نظم عدد من شباب الحركات الثورية والقوى السياسية ونشطاء العمل السياسى والشخصيات المستقلة بمحافظة الغربية احتفالية مساء أمس الاثنين بذكرى رحيل الفريق عبد المنعم رياض بقرية "سبرباى" التابعة لمركز طنطامسقط رأسه. وقال محمد المسيرى عضو الهيئة العليا لحزب الوفد بالغربية إن الاحتفالية نوع من رد الجميل لبطل دافع عن وطنه حتى آخر قطرة دم، واستشهد بين جنوده وعلى أرض المعركة، مشيرًا إلى أن عددًا كبيرًا من الشباب والنشطاء سيشاركون فى حضور الاحتفالية؛ تذكيرًا بمواقف الشهيد ومواقف العدو الإسرائيلى الغاشمة التى اغتالت العديد من الشهداء على مدار سنوات الحروب المختلفة وحتى الآن. طفل القرية النابغة ولد الشهيد البطل عبد المنعم رياض فى الثانى والعشرين من شهر أكتوبر 1919 فى قرية "سبرباى" إحدى قرى مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وكان طفلاً ذكيًّا نشيطًا لماحًا، يمتاز بحب الاستطلاع والاكتشاف؛ ما جعله يسبق أقرانه فى تفوقه العمرى بمراحل، وكان والده يتنبأ له بمستقبل باهر كما قال أبناء خاله الذين تربى بينهم بعد سفر والده ليشغل منصب حكمدار السودان. تلقى تعليمه فى السنوات الأولى من عمره فى كتاب القرية بجامع "سيد بك الخولى" جد والده الفريق رياض، والذى كان من أكبر أعيان مديرية طنطا، وكان يشغل منصب مدير أعمال الخديوِ إسماعيل فى الغربية، وكان له نفوذ واسع. فى ذلك الجامع تعلم عبد المنعم اللغة العربية، وحفظ العديد من أجزاء القرآن الكريم، وكان ذلك الجامع يضم المسجد والمضيفة ودارًا لتحفيظ علوم القرآن واللغة العربية. ولأن القرية آنذاك لم تكن بها مدارس؛ فقد التحق عبد المنعم بالكتاب حتى نقله شقيقه محمود إلى القاهرة فى السادسة من عمره؛ لكى يكمل تعليمه بها، وذاق مرارة اليتم، حيث توفي والده وهو فى الثانية عشرة من عمره. ترك "الطب" ليدرس في "الحربية".. والتحق ب "العلوم" و"التجارة" واصل تعليمه حتى حصل على الثانوية العامة من مدرسة الخديوِ إسماعيل، وفى هذه المرحلة بدأت تتشكل شخصيته ويتحدد هدفه، وكانت له اهتمامات أخرى بالرياضة والكشافة وصيد الطيور، وعرف عنه حبه الشديد لخاله محمد أمين بك الخولى، وهو الذى تولى تربيته فيما بعد، وكان له تأثير كبير فى حياته. التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التي كان متعلقًا بها. وانتهى من دراسته بالكلية الحربية في عام 1938 برتبة ملازم ثانٍ، نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944، وكان ترتيبه الأول، وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في إنجلترا عامى 1945 و1946. أجاد عدة لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وانتسب أيضاً لكلية العلوم لدراسة الرياضيات البحتة، كما انتسب وهو برتبة فريق إلى كلية التجارة؛ لإيمانه بأن الاستراتيجية هي الاقتصاد، وأتم دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا عام 1966. في قرية الفريق عبد المنعم رياض.. ذكريات لا تنتهي عند زيارتك لقرية الفريق عبد المنعم رياض، أول ما ستلاحظ أن المنزل الذى تربى فيه ما زال يقف شامخًا، لم تعبث به السنوات، ولم تبدل معالمه، ليبرهن على عظمة من عاشوا فيه وضمتهم حوائطه وأسوار حديقته العالية، ويعود بناء المنزل إلى أوائل القرن الماضى. ويحكي الحاج جلال محمد أمين الخولى عن الشهيد عبد المنعم رياض قائلاً "لم يكن عبد المنعم كثير الكلام، وكنت دائمًا أراه دائم التفكير، وكانت نظرته يبدو عليها التركيز فيما أمامه وكأنه يخطط لشىء ما، وكنت دائمًا أقول له إن نظراتك ثاقبة، ترى ما لا نراه. وكان محبًّا لكل من حوله، حتى حينما كان يتصل بى من عمله، كان يطمئن على كل أقاربه بالاسم، ولم يكن ينسى أحدًا منهم، ويسأل عن القرية وأحوالها". جده لقبه ب "القائد" في طفولته المهندس شريف الخولى ابن خال الفريق أكد أن سيرته