تواترت الأحاديث في الفترة الأخيرة عن حقوق الإنسان والحريات، والمطالبة بحماية هذه الحقوق، لما شهدته من انتهاكات وتعديات طالت كرامة الإنسان وحقه في حياة كريمة، حيث تعتمد الدولة على الحلول الأمنية، لما تشهده إرهاب كاد يضرب كل جزء من أركانها، ولا تعبأ الحلول الأمنية بأي أنشطة أخرى أو حقوق سوى القضاء على الإرهاب متجاهلة الأعراف والقوانين. واعتادت مصر من أمد طويل الاستناد على عكاز الأمن دون التنمية، بحجة محاربة الإرهاب، فإذا كانت التنمية تستهدف شتى المناحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، فلابد من الإشارة إلى سيادة القانون، كأحد الارتكازات لبناء عالم أكثر سلامًا ورخاءً وعدلًا، وإرساء نظام العدالة الاجتماعية القائم على سيادة القانون بات أساسيًّا؛ للاندماج الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، مما يتطلب احتكام العلاقات بين الدول لسيادة القانون، وعلى أسس من المساواة والاحترام المتبادل والتعاون الدولي. وانسجام سلوك الدولة مع أحكام القانون الدولي، بما يتضمنه من التزامات وضمانات. وتستلزم سيادة القانون احترام آليات وتدابير متفق عليها؛ لوضع حد للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إضافة إلى مكافحة الإرهاب ودعم الجهود كافة، والعمل على النهوض بمصر في الوقت الحالي، سواء بتمكين المرأة أو بمكافحة الفساد أو احترام حق الشعوب في حياة كريمة. ففي أغلب البلدان العربية تجري معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية بحلول أمنية، برفع الشعار الشهير منذ الخمسينيات: لا صوت يعلو على صوت المعركة. وعن ذلك يقول المستشار مجدي الجوهري، الخبير القانوني: تحقيق التنمية المستدامة يأتي في البداية بإرساء دولة القانون والعدالة، لافتًا إلى أن احترام حقوق الإنسان وإدراجها في جدول أعمال التنمية أمر له نفس الأهمية، فالثغرات الاقتصادية والاجتماعية بين الفقراء والأغنياء تزيد من التمييز الاجتماعي بمصر. وأوضح الجوهري أن المساعدة ينبغي أن تقدم للفئات المهمشة؛ لكي تحقق العدالة وتتمتع بحقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحق في التنمية، إضافة إلى الحقوق المدنية والحق في التعليم والعمل. وتابع الخبير القانوني: اعتماد مصر في الوقت الحالي على الحل الأمني وإسناد المشكلات التي تحدث كافة لحلول أمنية يعد أكبر خطأ يمكن أن تقع فيه الدول، لافتًا إلى أن الاعتماد على عكاز الأمن أصبح أمرًا مستهلكًا لدى المواطن، فالوقت الحالي يتطلب أن يشعر المواطن بتحسن على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أما الحلول الأمنية التي يتم الاعتماد عليها فهي مرهقة ومستهلكة بشكل يعوق عجلة التقدم بمصر. وأكد أن التغييرات التي لابد أن تحدث في الوقت الحالي تتمثل في إعداد عملية استراتيجية تحلل الوضع الحالي، وتعمل على وضع أهداف واقعية ومرنة من الناحية السياسية، ورفع مبدأ الوعي واستيعاب فئات الشعب كافة، إضافة إلى تحقيق مبدأ العدالة بين الأجيال على المدى البعيد، موضحًا أن الحل الأمني واستمرار الاعتماد عليه سيدخل مصر في دائرة لا خروج منها. خلل استراتيجيات العدالة من ناحية أخرى يقول المهندس أشرف شندي، الخبير الاقتصادي وصاحب مبادرة لتفعيل دور الشباب مجتمعيًّا: معدلات النمو ترتبط بشكل أساسي بتحقيق الاستقرار الاجتماعي، ومصر في الوقت الحالي تعاني من عدم استقرار مما يؤكد فشل استراتيجيات الحلول الأمنية، لافتًا إلى أن الدولة تنظر إلى الحل الأمني على أنه القادر على قيادة الدولة إلى بر الأمان، وفقًا للمفهوم الأمني في الأعراف كافة، لكنه في الحقيقية يقود مصر إلى العديد من الكوارث، على رأسها تراجع المؤشرات الرئيسة للتنمية في المجتمع، التي تتمثل في التعليم والصحة والمرافق العامة، فضلًا عن مستويات الأجور وظروف العمل وشروطه. وتابع شندي: الأزمة حاليًا تتمثل في قناعة القيادات بأن الدولة الأمنية الحل الأساسي، في الوقت الذي يتجاهلون فيه تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية والمعيشية، في نفوس المواطنين إلى أن تنفجر، مؤكدًا أن الحلول الاقتصادية تتراجع أمام استمرار الدولة الأمنية التي تتجاهل التنمية، لافتًا إلى أن الحلول أمام الجميع واضحة وينتقصنا فقط التطبيق. ومن الناحية الأمنية يقول محمد عبد الفتاح عمر، الخبير الأمني: عكاز الأمن ليس حجة تستند عليها الدولة في الوقت الحالي أو السابق، لكن مصر كانت تفتقد بشكل حقيقي وجود العنصر الأمني، مما جعل الإرهاب يسيطر على مناطق عديدة أبرزها سيناء، لافتًا إلى أن تحقيق التنمية في المجالات كافة، على النواحي السياسية والاقتصادية لا يتعارض مع تطبيق دولة القانون، وإلزام الأمن بالدفاع عن مصر ضد الإرهاب الغشيم، الذي يحاول الزج بها في أي وقت تغفل فيه عيون الأمن. وتابع عبد الفتاح: لولا وجود الترتيبات الأمنية المحكمة، والاعتماد على الأمن بشكل كلي، لكان المؤتمر الاقتصادي فشل ولكانت العديد من المشروعات تلقى نفس المصير في التطبيق، لافتًا إلى أن ترك البلد دون الاعتماد على الحل الأمني لن يجعلها تتقدم خطوة، بل سيجعلها تتراجع عشرات الخطوات حين ينتشر الإرهاب بها. وأكد الخبير الأمني، أن مصر ستحارب الإرهاب، وتلك الحرب لن تنتهي بعد عام أو عامين، لكنها حرب طويلة ربما تستمر على مدى عشر سنوات، مشيرًا إلى أن خطأ الشعب كان من تمكين جماعة إرهابية للحكم، فالخلاص منها ليس بأمر سهل بل يحتاج إلى صبر، وهذا لا يتعارض مع مشروعات الدولة كافة، والتقدم الذي سيلحق بها خلال الفترة المقبلة، على حد تعبيره.