صدر حديثًا، ضمن مطبوعات دار الآداب، رواية «طوق سر المحبة»، للكاتب عبد الإله بن عرفة، تتناول في مجمل أحداثها سيرة ابن حزم، والفترة التاريخيّة المتقلّبة التي عايش فيها سقوطَ الخلافة الأمويّة في الأندلس، وظهور ملوك الطوائف. تقدم الدار الرواية قائلة: رسالة ابن حزم التي تركها لنا هي وصيّتُه لكي نحكِّم الحبَّ في حياتنا مهما يكن حجمُ المعاناة، لقد كان ابن حزم خصمًا فكريًّا وسياسيًّا صلبًا لكثير من أهل عصره وغيرهم، لكنّه ثبت على ما يعتقد، وفي الأخير رحل وهو يهمس لنا في رقّةٍ صادقةٍ وصراحةٍ نادرة أنّ أسمى شيء هو الحبّ. تطرح الرواية جذور الصراع الذي حصل بين المسلمين وأوروبا المسيحيّة حول هدم مدينة كومبوستيلا وكاتدرائيّتها، من قِبل الدولةِ العامريّة الناشئة على أنقاض الخلافة الأمويّة، وقضيّة مسجد قرطبة اليوم حين عمدتْ أسقفيّةُ قرطبة إلى الاستيلاء عليه وتغيير اسمه إلى "كاتدرائيّة قرطبة"، وتعمل من أجل تغيير هويّته الحضاريّة والروحيّة التاريخيّة، رغم كونه مسجّلاً باعتباره مسجدًا على لائحة التراث الثقافي العالمي. ومن أجواء الرواية: "كانت أخبار سُخْط أهل قُرطبة قد وصلت إلى المرتضى وأطمعته في استعادة الخلافة للبيت المرواني من الحمّوديين، وعلم كيف أن عليّ بن حمّود قد أخلى قرطبة من أهلها حتى يأمن انقلابهم عليه. اتّفق المرتضى مع أنصاره، خيرانَ الصقلبيّ وجماعته، على الكيْد لعليّ بن حمّود بدل الدخول معه في مواجهة مباشرة. كان خيران يعرف مداخل القصر في قرطبة، فأوعزَ الى بعض فتيانه الصقالبة باغتيال عليّ بن حمّود حين يختلون به. وفي سنة ثمان وأربعمائة قتله الصقالبة الذين كانوا يشتغلون في القصر، حيث دخل عليه ثلاثة صبيان منهم، فقتلوه في الحمام وخرجوا متسلّلين فلم يحسّ بهم أحد. ولما استبطأتْ نساؤه رجوعه دخلن عليه فوجدنه مدرّجا في دمائه وسط الحمّام. أما الصبية الذين قتلوه فقد هربوا، ولم يعثر عليهم، وقبض على فتية آخرين لم يكونوا ضالعين في المؤامرة مباشرة، لكنهم عُذّبوا عذابا شديدا ثم صلبوا. وبعد أيام لحق القاسم بن حمّود، شقيق عليّ، بقرطبة ودفن أخاه في سبتة. سكنتُ بلنسية مدة وصرت أحد وزراء المرتضى، وراش جناحي بجانبه بعد النكبات التي مرت بي. وفي بلنسية حضرتُ حلقات العلم، وجلست الى القاضي عبد الله بن عبد الرحمان ابن الجحاف المعافري، وأخذت عنه كتاب "أحكام القرآن" لأبي بكر بن علاء القشيري. كما حضرت مجالس أبي عمر أحمد بن محمد الطلمنكي. ثم تكدّر الحال لما قرر المرتضى مهاجمة الحمّوديين في قرطبة واستردادها. تحرّك الجيش من بلنسية معززا بالموالي العامريين والصقالبة والأندلسيين. وفي الطريق عندما مررنا بغرناطة، زيّن خيران وجماعته للمرتضى أن يحاصرها حتى يؤمّن ظهره من قائدها الداهية، زاوي بن زيري الصّنهاجي من رجالات الحمّوديين. لم أكن مرتاحا لهذا الرأي، لأنه كان سيضعف الجيش ويصرفه عن هدفه الأول وهو دخول قرطبة، لكن المرتضى انحاش الى رأي خيران. وبعد أيام من الحصار والمعارك وتخاذل الحلفاء وخيانة خيران والعامريين، انهزم جيش الأندلس ففرّ المرتضى ونُهبت محلّته وأُخذ سُرادقه، ولحق به بعض غلمان خيران فقتلوه وحملوا رأسه الى المريّة". عبد الإله بن عرفة، باحث وروائي مغربي، حاصل على دكتوراة في علم الدلالة من جامعة السوربون، كما أنه يعد خبير دولي من مجال التراث والتنوع الثقافي والحوار بين الحضارات. صدر له عن دار الآداب كتب: "طواسين الغزالي، بلاد صاد، ابن الخطيب في روضة طه، ياسين قلب الخلافة، جمالية السرد في الرواية العرفانية"، فضلًا عن روايته الأخيرة "طوق سر المحبة"، ومنها نقول: «أيّها المحبّ، كيفما كنت، ومن حيثُما أتيت، تعال.. تعال إلينا، دَعِ الحبَّ يفعلُ بك ما شاء… ويُحِيلُكَ هباءً يَتَنَسَّمُه كلُّ عاشقٍ في الكون. دَعِ الحبَّ يأتي، فمهما فعلتَ فسترى أنَّ العشبَ يَنْبُتُ على رَوْثِ الدَّوابّ. احْتَرِقْ بِالحبّ أيّها العاشق، وَعُدْ رَمادًا بين الأَحجار، لا تُبَالِ، فَمِنَ الرَّمَادِ تُولَدُ شَرارةُ العِشق. سِرْ على الأرض هُوَيْنًا، وتَذَكَّرْ أنّك تمشي على أجساد العاشقين قبلَك، فأرواحُهم لا زالت تسكنُ هذا الكون الفسيح، وقلوبُهم لا زالت تَرْجُفُ بحكايات حُبِّهم القديمة. فلا تُسرعْ، ستجد الحبَّ على الطريق. ومهما أخطأتَ وأذنبتَ، فنحن نَقْبَلُكَ في رُبوعنا، تعالَ إلينا، فكلُّ يومٍ هو يومُ لقائِك، وكلُّ حضورٍ هو موعدُ إتيانِك. ليس للحبِّ وقتٌ سوى الحبّ».