لا تكاد تفارق مجالس العائلة كلما اجتمعنا معاً، وكان كبار العائلة من أشقاء والدى يذكرون مدى علمه هو وأشقائه وأخواته من البنات، حيث يقول إن محمد بك الخولى جد الفريق كان يلقبه دائمًا بالقائد، وكانت أمه تشبِّهه بجدها سيد بك الخولى فى عظمته وكبريائه. وأضاف نبيل محمد أمين الخولى، والذى تولى والده تربية الفريق، وكان يشغل منصب عمدة "سبرباى" فى الفترة من 1940 إلى 1966، أن جد الفريق لأمه أنجب 8 أبناء، هم: المستشار محمد صادق الخولى بك، والدكتور محمد كامل بك الخولى مدير عام مستشفى الأمراض العقلية، ومحمد طاهر بك الخولى وكيل وزارة التجارة والصناعة، والدكتور محمد عبد المغنى بك الخولى دكتور مهندس وكان يشغل منصب عميد كلية الهندسة، ومحمد بك صديق الخولى، توفى وهو فى العشرينيات من عمره، وأنجب محمد أمين بك الخولى العمدة، بالإضافة إلى ثلاث فتيات، هن: عائشة محمد الخولى، ووالدة الفريق رياض، وفاطمة الخولى. وأشار السيد نبيل الخولى أن والده تولى تربية الفريق وإخوته؛ بسبب وجود والد الفريق فى السودان، حيث كان يشغل منصب الحاكم العسكرى هناك، وهو الأميرالاى محمد رياض، وكان محمد أمين بك الخولى يقول إن عبد المنعم سوف يصبح له شأن عظيم، فقد كان من صغره نبيهًا يتعلم بسرعة، وكان بارعًا فى الصيد. وأكد نبيل الخولى أن "الفريق لم ينقطع عن زيارة القرية فى كل إجازاته وفى الأعياد بعد انتقاله إلى القاهرة، وكان ارتباط والدته بوالدى كبيرًا جدًّا، وكان والدى يتصل بها أسبوعيًّا، ويسأل عن أبناء عمتى وتعليمهم وعن الفريق عبد المنعم خاصة؛ لأنه كان يحظى بمنزلة خاصة لديه". عشقه للجندية أنساه الزواج يقول حمادة الخولى إن المشير كان يحب العسكرية لدرجة جعلته لا يفكر فى الزواج، وكان متواضعًا لأعلى درجة. وتابع "كنا فى قمة الحزن عندما شاهدنا الشباب يعتدون على تمثاله بميدان عبد المنعم رياض بالقاهرة أثناء أحداث ثورة 25 يناير وتحطيم جزء منه". حروب لا تتوقف.. وعبد الناصر يعينه قائدًا لكفاءته يعتبر الشهيد عبد المنعم رياض واحدًا من أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، وواجه القائد العسكري أشد أعداء مصر، حيث كان أحد حماة الوطن في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامي 1941 و1942 ومشاركًا في حرب فلسطين عام 1948 وأحد من تصدوا للعدو الصهيوني في العدوان الثلاثي عام 1956، وحرب 1967، وحرب الاستنزاف. فعقب هزيمة يونيو 1967 قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تعيين الفريق عبد المنعم رياض رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية؛ تقديرًا لجهوده وثقة فيه؛ ليقود بنفسه عامين من حرب الاستنزاف على طول الجبهة. … ويكلفه بإعادة تأسيس الجيش المصري بعد نكسة 67 عكف الجنرال الذهبي إلى جوار الرئيس جمال عبد الناصر والفريق محمد فوزي وزير الدفاع وقتها على إعادة بناء الجيش من جديد، إلا أنه لم يسعفه الوقت لرؤية جنوده وهم يعبرون قناة السويس؛ ليحرروا أرضهم التي وقف على الجبهة واستشهد من أجل الدفاع عنها. … وينعيه: أجيب زيه منين؟ كيف أعوضه؟ في يوم 9 مارس 1969استشهد القائد عبد المنعم رياض وهو بين جنوده. وذكر حمادة الخولى أن الرئيس جمال عبد الناصر بكى يوم وفاة الشهيد، وردد عبارات تم تناقلها من المقربين وقتها "أجيب زيه منين؟ كيف أعوضه؟". يوم الشهيد وعقب استشهاد البطل المصري عبد المنعم رياض أعلنت مصر منذ عام 1969 يوم 9 مارس من كل عام يوماً للشهيد؛ تخليداً لذكرى رحيل رئيس أركان حرب الجيش المصري عبد المنعم رياض، وقد نعاه الرئيس جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر. وطالب محسن المنسى أحد أهالى القرية وعضو نقابة الفلاحين المحافظة بإطلاق اسم الشهيد عبد المنعم رياض على مجمع المدارس الجديد بالقرية وعمل تمثال بأحد ميادين المحافظة تخليدًا لذكراه.