النقاش دائر في القرن العشرين حول العقلانية، وقتها خرج الفيلسوف النمساوي المولد البريطاني الجنسية السير كارل بوبر(1902 1994)، أكبر فلاسفة العلم هذا الوقت، بكتاب عنوانه «أسطورة الإطار: في دفاع عن العلم والعقلانية»، ليجيب عن هذا النقاش. الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي تتضمن أهم آراء بوبر عن هذا الموضوع، فهو رسم أو تلخيص لمعالم فلسفته ورؤاه العامة للقضايا الحضارية والإنسانية، ومن الممكن ايجاز ما بين دفتي الكتاب بأنه نقد كارل بوبر لفكرة أن "المناقشة العقلانية المثمرة مستحيلة ما لم يتقاسم المساهمون فيها إطارًا مشتركًا من الافتراضات الأساسية"، وهي ما أطلق عليها بوبر "أسطورة الإطار". هيئة قصور الثقافة أعادت نشر الكتاب مؤخرًا، من ترجمة الأستاذة الدكتورة يمني الخولي، أستاذة فلسفة العلوم ومناهج البحث بقسم الفلسفة, كلية الآداب, جامعة القاهرة, وصاحبة ثلاثة كتب سابقة عالجت فيها فكر بوبر: "فلسفة كارل بوبر: منهج العلم.. منطق العلم (1989), محاضرات في منهج العلم( د.ت), فلسفة العلم في القرن العشرين(2000)". يضم الكتاب -وهو آخر ما خطه قلم مؤلفه قبل وفاته- عددًا من الفصول تتناول موضوعات مختلفة مثل عقلانية الثورات العلمية, ومشكلة العلم وأهدافه ومسئولياته, والفلسفة والفيزياء, والمسئولية الخلقية للعالم, وفلسفة التاريخ, والإبستمولوجيا والتصنيع. لكن المقالة المحورية -التي يحمل الكتاب اسمها- هي الفصل الثاني من الكتاب أسطورة الإطار، الأسطورة التي يهاجمها بوبر هنا هي الاعتقاد بأن المناقشة العقلانية والمثمرة مستحيلة ما لم يتقاسم المساهمون فيها إطارًا مشتركًا من الافتراضات الأساسية، فعند بوبر هذا الاعتقاد ليس زائفًا فحسب, وإنما هو أيضًا فاسد وشرير من شأنه, إذا شاع, أن يدمر وحدة الجنس البشري ويزيد من احتمالات العنف والحرب. ويضيف بوبر أن المقصود ب الإطار هنا فئة من الافتراضات الأساسية أو المباديء الرئيسية, أي أنه إطار عقلي، ومن أمثلة أصحاب الأطر المغلقة أتباع ماركس وفرويد وآدلر، ممن يؤمنون إيمانًا جازمًا بصواب نظرتهم إلى العالم, ويرفضون أن يتزحزحوا عن هذه النظرة مهما دحضها هذا المثال أو ذاك, مع أن معيار أي نظرية -في رأي بوبر- هو قابليتها للتكذيب، فالمؤلف -باعتباره عدو الاستقراء التقليدي الأكبر -يؤمن بمنهج المحاولة واستبعاد الخطأ إلى أن نتوقف عند تقريرات لا يعتريها الغلط من أي جهة, ولا تصطدم باستثناءات تنقض طابعها الشامل. يوغل بوبر في هذا الاتجاه إلى حد التحذير من النماذج الإرشادية التي جاء بها توماس كون في كتابه الخطير بنية الثورات العلمية باعتبارها إطارًا مغلقا هي الأخري, أو على الأقل يمكن أن تصبح كذلك إذا لم نأخذ بالحذر اللازم في اقترابنا منها.