مَدينون، نحن المصريين، لهؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم الغالية، وخضبت دماؤهم العزيزة الأرض، فى سبيل البلد، لتبقى رسالة بأن تراب الوطن أغلى من الأفراد مهما عزّوا، ومن الأعمار ولو غلت. مَدينون نحن لشهداء الوطن، بتهمة التفريط فى قيمهم ومبادئهم، حتى كادت الأرض التى ضحوا من أجلها، تضيع فى مشروعات بثمن ودون ثمن، حين خطط الإخوان لترك سيناء للفسلطينيين، والقناة لقطر، وحلايب للسودان.
اليوم وهو يوم الشهيد، الذى ترجّل فيه فارس العسكرية المصرية الأعظم، الفريق عبد المنعم رياض، صاعدًا إلى ربه، بعد إصابته بقذيفة هاون، جمع العدو فيها، سمومه وغدره وانتقامه ممن أعاد للجيش المصرى قوته وعزمه.
اليوم، كأن سيد شهداء مصر، يرنو إلينا من السماء، بنظرة أمل وشد على عضد الرجال، موصيًا بالوقوف خلف جيشنا الباسل، فى ما اعتزمه من مشروعات لإعادة أمجادنا المجهضة، وفى حرب العصابات الوعرة، التى يخوضها ضد ميليشيا الإرهاب.
الدستور الأصلى فى مسقط رأس الشهيد.. وبين خلاّنه الغربية- مصطفى الشرقاوى: وُلد الشهيد عبد المنعم رياض فى قرية سبرباى، إحدى ضواحى مدينة طنطا، وبها ارتبطت صداقته وطفولته بأبناء أخواله السبعة، وهم أبناء محمد بك الخولى والد أم الشهيد، حيث كان لجده 5 أولاد ذكور وثلاث بنات منهن والدة الشهيد.
والغريب فى الأمر وهو ما أثر كثيرًا فى تربية عبد المنعم رياض، أن كل أخواله تلقوا تعليمهم فى أوروبا، خصوصا النمسا وفرنسا، وكان ذلك فى الربع الأول من القرن الماضى، وهو ما جعل بذلك المنزل آنذاك نوعا من الرقى العلمى، واحتل هؤلاء الأبناء مناصب مرموقة فى ما بعد فى الدولة المصرية.
وحينما كان عبد المنعم رياض فى المراحل الأولى لطفولته ودراسته الابتدائية كان قريبا جدا لخاله محمد أمين بك الخولى، وهو الذى تولى تربيته فى ما بعد، وكان له تأثير كبير فى حياة الفريق عبد المنعم رياض.
فى إحدى ضواحى القرية يقع المنزل الذى تربى فيه الفريق رياض، لا يزال يقف شامخا لم تعبث به السنوات، ولم تبدل معالمه ويكاد يبرهن على عظمة من عاشوا فيه وضمتهم حوائطه وأسوار حديقته العالية، الذى يعود بناؤه إلى أوائل القرن الماضى.
حسبما يقول الحاج محمد الخولى عمدة القرية، وابن خال الشهيد عبد المنعم رياض، الذى أشار إلى الغرفة التى كان يقيم فيها الفريق رياض مع والدته فى أعلى راية محمد بك الخولى جد الفريق رياض، ولم يكن يحيط به فى بداية الثلاثينيات سوى بعض منازل للفلاحين على بعد أكثر من 300 متر، وكان من يقف فى تلك النافذة يرى الريف المصرى الحقيقى، وفى مواجهة السراية يقع منزل الجامع الكبير، وقد بنى فى نفس السنة التى بنيت فيها، وتدل نفس العمارة الهندسية على كون تنفيذ البناء واحدا.
وأضاف الحاج جلال محمد أمين الخولى «كان الفريق رياض يحب أن يراجع دروسه من تلك الشرفة بعد عودته من كتاب القرية، ولم يكن عبد المنعم كثير الكلام، وكنت دائما أراه دائم التفكير، وكانت نظرته يبدو عليها التركيز فى ما أمامه، كأنه يخطط لشىء ما، وكنت دائما أقول له إن نظراتك ثاقبة ترى ما لا نراه، لكنه كان محبا لكل من حوله من أبناء أخواله، حتى حينما كان يتصل بى من عمله كان يطمئن على كل أبناء أخواله وأقاربه بالاسم، ولم يكن ينسى أحدا منهم ويسأل عن القرية وأحوالها».
