«الهوية الوطنية.. القومية العربية»، كلمتان تعبران عن معني واحد، ألا وهو الانتماء، والمقصود ليس هو الانتماء لفكرة الدولة فقط، وإنما يكون لكل ما يرتبط بتاريخ ووجدان وحضارة الشعب المنتمي إليه، وبالتالي فإنه لا يجوز الحديث عن انتماء الشخص لدولته وإهماله لما تأصل في ذاكرتها من صراعات وخلافات وحروب، فالمواطن المصري البسيط يعلم جيداً أن عدوه الأول والأخير هو الكيان الصهيوني ومن يدعمه، وبالتالي فإن كافة الجهات التي تقف ضد ذلك الكيان المستعمر هي صديق للمواطن المصري؛ كونها تدافع عن نفس الفكرة، وهي الوقوف ضد الخطة الصهيونية لاستعمار وتقسيم الوطن العربي، غير أن الفترة الماضية شهدت بعض التوترات السياسية والخلافات التي استغلها البعض للترويج لفكرة مقززة تتمثل في محاولة إقصاءالمواطن المصري خارج معادلة مقاومة العدو الصهيوني واستغلال ما يحدث على الساحة المصرية للعب على مشاعر المواطن البسيط وجعله ينفر من التضامن مع القضية الفلسطينية، وتوجيهه بعيداً عن عدوه الحقيقي «الكيان الصهيوني المحتل». محاولات طمس التاريخ.. مصر والقضية الفلسطينية وجهان لعملة واحدة لا يستطيع أحد أن ينكر الدور المصري الذي لعبته في الدفاع عن القضية الفلسطينية والتصدي للعدوان الغاشم من جانب الكيان الصهيوني المحتل، فقد قدمت مصر أكثر من 100 ألف شهيد و200 ألف جريح خلال حروبها من أجل فلسطين، أى ما يضاعف عدد كل شهداء الدول العربية مجتمعين، وذلك يعد الواجب الوطني والإقليمي لمصر باعتبارها منذ القدم نصير الضعفاء من أقرانها وجيرانها من الدول العربية والإفريقية، لذا فإن الحديث عن محاولة إقصاء مصر أو المواطن المصري عن المعادلة المتعلقة بمقاومة العدو الغاشم يعد ضرباً من الخيال. يقول محمد بسيوني، الأمين العام لحزب الكرامة، إن محاولات البعض إقصاء المواطن المصري خارج معادلة مقاومة العدو الصهيوني تأتي في إطار الصراع المستمر منذ 25 يناير بين الثورة ورجال الثورة المضادة، حيث نادت الثورة بالمقاومة ضد العدو الصهيوني وقطع كافة العلاقات معه، وتم حينها محاصرة سفارة الكيان المحتل، بالإضافة إلى المطالبة بإنهاء التبعية الأمريكية، وهو بالطبع ما أغضب أذناب النظام القديم من ساسة ورجال أعمال؛ مما جعلهم يلجؤون لتلك الحيل والحديث عن تأثر الأمن القومي المصري بالمشاركة في القضية الفلسطينية والمناداة بضرورة إنهاء الدور المصري والتركيز على شئوننا الداخلية. ويضيف بسيوني "ربما لا يعلم هؤلاء أن بقاء العدو الصهيوني يعد الخطر الأكبر إن لم يكن الأوحد على الأمن القومي المصري، فحينما شعر الكيان بالنهضة الاقتصادية التي كانت بها مصر خلال فترة الستينيات، حاول تدمير ذلك بالعدوان الغاشم على أراضي البلاد، وبالتالي فإن مقاومة ذلك العدو من أولويات الأمن القومي والحفاظ على استقرار مصر"، موضحاً أن المواطن المصري المعترف بهويته وقوميته يعرف عدوه ويطالب بتحرير الأراضي الفلسطينية من قبضته. وأكد أمين عام الكرامة أن كل من يدافع عن وطنه ويرفع حجرًا ضد العدو الإسرائيلي هو مقاوم وبطل يستحق الاحترام، كمأ أن أمن فلسطين من أمن مصر، وحماية حدود مصر الشرقية تبدأ بدعم قضية فلسطين؛ لأن كل محتل لمصر جاء من الجهة الشرقية، مطالباً القوى السياسية المدركة لحقيقة الوضع بالتكاتف لإيضاح الموقف والوقوف ضد التيار الفاسد. "شيزوفرنيا" الإعلام الخاص ما بين المطالبة بالوطنية والبعد عن القضية الفلسطينية إن وسائل الإعلام أصبحت جزءًا من حياة الناس، وغدت من إذاعة وتليفزيون وإنترنت وصحافة وغيرها ذات تأثير قوي في صناعة شخصية الفرد، وأصبحت هي الموجِّه الأول لفكر الفرد. وخلال الفترة الأخيرة قامت بعض الوسائل الإعلامية بمحاولة توجيه أنظار المواطن المصري بعيداً