بتر أطراف وإصابات بالتحجر الرئوي.. ولا وجود لوحدة صحية استبعاد العمال بسبب الإصابة.. وعدم التأمين يضيع حقوقهم تراجع تصدير الرخام والجرانيت.. والصينيون احتكروا الصناعة بالمنطقة الحكومة ترفض تقنين الأوضاع وتتجاهل اعتبارها منطقة صناعية "شق الثعبان" منطقة صناعية لأعمال للرخام والجرانيت يطلق عليها العمال "الجبل" رغم وجودها علي طريق الأوتوستراد بالقرب من حي المعادي، ولكن حين تذهب إليها يغمرك التراب كما يغمر مئات الباعة الجائلين الذين ينتشرون في مدخل الجبل فحولوه إلي سوق شعبي كبير يغلفه التراب الأبيض. يعاني العاملون بمنطقة شق الثعبان من عدة مشاكل صحية بسبب إهمال الحكومة للمنطقة التي تتميز بطرقها المتعرجة والملتوية، والتي ترى فيها تراكم تلال "الرتش" الذي يخرج من تصنيع الرخام، وبعد أن كانت طريقا يسلكه الجيش للوصول إلي أحد المعسكرات تحولت المنطقة إلى أكبر منطقة لأعمال الرخام والجرانيت في مصر. المهندس وليد جبر، وكيل أول نقابة العاملين بالرخام والجرانيت، يقول إن بيئة العمل في منطقة شق الثعبان بيئة صحراوية لقربها من الجبل، لهذا يواجه العمال الكثير من المشاكل بسبب التراب وصوت الصاروخ الذي يستخدم في تقطيع الرخام، مشيراً إلي أن المرض الذي يصيب العمال بكثرة هو مرض الربو. وأشار إلى إغلاق نقطة الشرطة والمطافي والوحدة الصحية التي كانت في المنطقة، ونجحت جهود النقابة في استحضار عربة إسعاف لنقل أي عامل يتعرض للإصابة في العمل لأن الإصابات في الجبل خطيرة قد تؤدي إلي الموت أو بتر جزء من أجزاء الجسم بسبب العمل بالصاروخ، أو إحداث عاهه مستديمه بسبب التأخر في إسعاف المصاب ونقله إلي مستشفى قريبة، مشيرا إلي أن الأكثر قسوة من العمل في منطقة شق الثعبان أنه لا يوجد تأمين علي العمال رغم وجود 835 مصنعا وورشة رخام منها 50 مصنعا فقط حاصلة على تراخيص والباقي ليس مرخصا، بالإضافة إلي أن المصانع المرخصة أغلبها لا يؤمن علي جميع العمال لديه، والورشة التي بها 20 عاملا مثلا يتم التأمين علي 5 منهم فقط. وأكد عدم وجود مياه شرب وعدم وجود صرف صحي، وهذا ناتج عن تقصير الحكومة في تنمية المنطقة وتوصيل مرافق عامة كحق من حقوق العمال والمترددين، موضحا ً أنه تم إنشاء النقابة في أكتوبر من العام الماضي للمطالبة بحقوق العمال والمساعدة في العمليات الجراحية وغيرها، ولكن العمال مازالوا لا يفقهون كثيرا ثقافة العمل النقابي وأغلبهم لا يهتم بعمل النقابات. الموت البطيئ من أجل 80 جنيها في اليوم هو النتيجة الطبيعية للعمل بالمنطقة، وكثير من العمال يرفضون الحديث عن معاناتهم والأمراض والخطر الذي يتعرضون له خوفاً علي مصدر رزقهم قائلين: "احنا مبسوطين في شغلنا ومفيش حاجة"، الأمر الذي أكده جبر، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يرفض العمال الحديث للصحافة في مكان عملهم بسبب خوفهم على "أكل عيشهم"، فمن السهل أن يستغني أصحاب المصانع عن العمال، وهذا يحدث كثيرا عند أصابة أي منهم بإصابة تمنعه من العمل. ويروي محمد علي، أحد العمال ل"البديل" عن معاناة العامل قائلاً: "التراب الذي ينتشر في المكان يدخل صدور كل العمال ومع الوقت تظهر الأعراض المرضية ما بين حساسية علي الصدر والربو والتحجر الرئوي". وأوضح أنه لا يوجد صرف صحي ولا مياه في المنطقة رغم أن الحكومة قامت منذ عدة سنوات بتوصيل مواسير ولكن الإهمال أدى إلى فشل المشروع، حيث اتفقت الحكومة مع مقاول لإدخال الصرف ، ومقاول آخر لتوصيل المياه، وبعد دفع مبالغ طائلة في هذا المشروع فشل لأن طبيعة الجبل مختلفة عن أي أرض أخرى وهناك مناطق عالية ومناطق منخفضة، ولضبط المنسوب تم الحفر بعمق من 8 الي 10 أمتار، ولكن بعد كل هذا لم يكتمل المشروع. "البديل" التقت بالحاج عاصم