أما المهندس شريف الخولى، وهو ابن ابن خال الفريق رياض، فاستعرض معنا صور بعض عائلة الفريق عبد المنعم رياض، فقال «سيرة الفريق رياض لا تكاد تفارق مجالس العائلة، كلما اجتمعنا معا، وكان كبار العائلة من أشقاء والدى يذكرون مدى علمه هو وأشقاؤه وأخواته من البنات»، مضيفا «محمد بك الخولى جد الفريق رياض كان يلقبه دائما بالقائد، وكانت أمه تشبهه بجدها سيد بك الخولى فى عظمته وكبريائه».
نبيل محمد أمين الخولى، ابن خال الفريق عبد المنعم رياض، الذى تولى والده محمد أمين بك الخولى تربية الفريق رياض، كان يشغل منصب عمدة سبرباى فى الفترة ما بين 1940 وسنة 1966، يقول «جد الفريق رياض لأمه أنجب 8 أولاد، هم المستشار محمد صادق الخولى بك والدكتور محمد كامل بك الخولى مدير عام مستشفى الأمراض العقلية، ومحمد طاهر بك الخولى وكيل وزارة التجارة والصناعة، والدكتور محمد عبد المغنى بك الخولى، دكتور مهندس، وكان يشغل منصب عميد كلية الهندسة، والخامس محمد بك صديق الخولى، ولقد توفى وهو فى العشرينيات من عمره، ووالدى محمد أمين بك الخولى العمدة، بالإضافة إلى ثلاث فتيات هن عائشة محمد الخولى والدة الفريق رياض وأختها فاطمة الخولى وأخت ثالثة».
نبيل الخولى الذى يصغر الفريق رياض ب9 سنوات، أضاف «والدى تولى تربية الفريق رياض وإخوته بسبب وجود والد الفريق رياض فى السودان، حيث كان يشغل الحاكم العسكرى هناك، وهو الأميرلاى محمد رياض. وكان محمد أمين بك الخولى يقول إن رياض سوف يصبح له شأن عظيم، فهو كان من صغره نبيها يتعلم بسرعة، وكان بارعا فى الصيد. تلقى رياض تعليمه فى السنوات الأولى من عمره فى كتاب القرية بجامع سيد بك الخولى جد والدة الفريق رياض، الذى كان من أكبر أعيان مديرية طنطا.
وكان يشغل منصب مدير أعمال الخديو إسماعيل فى الغربية، وكان له نفوذ واسع، وفى ذلك الجامع تعلم رياض اللغة العربية وحفظ عديدا من أجزاء القرآن الكريم، وكان ذلك الجامع يضم المسجد والمضيفة ودارا لتحفيظ علوم القرآن واللغة العربية، ولأنه لم يكن فى القرية آنذاك مدارس، فقد التحق رياض بالكتاب حتى انتقل إلى القاهرة فى السادسة من عمره، ونقله شقيقه محمود رياض لكى يكمل تعليمه فى القاهرة».
ويضيف نبيل الخولى «إن الفريق عبد المنعم رياض لم ينقطع عن زيارة القرية فى كل إجازاته وفى الأعياد بعد انتقاله إلى القاهرة، وكان ارتباط والدته بوالدى كبيراً جدا، وكان والدى يتصل بها أسبوعيا ويسأل عن أبناء عمتى وتعليمهم وعن الفريق عبد المنعم خاصة، لأنه كان يحظى بمنزله خاصة لديه».
ويحكى «فى إحدى رحلات الصيد، حيث كان الفريق رياض يحب الصيد ويتقنه، سألته لماذا لا تتزوج؟ فقال لى: أنا متزوج الحياة العسكرية، ولا أريد لها زوجة ثانية، وقال لى: بعد التقاعد سوف أجد قطعة أرض كبيرة لأزرعها وأعيش فيها، وكنت أراه دائما شامخا ولم أر دموعه سوى يوم وفاة عمتى عائشة والدته، وهى مدفونة فى القاهرة فى نفس مدفن الفريق الشهيد، وكان رياض يومها لا يتجاوز 35 عاما، وكانت رتبته رائدا، ولكنى رأيت قيادات كبيرة من الجيش فى مشهد الجنازة وظل عبد المنعم يبكى لأكثر من عدة أيام على فراقها».
وعن وفاة الفريق رياض قال نبيل الخولى «ميدان التحرير يومها كان مثل مشهد جنازة عبد الناصر تماما، وكان المشيعون يرددون نشيد «بلادى بلادى»، ولكن ما يحزننى أنه لا يوجد أى مكان فى الغربية ميدانا كان أو شارعا يحمل اسم الفريق رياض، رغم أن عبد المنعم وهب حياته لجيش مصر ولوطنه وكان عاشقا لمصر».