طرحت العملية الدموية، أمس الثلاثاء، في منطقة جبال المغيلة التونسية بين محافظتي سيدي بوزيد والقصرين، نقاط غموض كثيرة حول طبيعة العملية وأبعادها، خاصة أنها تأتي بعد نحو أسبوع من قتل أبرز قيادات تنظيم "كتيبة عقبة بن نافع" المسلح، المتهم بالضلوع في أغلب الأعمال الدموية في تونس. فبينما رأى محللون، في أحاديث منفصلة مع الأناضول، أن الهجوم أعاد مسرح الأعمال المسلحة إلى مربعها ومهدها الأول في المناطق الوعرة البعيدة عن التجمعات السكانية نظرا لتشديد الخناق عليها من قبل الأجهزة الأمنية، اعتبر آخرون أن هجوم الثلاثاء هو بمثابة رد انتقامي، ومحاولة للتمدد في مناطق جديدة من قبل التنظيم الذي يعتبرونه الأخطر في تونس. وقتل الثلاثاء 4 جنود تونسيين، وجرح 8 آخرون، في "كمين" نصبه مسلحون لدوريتهم العسكرية في جبال المغيلة، بحسب وزارة الدفاع التونسية، فيما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم حتى اليوم. لكن الهجوم جاء بعد مقتل قائد "كتيبة عقبة بن نافع"، خالد الشايب، المكنى ب"لقمان أبو صخر"، و8 مسلحين آخرين، في عملية نفذتها أجهزة الأمن التونسية في منطقة سيدي عيش بمحافظة قفصة نهاية الشهر الماضي. ورغم أن الهجوم كان في موقع جديد بالجبال، إلا أن محللين ذهبوا إلى القول بأن الجماعات المسلحة أعادت، بهذا الهجوم، عملياتها إلى مربعها الأول في المناطق الجبلية غير الأهلة بالسكان، بعد أن حاولت في الفترة الأخيرة نقلها الى المدن الداخلية وقلب العاصمة. وفي 8 مارس الماضي، قتل مسلحان، تقول السلطات إنهما تلقيا تدريبات عسكرية في ليبيا، 24 شخصا، بينهم 22 سائحا أجنبيا، في هجوم استهدف متحف "باردو" غرب العاصمة في أدمى هجوم بتونس منذ سنوات. ومع عودة الهجمات إلى الجبال، اعتبر الخبير العسكري، مصطفي صاحب الطابع، أن "عملية الثلاثاء الإرهابية تهدف إلى إدخال البلبلة في نفوس التونسيين وتشتيت عمل القوى النظامية، من جيش وشرطة، وذلك بالمناورة ونقل العمليات الإرهابية إلى أكثر من مكان". وقال الطابع لوكالة الأناضول، أن "الهجوم على العربة العسكرية في منطقة المغيلة يكشف عن محاولة جر المسلحين العمليات الإرهابية إلى النقطة الأولى وهي المرتفعات الجبلية مع تمديد نشاطها في المناطق الوعرة". وأضاف: "يبعث الإرهابيون برسائل إلى السلطة تحمل معنيان مفادهما أن القضاء على لقمان أبو صخر لا يعني أن عملياتهم ضد الدولة قد انتهت، أما الغاية الثانية فهي أنهم قادرون على الوصول إلى كل الأماكن في المدن الداخلية والمناطق الجبلية". ورأى الخبير التونسي أن "اتخاذ المناطق الجبلية للرد على العملية الأمنية الأخيرة كان متوقعا، فالجماعات تبحث عن الأماكن التي تضمن لها أكثر نجاح عند تنفيذ العملية، والجبال أسهل ميدان لنصب الكمين، وفيه تتوفر عناصر الاستطلاع والاقتحام والتغطية والانسحاب التي تعتمدها الجماعات الإرهابية في تكتيكها". وعن مستقبل نشاط تلك الجماعات، قال: "نتوقع حدوث عمليات مماثلة، فالمسألة لا تتعلق بتجهيزات عسكرية كما يروج لذلك الساسة، وإنما أعمق من ذلك بكثير ....