حجازي، صاحب مصنع رخام، وشرح سبب عدم وجود مياه نظيفة للشرب قائلا إن هناك نوعين من "فناطيس" المياه التي تأتي إلي المنطقة، مياه بحر وهذه تستخدم في العمل، ومياه عذبة للشرب ولكنها عندما تصل تكون قد تلوثت بسبب الجو المحيط الملوث بالأتربة وبسبب عدم وجود خدمات. وأشار إلى أن العامل عندما يأتي في الصباح ويشرب كوبا من الشاي بمياه ملوثة، ثم يستنشق هواء مليئا بالأتربة قبل أن يبدأ عمله فلابد أن يصاب بالالتهابات الرئوية والتحجر الرئوي والربو، مشيراً إلي أنه لا يوجد تقنين لوضع العمال ولا أصحاب المصانع من قبل الحكومة التي أخذت المنطقة كلها رغم أن العاملين هم سبب وجودها، ومع ذلك فالحكومة ترفض بيع الأراضي لأصحاب المصانع. وأكد أن الإصابات التي يتعرض لها العمال خطيرة تصل إلي قطع جزء من الجسم، ويحتاج نقل المصاب إلي أقرب مستشفى وهي جراحة اليوم الواحد في المعادي وقتا كبيرا، كما انتقد إصرار الحكومة علي عدم تغيير اسم "شق الثعبان" إلي المنطقة الصناعية للرخام والجرانيت، مشيرا إلي أن المنطقة في الماضي كانت تصدر الرخام إلي الخارج، فمن المنطقي تغيير اسم المنطقة حتي تسهل كتابة عنوان المصنع. وطالب بالاهتمام بالمنطقة ورصف الطرق للحد من التراب، وزراعة الأشجار لتقليل التلوث، والنظر بعين الاعتبار والاهتمام إلي إعادتها الي سابق مجدها في التصدير مرة أخرى لأن هذا سيعود علي البلد والمنطقة والعمال بالنفع. من جانبه، قال الدكتور محمود السعدوي، رئيس قسم الصدر بجامعة الزقازيق، إن التعرض للأتربة لفترة طويلة يسبب التحجر الرئوي "يوموكونيوزس"، وهو مرض مهني يصيب عمال الرخام والجرانيت، ويعتبر من أقدم أمراض المهنة في التاريخ البشري، ويستوجب تعويض العامل بحكم القانون لأنه مرض لا علاج. وأضاف أنه من المفترض أن يجري العامل الذي يتعرض للأتربة والغبار أشعة وفحوصا كل سنتين علي الأكثر لمعرفة النسبة لديه لأن الرملة تدخل إلي الرئة وتتحجر وتكون حصى، وعلاجها عدم التعرض إلي الأتربة، مشيرا إلي أن الحالات المزمنة لا تظهر إلا خلال 10 سنوات، وفي حال التعرض الحاد للأتربة من الممكن أن يموت العامل خلال عام، لذلك يجب عمل أشعة دورية للعامل بالإضافة إلي الوقاية بارتداء الأقنعة الواقية. عاصم حجازي، أكد أن كل ما يهم الحكومة هي "الكارتة" التي توجد علي البوابة الرئيسية للمنطقة، وكل سيارة محملة بالرخام تدفع كارتة تبدأ من 20 جنيها للسيارة الصغيرة، وتزيد بالنسبة للسيارات الكبيرة علي حسب الحمولة، وهذه الكارتة توضع في الصناديق الخاصة التي لا نعلم عنها شيئا. وتساءل: أين الدولة من تشجيع الاستثمار؟، فبعد أن كانت مصر تحتل المرتبة الثالثة علي العالم في صناعة الرخام خرجنا الآن من الترتيب والتصنيف العالمي، مشيرا إلي أن الحكومة لا تهتم بالمشاكل التي تواجه منطقة شق التعبان وتعمل علي حلها لكي نعود مرة أخري لوضعنا في الترتيب بعد أن احتلت سلطنة عمان مكان مصر بسبب دعم دولتهم للاستثمار وتشجيع الصناعة بها، أما في مصر وعلي مدار ال25 سنة الماضية لم يهتم وزير للصناعة بالمنطقة ولم يساعد علي عودتها مرة أخري إلي الصناعة والتصدير. مشكلة أخرى تواجه منطقة شق الثعبان اتفق على خطورتها حجازي، وجبر، وهي احتلال الصينيين للمنطقة، وبعد أن كانت الصين تستورد الرخام والجرانيت من مصر لفترة طويلة بدأت تدخل في الصناعة شيئا فشيئا إلي أن أصبح الصينيون أصحاب المحاجر وبدأوا مشاركة المصريين في المصانع إلي أن احتلو واحتكروا صناعة الجرانيت في مصر بدعم دولتهم، وبدأوا يجلبون عمالا صينين حتى أصبح الجبل أشبه بمدينة شنغهاي، وصار من المؤكد أن الدعم الذي يحصل عليه الصيني من دولته ومن مصر أيضا جعل المنافسة صعبة على المصانع المصرية في سعر التصدير إلي دول الخليج.