وضعت الانتخابات التى جرت مؤخرا في نيجيريا البلاد على مسار لا رجعة فيه من النضج الديمقراطي، وبرغم أن هذه العملية كانت ناقصة وتعاني من بعض المشاكل وجيوب العنف السياسي الذي كان لابد منه لسماع قعقعة السيوف، لكن سلوكها كان ناجحا للغاية وفقا للمعايير الإفريقية الخاصة، حيث أفضت النتيجة النهائية للانتخابات إلى فوز المعارض محمد بخاري، برئاسة نيجيريا خلفا لجودلاك جوناثان. اعتبر موقع أوول أفريكا أنه ما كان لأحد أن يتنبأ بثقة مؤكدة بهذه النتيجة، خاصة أن النيجيريين أثبتوا أن لديهم قدرة على السير في ركب الديمقراطيه والإيمان الراسخ بالعملية الانتخابية، مضيفا أنه بتحليل عدد من العوامل المحددة لهذه النتجية السلمية سوف نستنتج الأولويات الراهنة للحكومة الجديدة بقيادة محمد بخاري، كما أنه يمكن الوقوف على أسباب تقدم المعارضة على الحزب الحاكم خلال انتخابات الرئاسة الأخيرة. كانت المعارضة أفضل تنظيما من الحزب الحاكم، كما أن توحدهم هذه المرة مكنهم من الحصول على أصوات الناخبين، وحثهم على الخروج إلى مراكز الاقتراع، وفي ولاية بعد الأخرى حصلت المعارضة على دعم انتخابي تفوقت به على الرئيس السابق جوناثان، وأطاحت به من السلطة التي تولاها في عام 2011، والقصة واضحة، فدعم بخاري الكبير الذي عزز فوزه كان في منطقة شمال غرب نيجيريامسقط رأسه والتي تعتبر ثاني أكبر مدينة نيجيرية من حيث عدد السكان بعد لاجوس، وكان هناك إقبال من الناخبين كبير جدا وحماسي لدعم بخاري، حيث لم ينل هذا الدعم جوناثان من قبل أنصاره في الجنوب والجنوب الشرقي مسقط رأسه، بل المفاجأة أن هذه المناطق كانت داعمة لبخاري، بقوة خاصة في الجنوب الغربي والذي يعتبر واحدا من الكتل السياسية الجغرافية الأكثر اكتظاظا بالسكان في نيجيريا. من أبرز العناصر الإيجابية التي حدثت في تلك الانتخابات أنها لم تكن قائمة على الاستقطاب العرقي أو الديني، فقد حصل جوناثان، على عدد كبير من الأصوات في بعض الولايات الشمالية الشرقية والتي تسكنها أغلبية من المسلمين، كما حصل بخاري، على العديد من الأصوات في مناطق الجنوب الغربي ذات الأغلبية المسيحية، وهو ما يعني أن التصويت كان بعيدا عن الصراع الديني. كانت هناك حالة من عدم الرضا عن أداء الحزب الحاكم وائتلاف الشباب المسيحي الذي كان سببا كبيرا في فوز جوناثان، عام 2011، ومن القضايا الرئيسية التي أدت إلى تدني شعبية الحزب الحاكم عدم اهتمامه بالمسائل الأمنية ولاسيما في الشمال الشرقي، وتدهور الاقتصاد بسبب عدم وجود فرص العمل واتساع فجوة الفقر، بجانب عدم انتظام إمدادات شبكة الكهرباء رغم أنها كانت من القضايا الرئيسية التي تعهد جوناثان بحلها. العملية الانتخابية الأخيرة حققت تحولا حقيقيا في نيجيريا، خاصة مع اتباع الإجراءات الجديدة التي سهلت على الناخبين التصويت من خلال استخدام البطاقات الإلكترونية الأمر الذي حد من وجود تزوير خلال الانتخابات. على الرغم من توقع المراقبين أن هذه الانتخابات كانت ستتحول إلى حالة من الجمود وستكون أرضها غارقة في الدماء، إلا أن النتيجة السلمية في نهاية المطاف أجبرت العالم على أن يقف احتراما لنيجيريا التي تغلبت على التحديات الصعبة، خاصة مع تهديد جماعة بوكو حرام الإرهابية بإفشال انتخابات الرئاسة، لكن الخبرة العسكرية للقوات المسلحة النيجيرية سيطرت على الموقف وأفسدت خطط التنظيم المتطرف. يختتم موقع أوول أفريكا تقريره بالحديث عن التحديات التي يواجهها الرئيس النيجيري الجديد خلال فترة الرئاسة، موضحا أنه على بخاري، تغيير القيادة العسكرية الحالية لتنشط الأجهزة الأمنية أكثر من ذلك، وترتفع روح الحماسة بين أفراد الجيش، كما يجب عليه التركيز على المدخلات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تدعم الديمقراطية التي طال انتظارها مثل تعزيز برامج تجديد الكهرباء التي كتبتها حكومة حزب الشعب الديمقراطي، ودعم خلق فرص العمل من خلال تعزيز الزراعة والقطاعات الأخرى، وكذلك إعادة توجيه الموارد العامة بعيدا عن الإسراف في الإنفاق الحكومي. ما ينتظره النيجيريون من بخاري، أن يحاسب المسؤولين الذين تسببوا في الفساد وإهدار أموال البلاد خلال فترة حكم جوناثان، أما المكسب الحقيقي الذي تحقق من تلك الانتخابات السلمية هو تشجيع مجتمع المستثمرين العالمي للتوجه نحو نيجيريا والمضي قدما في خطط للاستثمار في الأسواق المحلية على نحو متزايد.