للقضاء على الإرهاب في تونس نحتاج إلى إرادة سياسية". فيما رأى المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية (حكومي)، طارق الكحلاوي، أن هذه "العملية تؤكد أن القضاء على أمير عسكري، مثل لقمان أبو صخر، ليس بالضرورة نهاية كتيبة عقبة بن نافع". وتابع الكحلاوي لوكالة الأناضول: "نشرت حسابات (على موقع) تويتر مقربة من المجموعة (المسلحة) تهديدات بانتقام وشيك في تونس والجزائر، فالرد ضروري بالنسبة لهم للحفاظ على المعنويات". وفي الأول من الشهر الجاري، وردا على مقتل أبي صخر، قال وناس الفقيه، القيادي السابق في جماعة "أنصار الشريعة"، في تسجيل مصور نشر على مواقع إلكترونية "أما أنتم يا طواغيت.. نقول لكم لا تفرحوا كثيرا فقد ترك لقمان وإخوانه رجالا أوفياء وأسودا عظماء لا ينامون على ضيم ..القادم أدهى وأمر بعون الله ..وإذا كنتم تظنون يا أذناب اليهود أن جهادنا سينتهي بقتل بعض إخواننا فأنتهم واهمون". وحول ما إذا كان هجوم الثلاثاء محاولة للتمدد من قبل الجماعات المسلحة، أجاب الكحلاوي بأن "هناك محاولات لتمديد أنشطتها في الجبال خاصة أنها تتلقى دعما، مصادره شبكة القاعدة على الحدود الجزائرية في تبسة وتيزي وزو". وتابع بقوله: "ينبغي ألا ننسى أن لقمان عنصر من عناصر قيادية جزائرية أخرى لا تزال تنشط، بينهم المدعو الأمير يحيى وعوف الشايبي أخ لقمان (خالد الشايب)... لهذا لا يجب أن نتوقع انحسارا بمجرد القضاء على العناصر الناشطة في تونس.. أحد أبرز القيادات الخبيرة بالجغرافيا التونسية، وهو أبو براءة (مراد الغرسلي)، لا يزال طليقا، وقوات الأمن كانت تلاحقه في المنطقة بين القصرين وقفصة، وهي ليست بعيدة عن مكان وقوع عملية الثلاثاء". وبحسب بيانات للشرطة التونسية، يعتبر الغرسلي، وهو من حي النور بمدينة القصرين على تخوم جبال الشعانبي، أبرز قيادي تونسي في قيادة "كتيبة عقبة بن نافع"، وكان في بداية فبراير/ شباط الماضي محل بيان نشرته الداخلية التونسية على أوسع نطاق، محذرة فيه من أنه ينشط في قفصة المحاذية لمحافظة القصرين. لكن لهجوم الثلاثاء مدلول آخر رصده الخبير الأمني، يسرى الدالي، بقوله إن "المجموعة الإرهابية تعيش في الوقت الراهن ضغطا متزايد من قبل أجهزة الدولة ما يصعب عليها الوصول إلى المدن مجددا كما حصل في عملية باردو الأخيرة". وتابع لوكالة الأناضول: "أعتقد أن عملياتهم لن تتمكن من الوصول الى المدن خلال الفترة المقبلة نظرا لتضييق الخناق عليها من قبل أجهزة الأمن لذلك من المرجح أن يتركز نشاطهم في المناطق الجبلية، فهي مكانهم الطبيعي، حيث يتمتعون بهامش المناورة والتخفي بعيدا عن عيون قوات الشرطة والجيش، وحين تتاح لهم فرصة ضرب المدن لن يترددوا". ومنذ ديسمبر 2011، تلاحق السلطات التونسية مجموعات مسلحة متحصنة في جبال الشعانبي غربي البلاد، وتتهمها بالضلوع في اغتيالات سياسية وأعمال إرهابية أسفرت عن مقتل العشرات من عناصر الجيش والشرطة.