منذ فجر التاريخ والمصري يملأ الحوائط بكتاباته، وربما نحن الشعب الوحيد الذي بنى الحوائط فقط ليكتب عليها ويرسم، ولما حط الزمن من شأننا، وما عدنا نجد من الحوائط سكنًا، اكتفينا بالرسم والتلوين على ما هو متاح منها، نثرنا إبداعاتنا عليها بكل أريحية، إعلانات تجارية، دعاية انتخابية ساذجة وغير ذلك. وقبيل 25 يناير قرأت للمرة الأولى شيئًا مكتوبًا على الحائط له قيمة، ربما للمرة الأولى فكتب بعض الشباب الشقي على الحوائط "مصر كبيرة عليك" مصحوبة بصورة كاريكاتورية لجمال مبارك . وبعد الثورة انتشرت الكتابة على الحوائط كالنار في الهشيم للمؤيدين والمعارضين في كل الاتجاهات، تداخلت الأمور ولم نعد نعرف من مع من، ومن ضد من، لكن بعد 30 يونيو انتشرت موجه بذيئة من كتابات الحوائط موجهة ضد أشخاص لا يستحقون من وجهة نظري كل هذا الكره والبغض. في ظل تلك الموجة الحديثة من الكتابات، ظهر في مدينتي نوع جديد من الكتابات, فكل يوم وأنا أمر بجوار سور إحدى الكليات تطاردني تلك العبارة "رامي بيحبك يا آلاء" مكتوبة بإلحاح غريب. منذ سنوات العبارة على الحائط، وكلما محوها أعاد رامي كتابتها باللون الأخضر مرة والأسود مرة، وكلما انطفأ رونق الألوان أعاد الفتى صبغها. ثلاث سنوات لا يوجد أحد قادر على نزع حب اَلاء من قلب المسكين رامي، ولا أدري لماذا يصمم على التعبير عن حبه بهذا الأسلوب، هو يحب آلاء التي اتمنى من قلبي أن ألقاها لأكتشف سرها، فلماذا لا يذهب إليها ليخبرها صراحة أنه يحبها، أيخشى الفتى أن يخطو تلك الخطوة للأمام؟! ولماذا لم يختر أحد الأساليب الحديثة كالهاتف أو الفيس بوك ليعبر عن حبه؟ هل اختار رامي المسكين هذا الأسلوب ليعبر عن حبه؛ لأنه غير قادر على المواجهة الصريحة، أم ليؤكد لنفسه التي قد تمل وتنسى أنه لا يزال على عهده وحبه لاَلاء الجميلة. إن المشكلة الكبرى التي قد تواجه رامي في حبه البائس ليس في آلاء، فآلاء المسكينة قد تقبله زوجة، وقد تقبل غيره فقط لتهرب من لقب عانس، ذلك اللقب الذي صار يطارد ملايين من شباب وشابات مصر، من كل الطبقات الاجتماعية فالزواج الجيد صار حلمًا بعيد المنال، في ظل ضغوط ضخمة، فكم شاب قادر على سداد إيجار شقة بنظام العقد الجديد؟ فضلًا عن تملكها، وإذا نجح الفتى في تجاوز عقبات ما قبل الزواج فكيف له أن يقيم أود أسرة صغيرة وهو المطحون صباح مساء في العمل إن وجده ليسدد الإيجار ويوفر الطعام والملبس فضلًا عن الترفيه، خصوصًا مع توقف الدولة شبه التام عن التوظيف (المضمون نسبيًّا ولو قل دخله). وتوقف الدولة عن التوظيف جعل فرصة آلاء في الحصول على عمل لتساعد رامي شبه مستحيلة، فآلاء لم تتلق تعليمًا حقيقيًّا ولو كانت جامعية يتناسب مع متطلبات سوق العمل، فلن تجد من الأعمال سوى البسيط الذي لا يتناسب مع كونها ربة منزل وأمًّا، فهي مضطرة للمكوث بالبيت المؤجر والمهدد دائمًا بفقد رامي لوظيفته. ولو كان لي أن أنصح رامي، ولا أعتقد أنه سيقبل نصيحتي، أترك يا عزيزي حبك لآلاء، ودعها ودع نفسك للعنوسة فقد تكون أرحم بكما من تلك الحياة، التي لا يجب أن تنتظر منها الكثير، فما هي إلَّا ساقية ربطنا فيها لندور حولها كالعبيد، على الرغم من كون تركك لآلاء الجميلة اختيارًا قاسيًا، لكنه سيحفظ كرامتك وكرامتها، وربما يأتي يومًا تتحسن فيها ظروفك وإن كان هذا شبه مستحيل فتجد لنفسك آلاء جديدة تحبها أو لا تحبها، أو لا يهم، لكنك ستتزوجها، أما عن جرح الماضي وحلم العمر الذي وأده الواقع المر فالأيام كفيلة بأن تنسيك إياه.