طالبت منظمة "فاو" العالمية بسرعة تشريع قوانين جازمة من أجل حظر الاستخدام الوقائي للمضادات الحيوية على المواشي، وتطبيق آليات ملزمة به تستهدف المزارعين والبيطرين وشركات الأعلاف الدولية، حيث تقوم المصانع الزراعية الضخمة بحقن الحيوانات السليمة بكميات هائلة من المضادات الحيوية لزيادة إنتاجها بسرعة ودون تكاليف إضافية، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء جراثيم خارقة تشكل تهديداً خطيرا على الغذاء وصحة الإنسان. فيما أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيرات جدية بأن هذه الجراثيم الخارقة ستجعل مضادات الالتهاب عديمة الجدوى في مكافحة الأمراض المعدية كالسل أو الالتهاب الرئوي، في الوقت الذي يعتمد فيه الطب الحديث على أدوية الالتهابات خلال العمليات الجراحية وفي علاج العديد من الأمراض الخطيرة الأخرى كالسرطان، ووفقا لتقرير رسمي صادر من المنظمة، فأنه بحلول عام 2050 سيموت 10 ملايين شخص سنويا ما لم نوقف سوء استخدام المضادات الحيوية. يقول الدكتور محمد المسلمي، أستاذ الرقابة الصحية على اللحوم بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، إن هناك ثلاث استخدامات للمضاد الحيوي، إما كعلاج أو للوقاية عند ظهور بعض الأمراض، أو كمنشط للنمو وزيادة الوزن، والاستخدام الاخير والشائع لتقليص فترة دورة التربية، كما تفعل مزارع الدواجن، مضيفا: «بدلا من أن يصل وزن الطائر إلى الحجم التسويقي خلال 45 يوم، يتقلص ل35 فقط، بغرض الحصول على أقصى ربح ممكن خلال أقل فترة زمنية». ولفت إلى أن المربين الجشعين لا يلتزمون بفترة الأمان "تخلص الجسم من المضاد الحيوى" والتى تقتضى بعدم بيع الحيوان أو منتجاته حتى يتم التخلص من متبقيات المضاد الحيوى أو فضلاته، مؤكدا وجود أنواع من المضادات الحيوية لها آثار متبقية، وأخرى ليس لها آثار متبقية، وهناك قوانين تمنع ذبح الحيوان الذى تعاطى مضادات لها أثار متبقية قبل مرور أسبوعين من التوقف عن استخدامها، وأسبوع للمضادات التى ليس لها أثار متبقية، ومشيرا إلى أن الدواجن غالباً ما تتخلص من الأثار المتبقية للمضادات خلال ثلاث أيام فقط من التوقف عن الاستخدام؛ لأن الدواجن أسرع من الحيوانات فى التخلص من بقايا المضادات الحيوية لاختلافات تشريحية. وأوضح "المسلمي" أن مشكلة بقاء المضادات الحيوية فى جسم الحيوان أو الدجاج، تمنح البكتريا مناعة وقدرة على المقاومة لتأثير المضادات، والذى ينتقل فى النهاية إلى الإنسان، ويتراكم داخل جسمه مما يجعله يصاب بتلك البكتريا، والتى اكتسبت قدرة على المقاومة، وبالتالى يستحيل العلاج منها، وقد يصاب الإنسان بأمراض خطيرة مثل تليف الكبد والفشل الكلوي، بجانب فقد قدرة هذه المضادات على علاج الأمراض لاكتساب مسبباتها المناعة منها، مما يترتب عليه انتشار أمراض لا نستطيع السيطرة عليها وزيادة نسبة الوفيات، مشيرا بأصابع الاتهام إلى غياب الرقابة على أسواق تداول الأدوية البيطرية، فضلا عن غياب دور الإشراف الطبي، مطالبا الجهات المعنية بوضع برامج توعية مكثفة للمربين، وتفعيل دور الدكتور البيطري في المزارع باختلاف أحجامها وتفاوت رؤس أموالها. من جانبه، قال الدكتور مصطفى عبد العزيز، عميد طب كلية الطب البيطري جامعة كفر الشيخ ونقيب البيطريين السابقين، إن هناك بعض المضادات الحيوية التي تستخدم كمحفز للنمو عن طريق قتل البكتريا المضرة التي تعمل على تآكل جدران الأمعاء المسئولة عن امتصاص الغذاء بعد الهضم، وبالتالي فإن معدل التحويل يتم بشكل جيد، ويحصل المربى على كتلة لحماية أكبر من الطائر أو الحيوان الذى يربيه؛ لأن له دورا إيجابيا في ترسيب البروتينات، بجانب أن استخدامها بجرعات تحت علاجية يطلق عليها "إضافة أعلاف" أو "منشطات نمو" أو "محسنات نمو". وأكد أن استخدام المضادات الحيوية لابد أن يتم وفقا لشروط وضوابط حتى لا يكون له أثار سلبية، ومنها عدم قدرة امتصاصه من الأمعاء، ويتم التخلص منه في فضلات الجسم، بجانب عدم قدرته على تكوين مناعة مضادة للبكتريا، وألا يترك أي بقايا في المنتج الحيواني، ويوجد من هذه المضاد الحيوية خمسة أنواع، على رأسها "الفلافوميسين" والذي كان يستخدم في مصر حتى عام 2007. وأوضح "عبد العزيز" أن الدكتور أمين أباظة، وزير الزراعة الأسبق، أصدر قرارا سياديا عام 2007 بمنع استخدام أية مضادات حيوية في غذاء الحيوان، بعد ما أثير من أن البكتريا الممرضة كونت مناعة من تلك المضادات، مما دفع المربين والأطباء البيطرين لاستخدام المضادات الحيوية ذات القيمة العلاجية بغرض التسمين، وبنصف الجرعة التي تستخدم للعلاج، فكانت النتيجة أن البكتريا التهمت تلك المضادات وتكونت لديها مناعة ضدها، ما اضطر المحافل الدولية لاتخاذ قرار سريع بإيقاف الأدوية التي تدخل في تركيبها مادة "افروفلوكساسين"، وهي من أحد المواد الفعالة الهامة في علاج المرض التنفسي المزمن والذي يصيب الدواجن، مما أعاد فرص إصابة الانسان بمرض السل الرئوي والذي كان قد تم السيطرة عليه في فترات سابقة، إلا أنه عاد بشكل أكثر ضراوة لاكتساب الجرثومة المتسببة فيه مناعة ضد المضادات الحيوية التي تستخدم في علاج الدواجن من الأمراض التنفسية.