أجبرت العقوبات الأوروبية روسيا على اللجوء لفتح أسواق جديدة، واستغل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" زيارته إلى تركيا مطلع ديسمبر الماضي، معلنا عن توسيع التعاون بين البلدين وتصدير الغاز الروسي لتركيا وعبر أراضيها من خلال توقيع اتفاقيات أبرزها خط أنابيب الغاز "السيل الأزرق". وعلى هامش الزيارة، تم توقيع ثماني اتفاقيات بما فيها للتعاون في مجالات اقتصادية متعددة، بالإضافة إلى توقيع محضر اجتماع مجلس التعاون الروسي التركي الحكومي المشترك للشؤون الاقتصادية والتجارية، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين وكالة الطاقة الروسية ووزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية في مجال الحفاظ على الطاقة والطاقة المتجددة. أشاد الرئيسان "بوتين" والتركي "رجب طيب أردوغان" خلال مؤتمر صحفي عقد بعد انتهاء أعمال مجلس التعاون الروسي التركي في العاصمة التركية أنقرة، بمتانة العلاقات بين البلدين مؤكدين ضرورة العمل على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما ليصل إلى مستوى 100 مليار دولار بحلول عام 2023 وصف الرئيس الروسي موقف الاتحاد الأوروبي من بناء خط أنابيب الغاز "السيل الجنوبي" بغير البناء، هذا وكان الاتحاد الأوروبي قد قام بتعليق تنفيذ هذا المشروع بحجة موقف روسيا من الأزمة الأوكرنية، وأضاف "بوتين" أن روسيا غير قادرة على بدء تنفيذ مشروع "السيل الجنوبي" في الظروف الراهنة، مؤكدا أن كميات الغاز المنتجة ستوزع على الأقاليم ومشاريع الغاز الطبيعي المسال الأخرى. يهدف مشروع "السيل الجنوبي" لنقل الغاز الروسي إلى جنوب ووسط أوروبا، عبر قاع البحر الأسود من دون المرور عبر دول الترانزيت مثل أوكرانيا، وفي تعليق للصحف العالمية والأوروبية على هذا الاتفاق، من جانبها، قالت وكالة "رويترز" إن مشروع السيل الجنوبي، البالغة كلفته 40 مليار دولار، أُلغي بسبب الأزمة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وأوردت تصريحا للمدير التنفيذي لشركة غازبروم الروسية" ألكسي ميلر" حول مد خط أنابيب جديد باستطاعة 63 مليار متر مكعب في تركيا، متسائلة عن مدى جدية بوتين بشأن "السيل الجنوبي". وأشارت الوكالة إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتبر مرور مشروع السيل الجنوبي عبر تركيا، التي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، "تكتيكا سياسيّا"، مضيفة أن اعتزام روسيا خفض سعر الغاز الذي تبيعه إلى تركيا "يزيد من الشبهات حول المشروع". بدورها، اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" قرار "بوتين" بشأن مسار مشروع السيل الجنوبي "مفاجأة"، وأنه أوقع أوروبا في وضع معقد، مضيفةً أن أوروبا ستبقى بحاجة إلى الغاز الروسي إلى حين العثور على موردين بدلاء. تتواصل تداعيات إبرام اتفاقيات الغاز التي وقعها الرئيسان، حيث قال"" جيرهارد رووس" رئيس شركة" أو إم في" النفطية النمساوية خلال لقاء تلفزيوني:" هذه الخطوة محزنة بالنسبة لأوروبا, لأن أوروبا بحاجة إلى الغاز الروسي, ولا يمكن لأوروبا أن تعيش من دون روسيا"، وأشار وزير الاقتصاد النمساوي"راينهود ميتليريرر" إلى حاجة بلاده لمعلومات رسمية فيما يخص المشروع, وقال:" أعتقد أننا بحاجة إلى إيضاحات بشأن المشروع حتى نستطيع حل هذه المشكلة". وكان الرئيسان الروسي "بوتين" والنمساوي "هنيز فيشر" قد وقعا في يونيو الماضي اتفاقية لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا "السيل الجنوبي" باستطاعة 32 مليار متر مكعب في السنة، وتتضمن بناء خط أنابيب تنقل الغاز الروسي من تحت البحر الأسود باتجاه أوروبا عبر بلغاريا، وكان من المقرر أن ينتهي بناء الخط قبل عام 2020، إلا أن الاتحاد الأوروبي عارض المشروع بذريعة أن سيزيد من إعتماد أوروبا على الغاز الروسي. ومن حيث تأثير الأتفاق على الأزمة السورية، أبدى معارضون سوريون مخاوف كبيرة من أن تكون نتائج الزيارة التي يجريها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى تركيا في غير صالحهم، محذرين من أن يتخلى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عن تعهداته السابقة في دعم المعارضة السورية مقابل صفقات مع روسيا. يتخوف المعارضون من أن ينجح "بوتين" في إقناع "أردوغان" بتبني المبادرة الروسية لحل الأزمة السورية، وهي مبادرة تقوم على ضمان بقاء الرئيس "الأسد" مع التركيز على معالجة مخلفات الحرب خاصة ما تعلق بوقف إطلاق النار وإعادة دمج اللاجئين، ولم يستبعد مراقبون أن يعدل الرئيس التركي بوصلة السياسة التركية على ضوء المصالح، خاصة أن له سوابق كثيرة في تغيير المواقف بشكل فجائي وبانتهازية مفضوحة. وأشار المراقبون إلى تغير دراماتيكي في مواقفه من أكراد العراق فبعد عداء تاريخي بسبب مخاوف من أن يشجع انفصالهم أكراد بلاده على المطالبة بالمثل، فإن أردوغان شجعهم على بيع النفط دون الرجوع إلى الحكومة المركزية على أن تكون بلاده قبلة هذا النفط، لافتين إلى أن دعم "أردوغان" للمعارضة كان الهدف منه تصعيد تنظيم الإخوان ليكون على رأس مؤسساتها، ومن ثمة يمكن للرئيس التركي التحكم في قراراتها وتوظيفها لربح مكاسب في مفاوضاته إقليميا ودوليا. تحاول تركيا إنهاء عزلة تعيشها أنقرة في منطقة الشرق الأوسط بسبب الحرب في سوريا وبعد سقوط حكم جماعة الاخوان المسلمين في مصر الذي أفقد أنقرة امتدادها العربي وبسبب تدخلاتها في بلدان الربيع العربي ساءت علاقتها مع غالبية الدول العربية لا سيما مصر والسعودية. في زيارة "بوتين" لانقرة لم يغير الرئيس الروسي موقفه الداعم لسوريا رغم استمرار "أردوغان" في كلامه التصعيدي المطالب برحيل الرئيس السوري، فالعلاقات المستجدة بين موسكووأنقرة في مجال الغاز والطاقة، ألغت خط الغاز القطري عمليا ولم تؤثر على الموقف الروسي من سوريا حيث بقيت دمشق في موقع استراتيجي حيوي لروسيا التي استخدمت حق النقض الفيتو ثلاث مرات مع الصين لمنع تدخل عسكري غربي في سوريا، وتعتبر سوريا والنظام الحاكم فيها خطا أحمر لن تقبل بالمساس به، وتأتي العقود الكبيرة بين روسياوتركيا علامة تغيير تركي كبير سوف يظهر بشكل واضح عند إتمام الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي الذي تدعمه موسكو المورد الجديد للغاز عبر الأراضي التركية.