عن القضية الفلسطينية وفصله عنها، بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى مطالبة البعض بصورة واضحة وغريبة العدو الصهيوني بضرب قطاع غزة والقضاء على ما فيه من بشر، وهو الأمر الذي يتعارض مع تعاليم الديانات والحقوق والإنسانية، وهو ما يخالف التكوين النفسي للمواطن الذي نشأ على كره العدو الصهيوني والتعاطف قلباً وقالباً مع الشعب الفلسطيني والمقاومة ضد الاحتلال؛ مما ساهم في ظهور تشوهات في هوية المواطن برزت في التفاعل مع القضايا الوطنية الحالية. ويقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن الدور الإعلامي السلبي له أثر كبير في نفوس المواطنين وتغير نظرتهم للقضية الفلسطينية، فما يشاهده طوال اليوم من توجيه الإعلاميين لأصابع الاتهام لما يقع في مصر من أحداث ودمار إلى بعض التنظيمات المقاومة للعدوان الصهيوني جعله يدخل مرحلة الشك في أساس القضية، وهل هي دفاع بالفعل عن أرض ووطن وقومية عربية، أم مجرد تحركات تحكمها أهواء ومصالح شخصية. ويشير إلى أن محاولة إخراج المواطن المصري من هويته العربية ستنسحب على وطنيته وانتمائه للدولة، وسيجد من قام في وقت ما بمطالبة الشعب المصري بالعدول عن القضية الفلسطينية نفسه في يوم يقوم بدعوة الشعب إلى الرجوع والانتماء للوطن، ولكن حينها ستكون قد انكسرت الهوية العربية داخل المواطن، وسيصبح انتماؤه فقط لمصالحه الخاصة، والتي ستجعله يلازم من يحققها له، وهو ما سيساهم في تدمير الوطن. وتابع الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن "الأزمة بدأت منذ عام 2002، حين قام أهالي غزة بالنزوح الجماعي إلى مصر؛ نتيجة الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على القطاع والتدمير الذي لحق به، فحينها تمركز الأهالي بسيناء للهرب من الصراع الدائر، واستقروا بها؛ مما ساهم في توتر الأجواء بين مصر وفلسطين وقتها، حيث خرجت بعض الأصوات المنادية بتمكين أهالي غزة من سيناء مقابل إعطاء مصر الحكم على قطاع غزة، وهو الطلب الذي تقدم به الكيان الصهيوني لمصر وقوبل بالر فض. وشدد الاستشاري النفسي على أن القضية الفلسطينية تتعرض لمؤامرات عدة تحاول إنهاءها والقضاء عليها، مشيراً إلى أن حالة الانفصال بين الفصائل الفلسطينية تساهم في إضعاف المقاومة، وبالتالي القضية، مما سينتج عنه في النهاية الخضوع للكيان الصهيوين، وهو ما يجب علينا مقاومته وعدم السماح به. الكيان الصهيوني أجَّج الصراعات الداخلية ليشغل الجميع عن خطره شهدت البلاد خلال الفترة القليلة الماضية صراعات وتناحرًا بين القوى السياسية؛ للوصول لسدة الحكم وضمان الهيمنة على مقاليد السلطة، فلجأت تلك القوى إلى استخدام القضية الفلسطينية لمحاولة كسب قاعدة شعبية من جانب المصريين المتعاطفين مع القضية والمواطن الفلسطيني المقاوم للعدو الصهيوني، ولكن نتيجة للاستخدام السيئ من قِبَل تلك القوى للتعامل مع القضية أو للمغالطة في المعلومات التي وصلت للمواطن المصري البسيط، تم تصدير القضية الفلسطينية للرأي العام باعتبارها مسألة خاصة بمواطني فلسطين فقط ولا شأن للمواطن المصري بها، وقد تحولت كثير من القوى السياسية من الدفاع عن القضية الفلسطينية إلى الهجوم على الفصائل ومحاولة تفريق البعض عن القضية. ويقول محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن الصراع المصري مع الكيان الصهيوني أمر يتعلق بالأمن القومي، فالحقيقة التي لا يجب أن يتجاهلها كل مواطن واعٍ وعاقل أن العدو الحقيقي للوطن هو الكيان المحتل الذي يسعى دائماً إلى محاولة الهيمنة على المنطقة عن طريق زرع الصراعات والنزاعات الداخلية؛ لضمان انشغال الجميع بصراعاتهم ونسيان الخطر المحدق بهم، وهم الصهاينة. ويضيف زارع "للأسف