السبب ارتفاع الأسعار وكساد السياحة وزيادة أجور "الصنايعية" الطن من 15 إلى 60 ألف جنيه.. وأزمة الدولار تضر بالمهنة الحكومة و"الصناعات المعدنية" تتهربان من مشاكل العمال تزخر القاهرة الإسلامية بالعديد من الأماكن الأثرية التى اشتهرت بالحرف اليدوية، وفي شارع المعز لدين الله درة تاج القاهرة الفاطمية بمساجده وقبابه وبيوته القديمة، اشتهر شارع النحاسين، الذي يمثل بذاته عالما متكاملا اختص بصناعة النحاس وتجارته جيلا بعد جيل، حتى بدأت أعداد الصانعين والعاملين به تتضاءل، وباتت تجمعهم المخاوف من اندثار تلك الحرفة التاريخية فى ظل عدم اهتمام من المسؤولين بها وبتطويرها، ربما لعدم إدراكهم للأهمية التاريخية والسياحية لها، وحتى أصبحت بحاجة إلى من ينقذها من الانقراض. تقول جيهان حمامة، صاحبة محل نحاس بالحسين، إن الإقبال على شراء المشغولات النحاسية أقل لابكثير مما كان عليه في السابق نتيجة للارتفاع الكبير في الأسعار، ووصل سعر تورناتة النحاس (1000 كيلو) إلى 60 ألف جنيه بعد أن كانت ب15 ألفا، وبالتالى تدهور حال الصناعة وقلت حركة البيع والشراء، إضافة إلى أن الأحداث التي تمر بها مصر منذ الثورة أثرت سلبا بشكل كبير. وأضافت، أن سعر النحاس الخام القديم كان منذ سنوات قليلة ب9 جنيهات للكيلو، وصل الآن إلى 45 جنيها، أما المشغولات فهى تباع بالقطعة على حسب حجمها، مشيرة إلى أن السوق يمر بحالة ركود الآن رغم أن هذا هو وقت الموسم السياحي، وبالتالي فأصحاب الورش لم يكسبوا كثيرًا منذ حوالي عامين بسبب ارتفاع يومية صناع النحاس نظرا لقلة أعداد المهرة منهم وصعوبة الصنعة، وقلة أعداد السائحين. السيد محمد سعد، صاحب محل، والشهير بأنه اقدم نحاس في المنطقة، قال إن المهنة قائمة على تشكيل خام النحاس سواء المحلى أو المستورد لاستخدامه فى صناعة الأوانى والتحف، وتعتمد على الدقة والمهارة والذوق الرفيع، بالإضافة إلى قوة الملاحظة في جميع مراحل التصنيع، وتعتبر خامة النحاس سواء المصري أو المستورد مادة لها طواعية في التصنيع وتعطي نتائج مبهرة وجميلة. وأوضح أن الزبون اليوم اختلف عن السابق حيث كان لديه حس مرهف وذوق عال ويختار المشغولات القيمة ويقدرها ولا يفاصل في ثمنها، ولكن زبائن هذه الأيام عدد قليل منهم هو الذي يفهم في النحاس ويقدر تعب الصنايعي ومجهوده، والغالبية تختار الرخيص وتلجأ للمنتجات الصينية، "ولكني لا أتعامل فيها رغم رواجها لأنها خالية من الإحساس وتفتقد للمتعة لكن من يفهم؟" على حد قوله. وأكد أن ما يزيد من الأزمة هو عدم الاهتمام نهائياً بطائفة الحرفيين فى مصر والنحاسين على وجه الخصوص، فمصر لا تصنع المادة الخام للنحاس، لذلك يضطر الحرفيون إلى استيرادها من الخارج بأسعار باهظة مما يرفع من سعر المنتج النهائى سواء على الحرفيين بوجه خاص أو على سوق النحاسين بوجه عام. فيما قال محمد حمامة، صاحب محل نحاس، إن تجارة النحاس انقرضت وخصوصا القديم منه الذى يندرج تحت بند الأنتيكات، أما النحاس الحديث فالإقبال عليه ضعيف نظرا لارتفاع أسعاره حيث وصل سعر الكيلو منه إلى 100 جنيه، كما أنه دخل فى الأسعار العالمية وارتبط بسعر الدولار ويتأثر بالسوق السوداء للدولار، وأشار إلى أن المنتج النحاسي له ذوقه وزبونه فلا يقارن بمعادن أخرى كالألومنيوم والاستنلس، فهى معادن مخصصة للاستخدامات المنزلية، أما النحاس فله بريق لدى هواته لأنه يستخدم كأنتيكات. محمد توفيق، صنايعي ورشة، يقول: ورثت هذه المهنة أبا عن جد ورأيت تطورها أمام عيني، وطوال الوقت كانت اليد الماهرة في هذه الحرفة تلقى التقدير العال وتحظى بدخل مرتفع نظرا لقيمة ما تنتج، مؤكدا أن المهنة تكاد تكون وراثية تتناقلها الأجيال ولا يدخلها آخرون لأنها مهنة شاقة تحتاج إلى صنايعي شاطر يبدأ العمل من سن 3 سنوات، أما الشباب في سن ال16 عاما الذين لم يتوارثوا المهنة فتكون مهتمهم البيع فقط، وتبلغ يومية الصنايعي بالنحاس 30 جنيها، أما البائع فعلى حسب كمية ما يبيعه في اليوم، وأكد أن العاملين يواجهون خطرا كبيرا بسبب المهنة، لأن تسييح النحاس وإعادة شغله أمر صعب، وقال: نحن نتقاضى أجرنا باليوم، ولا توجد نقابة أو جهه نتبع لها تؤمن علينا وعلى حياتنا. ومن جانبه، قال سيد عيد، مدير غرفة الصناعات المعدنية، سميت هذه المنطقة بحي النحاسين لأن تجار النحاس منذ العصر الفاطمي كانوا يتمركزون فيها لبيع وتصنيع أواني الطبخ والنجف وقدر الفول وصواني الطعام وأباريق المياه ومستلزمات المقاهي، والكثير من قطع الديكور المتنوعة ذات الاستخدامات المتعددة في القصور والبيوت ودور العبادة. وأوضح أن سعر النحاس مرتبط بالسوق العالمية وبالدولار، وليس للدولة دخل في ذلك، كما أن مشاكل العمال تعوق النهوض بالصناعة، لكن الغرفة ليس لها دور في إصلاح حالهم أو حل مشاكلهم، مشيرا إلى أن النحاس فن لا يقدره الكثيرون في الوقت الحالي.