعوب الاصلانية وإنما يزيد الاستعمار من جرعاتها التدميرية مع مرور الزمن، وأن توظيف الدين والعرق في أية عملية من شأنها أن تمنح القوى الاستعمارية قوة طاغية تنحو نحو الإبادة والانتقام والقتل ومصادرة الموارد الطبيعية. وعلى المستوى السياسي أثبتت الدراسة عدمية الادعاءات والمقولات الأمنية الإسرائيلية كأساس لبناء الجدار. وفي ضوء الخطاب الديمجرافي الإسرائيلي، أثبتت الدراسة بأن الجدار العازل لم يفصل فقط بين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود بقدر ما أسس لعملية فصل تاريخية بين الفلسطينيين أنفسهم، كما أثبتت الدراسة بأن الجدار قد اعاد تأسيس الدولة اليهودية وطغيان جوهرها العنصري عبر الاعتقاد الاسرائيلي بأن حق العودة للشعب الفلسطيني لا يعني أبداً العودة إلى الأماكن التي هجروا منها، وإنما جعل الأماكن العربية المتبقية من فلسطين بمنزلة معازل تستحيل الحياة الإنسانية فيها. كما أثبتت الدراسة أن الجدار العازل والنظام التشغيلي المرتبط به لا يستهدفان عزل الفلسطينيين والسيطرة على مواردهم الطبيعية فقط، وإنما جعل الجدار نظاماً طارداً للسكان الفلسطينيين، على اعتبار أن الطرد ليس مشروعاً مرتبطاً بحالة حرب وإنما فعلٌ مؤسسي دائم ومركزي للعمل الاستعماري في فلسطين. وفيما يتعلق في الأبعاد والجذور التاريخية والدينية للجدار، فقد أثبتت الدراسة أن القيم الدينية الانعزالية والتمركز حول الذات العرقية هي ذات مكون تأصيلي حاكم في بناء هذا المشروع الاستراتيجي. يشار إلى أن لجنة الحكم على رسالة الباحث سعيد يقين، تكونت من: البرفيسورة نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة (مشرفًا)، وعضوية أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة البرفيسور سيد غانم، والسفير الفلسطيني في القاهرة الأستاذ الدكتور بركات الفرا، وسبق هذا نشرها. ولمن لا يذكر، سبق -في 2011- واعتقلت قوات الاحتلال الناشط الدكتور سعيد يقين، خلال احتجاجات أهالي قرية قلنديا شمال القدس،على تجريف الجيش لأراضي القرية، أثناء فض قوات الاحتلال لاعتصام أهالي القرية بالقوة مستخدمة الفلفل الحارق، وأصيب وقتها رئيس مجلس قروي البلدة يوسف عوض الله والناشط من قرية صفا يوسف كراجه. اعتقل يقين بعد محاولته اعتراض عمل الجرافات الإسرائيلية، وأصدر بحقه أمر عسكري من محكمة عطاروت بمنعه من دخول القرية لأسبوعين والإفراج المشروط بكفالة 5000 شيقل لحين موعد المحكمة، إلى جانب غرامة مالية بقيمة 500 شيقل، بعد توجيه تهم له بدخول منطقة أمنية وإعاقة عمل الجنود.