أدى وقوع بعض الخلافات السياسية خلال الفترة الأخيرة إلى تحول بوصلة بعض القوى والأحزاب السياسية عن الدفاع عن القضية الفلسطينية، والتي تمثل الدفاع عن وجود مصر قبل فلسطين. فالعدو مشترك والهدف واحد، ولكن حديث البعض بأسلوب المن على الفصائل الفلسطينية بالدور الذي تلعبه مصر في القضية يعد خرقًا لوحدة الدماء والقومية والهوية، فهؤلاء لا يدركون أن مصر بدفاعها عن القضية الفلسطينية تدافع عن أمنها ووجودها بالمنطقة". وأكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أنه لا يستبعد ضلوع الكيان الصهيوني في الأزمات والخلافات التي وقعت بمصر والدول العربية التي قامت بها ثورات الربيع العربي؛ ليحيله خريفاً؛ رغبة منه في إنهاء كافة الفرص التي تقوي من التوحد الفكري العربي والنهضة السياسية والاقتصادية؛ لأن المحصلة لذلك ستكون انتباه الجميع للعدو الحقيقي الذي يهدد الوطن العربي بالمنطقة، وهو الكيان الصهيوني. اتساع فجوة الخلاف بين الفصائل الفلسطينية مشروع صهيو أمريكي.. والمحصلة إضعاف المقاومة "الاتحاد قوة".. كلمتان بسيطتان تعبران بطبيعة الحال عن الوضع المناسب لمواجهة المخاطر والمعوقات التي تعترض سبل تحقيق أهداف خاصة للدول. وبعض المنظمات كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإن كانت في بعض الأحيان لا تقدم جديدًا، إلا أنها تأتي في إطار خطوة من جانب الدول المؤسسة لها لحماية مصالحها المشتركة ضد كل ما يهددها. وبالنظر للقضية الفلسطينية فإن اتحاد كافة الفصائل الفلسطينية على قلب رجل واحد يفيد بتوحد المجهودات الخاصة بالمقاومة ضد العدو الصهيوني، وبالتالي زيادة الضربات الموجعة له على الصعيد السياسي والحربي، وهو ما يعلمه الكيان المحتل، ويسعي جاهداً لمنعه، ويساعده في ذلك بعض التصرفات من جانب الأنظمة العربية، سواء بطريقة مباشرة عن طريق الدعوات إلى تلميع فصيل دون آخر؛ لدب أواصر الخلاف فيما بينهم، أو غير مباشر برفض التعامل مع فصيل بعينه والحديث عن كونه يضر البلاد. ويقول باحث الشأن العربي ورئيس حركة "ثوار ضد الصهيونية" محمد عصمت سيف الدولة "إن أكبر ضربة قاضية وجهت للقضية الفلسطينية من الجانب المصري كانت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، والتي أعلنت تنازل مصر عن حق دفاعها عن القضية الفلسطينية والاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، مما جعل واجب الإدارة المصرية منذ حينها وحتى الآن المطالبة بشيطنة كل ما هو فلسطيني، وبالتالي انقلبت الأمور، فأصبح العدو صديقاً والحليف مستهدفاً". وتابع "للأسف الدولة المصرية لم تستطع التوصل إلى حقيقة أن المقاومة الفلسطينية رأس الحربة المصرية الموجهة في قلب العدو الصهيوني، وتمثل خط الدفاع الأول عن البلاد، وبالتالي فإن حركات المقاومة والفصائل الفلسطينية تعد الجندي المجهول بالقوات المسلحة المصرية، لذا فإن الدولة حينما تتخلى عنها، فإنها تتخلى عن جزء من خطوط دفاعها ضد العدو الصهيوني الذي يعد حائط الصد المانع لنهوض الدولة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا؛ لما سينتج عن ذلك من تهديد لوجوده بالمنطقة". وأكد رئيس حركة "ثوار ضد الصهاينة" أن الفصائل التي تدافع عن القضية الفلسطينية بقوة وحزم ضد الكيان الصهيوني والتي تجعله دائماً في حالة فزع وخوف كحركات "حماس" و"الجهاد" و"اللجان الشعبية" تعد هي الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني والقضية، مطالباً بضرورة إعادة تعبئة الرأي العام المصري والعربي لصالح الثوابت بأن الصراع الحقيقي هو الصراع العربي صهيوني، وأن الاهتمام بالقضية الفلسطينية ودعم المقاومة ضد الكيان الصهيوني المحتل هو السبيل الوحيد للنصر العربي.