شهدت تونس عملية دموية أمس في منطقة جبال المغيلة بين محافظتي سيدي بوزيد والقصرين، حيث أثارت هذه العملية هالة من الغموض حول طبيعتها وأبعادها، لاسيما أنها تأتي في أول رد فعل بعد نحو أسبوع من قتل أبرز قيادات تنظيم «كتيبة عقبة بن نافع» المسلح، المتهم بالضلوع في أغلب الأعمال الدموية في تونس. قُتل خمسة جنود وأصيب آخرون في كمين نفذته بحسب التوقعات الأمنية كتيبة عقبة بن نافع ضد الجيش التونسي غرب البلاد، وضمت المجموعة الإرهابية الأمنية حوالي 35 مسلحا استهدفت بقذائف «آر بي جي» دورية للجيش في منطقة «المغيلة» التابعة لولاية القصرين القريبة من الحدود الجزائرية غرب البلاد. توقعت المصادر أن يكون المسلحون تابعين لكتيبة «عقبة بن نافع» التي يتحصن عدد من عناصرها في جبل المغيلة، وحسب السلطات التونسية، فإن هذه المجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وخططت لإقامة أول إمارة إسلامية في شمال إفريقيا في هذا البلد بعد الثورة التي أطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، وتقول السلطات التونسية إن هذه المجموعة مسؤولة عن الهجوم الذي استهدف متحف باردو في 18 مارس وأسفر عن مقتل 22 شخصا بينهم 21 سائحا أجنبيا، علما بأن تنظيم داعش تبنى هذه العملية. وتواجه تونس هجمات، وأعمال عنف منذ مايو 2011، ارتفعت وتيرتها في عامي 2013 و2014، وتركزت في المناطق الغربية المحاذية للحدود الجزائرية، وخاصة في جبل "الشعباني" بولاية القصرين. رأى بعض المراقبين أن العملية تأتي كأول رد فعل على العملية الناجحة التي نفذتها مؤخرا قوات الجيش والأمن في ولاية قفصة (جنوب)، وأدت لمقتل 9 قياديين بارزين من كتيبة «عقبة بن نافع»، من بينهم خالد الشايب الملقب بلقمان أبو صخر والمصنف كأخطر إرهابي في تونس، اعتبر آخرين أن الهجوم أعاد مسرح الأعمال المسلحة إلى مربعها ومهدها الأول في المناطق الوعرة البعيدة عن التجمعات السكانية نظرا لتشديد الخناق عليها من قبل الأجهزة الأمنية. كانت وسائل الإعلام التونسية تداولت قبل أيام بيانا منسوبا لكتيبة «عقبة بن نافع» نشره موقع «أفريقيا للإعلام» التابع للتنظيم، وتوعد فيه التنظيم باغتيال كل من رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ورئيس الحكومة حبيب الصيد ووزير الداخلية ناجم الغرسلي والناطق باسم الوزارة محمد علي العروي. اعتبر الخبراء أن هذه التهديدات تدخل في إطار الحرب النفسية ورد الفعل و يجب أن يؤخذ هذا التهديد على محمل الجد ويجب الاستعداد لما يمكن أن تقوم به هذه المجموعة من أعمال إرهابية متفرقة مستقبلا، كما حذر العسكريون من تكرار الهجمات الإرهابية داخل المدن على غرار هجوم باردو. مع عودة الهجمات إلى الجبال، اعتبر الخبير العسكري، مصطفي صاحب الطابع، أن "العملية الإرهابية تهدف إلى إدخال البلبلة في نفوس التونسيين وتشتيت عمل القوى النظامية، من جيش وشرطة، وذلك بالمناورة ونقل العمليات الإرهابية إلى أكثر من مكان، مضيفًا أن "الهجوم على العربة العسكرية في منطقة المغيلة يكشف عن محاولة جر المسلحين العمليات الإرهابية إلى النقطة الأولى وهي المرتفعات الجبلية مع تمديد نشاطها في المناطق الوعرة". وأضاف "يبعث الإرهابيون برسائل إلى السلطة تحمل معنيان مفادهما أن القضاء على لقمان أبو صخر لا يعني أن عملياتهم ضد الدولة قد انتهت، أما الغاية الثانية فهي أنهم قادرون على الوصول إلى كل الأماكن في المدن الداخلية والمناطق الجبلية". ثمة من يرى أن هذا الهجوم الإرهابي محاولة للتمدد من قبل الجماعات المسلحة لتمديد أنشطتها في الجبال خاصة أنها تتلقى دعما، مصادره شبكة القاعدة على الحدود الجزائرية في تبسة وتيزي وزو، لاسيما وأن هناك عناصر شديدة الخطورة لا تزال تنشط في هذه المناطق بينهم المدعو الأمير يحيى وعوف الشايب أخ لقمان (خالد الشايب)، بالاضافة إلى أحد أبرز القيادات الخبيرة بالجغرافيا التونسية، وهو أبو براءة (مراد الغرسلي) الذي لا يزال طليقا، وقوات الأمن كانت تلاحقه في المنطقة بين القصرين وقفصة، وهي ليست بعيدة عن مكان وقوع العملية".