شكلت لجمهور الطبقة الوسطي بديلًا فنيًا في مرحلة هيمنة "المهرجانات" حلمي بكر وصفهم ب "الشحاتين" و"معدومي الفن" و"غير معترف بهم" تحاصرها الشركات الكبري.. وتلاحقها نقابة المهن الموسيقية بغرامات كبيرة هل يفتح فنانو الاندرجراوند أبوابًا جديدة لحركة الغناء والموسيقي في مصر؟ وهل يمثل تيار الموسيقي البديلة، الذي يجد حاليًا صدي كبيرًا عند الشباب، مرحلة جديدة تخرج سوق الغناء من ازمته وتطرح عليه آليات جديدة للعمل. شهدنا في الربع الاخير لهذا العام اطلاق احدث البومات احد اهم اصوات هذا التيار، دينا الوديدي.. "تدور وترجع"، فيما يواصل كل من محمد محسن وفيروز كراوية العمل علي مشاريعهم الفنية، بعد تجارب متميزة لهما عامي 2012 و2013، ويتواصل حضور نجوم هذا التيار عبر اليوتيوب، المنافس القوي لسوق الإستماع التقليدي. وفي الشارع يواصل هؤلاء الشباب لعب ادوار مختلفة في حملات اجتماية وتوعية مختلفة، وتشارك دينا في مشروع دبلوماسية فنية للتقريب بين دول وادي النيل في اطار"مشروع النيل" الموسيقي، الذي اطلق العام الماضي ويواصل جولاته الفنية والتعاون بين فناني دول الحوض. ومن أهم أحداث العام للأندرجراوند تأسيس شركة إيقاع، إحدى ثمار تعاون الفنانين الشباب العرب، التي اسسها تامر أبوغزالة، مغنٍ وملحن وموزع موسيقى فلسطينى الأصل مصرى النشأة، وله تجارب تعاون مع فنانين من فلسطين والأردن ولبنان وتونس، وتستهدف الشركة الحفاظ على هوية فنانى الأندر جراوند فى مصر والعالم العربي، وتحقيق تعاون انتاجي بينهم كما في ألبوم المصرية مريم صالح واللبناني زيد حمدان. وأطلقت الشركة مؤخرا وكالة "المحرك"، كوسيط للفناننين المستقلين لايجاد انماط انتاج وتوزيع جديدة تتوافق مع طبيعة هذة الموسيقي المتنوعة، ويتوالي اطلاق مؤسسات مشابهة منها "ريتيون ستوديو"، وهي مساحة للإبداع الموسيقي أنشئت في وسط القاهرة للمساعدة على ترويج الإنتاجات الموسيقية الصاعدة. ورغم التحقق المتنامي للتيار، لم يستقر متابعوه على تسميته.. "مستقل" ام "بديل". الثاني يفضله بعض نجومه، ويظل الاسم الاشهر له "الاندرجراوند" نسبة الي فناني بريطانيين اطلقوا قبل اكثر من اربعة عقود مشاريعهم الفنية في مترو الانفاق، لذا حملوا اسمه، وسرعان ما انتقل لألمانيا وأمريكا وبقية أنحاء العالم. في مصر، يطلق المصطلح على الفرق المستقلة التى لا ترعاها الدولة أو أى جهة انتاج. ويتواصل الجدل بين فنانيه حول مفهومهم لتحديد ما يعتبر اندرجراوند ومن يدخل في سياق التيار السائد، هل وفقا للمضمون المقدم؟ ام لنوعية الانتاج وآلياته؟ حركة الاندرجراوند اعتبرها البعض تطورا لظاهرة الفرق الغنائية التي شهدت السبعينات والثمانينات عصرها الذهبي، مثل المصريين والفور ام والاصدقاء، وفى نهاية السبعينيات فرقة "واما"، وفى التسعينيات المشروع المتميز للفنان وجيه عزيز الذي احبطته آليات السوق وحرمتنا من المطرب والملحن صاحب الكلمات والالحان مصرية الروح والهم والمعني. لتشهد الالفية الجديدة تأسيس العديد من فرق الاندرجراوند كان اقدمها "وسط البلد -1999″ ثم تلاها "كايروكى" 2003، "بلاك تيما" 2004، "اسكندريلا" 2005، ثم يمتد المجال ليتجاوز عددها اليوم 300 فرقة، منها "بيانولا" "مسار إجبارى" و"بساطة" و"تقفيل مصرى" و"المحطة" و"المرايا" و"سيتى باند" و"مشروع كورال" و"سونى رحالة" و"ايجى ليونز فاميلى" و"حكايات" و"سلالم" و"لايك جيلى" و"شوارعنا"، وعدد منها صار نتاج اندماج اكثر من فرقة كما "عمدان نور". صعود تيار الاندر جراوند يأتي ليتكامل مع صعود تياري السينما والمسرح المستقلين، الذين فرضا وجودهما علي الساحة الفنية خلال العقد الاخير، خاصة في سنوات ما بعد ثورة 25 يناير، التي شهدت مرحلة جديدة من التطور بفرض اليات انتاج جديدة، منها مشروعات تعاون مع انتاج الدولة وان كانت ماتزال في مرحلة بلورتها، تتقدم حينا وترجعها البيرواقراطية المعتادة واطره الانتاجية المتكلسة للخلف مرات اكثر. موسيقي الاندرجراوند استطاعت ان تفسح لنفسها مجالا بين جمهور الشباب، وشكلت لجمهور الطبقة الوسطي "البديل المحترم فنيا" في مرحلة صعود موسيقي "المهرجانات الشعبية"، وتراجع انتاج سوق الكاسيت وتكلس المشروعات الفنية لنجوم الغناء وعدم قدرتهم علي مواكبة تطور ذائقة الجمهور الشاب، ومتطلبات جمهور يعيش حالة فوران ثورية. هكذا ظهرت مشاريع فنية كانت تبني بهدوء قبل الثورة خاصة دينا الوديدي ومحمد محسن، فيروز كراويه، مريم صالح، فيما حصر رامى عصام مشروعه في لقب "مطرب الثورة"وصوت الميدان الذي يغني هتافاته رغم انه بدأ قبلها باغنيات اجتماعية. وتواصل عدة فرق في حركة الاندرجراوند مشوار ما عرف بالاغنية البديلة، والتي صنعت نجومية الملك محمد منير، مثل كايروكي ومسار اجباري. وآخرى على هدى الاغنية المقاومة، التي صنعت الايقونتين الشيخ امام واحمد فؤاد نجم، كاسكندريلا وانا مصري، باختيارها كلمات والحان جديدة تتناغم مع اللحظة الراهنة، وظهر معهم جيل جديد من الشعراء الشباب: منهم مايكل عادل، احمد حداد، منتصر حجازي،حازم ويفي صفوت عبد الحليم، ومصطفي ابراهيم. كما ظهر جيل جديد من الملحنين والموزعين وغالبيتهم عازفين في الفرق ذاتها، واستعاد كثير منهم مدرسة سيد درويش الفنية، وطوروا نمط مشاركة الفريق في الكتابة والتلحين، والمطرب الذي يلحن او يكتب لنفسه، فكانت اغنياتهم اكثر قدرة علي التعبير والتأريخ لصوت الشارع المصري. وتلقف تيار السينما المستقلة حركة الاندرجراوند واحتضنها، وكان المخرج ابراهيم البطوط احد اكبر الداعمين لها بفيلمه"حاوي"، الذي اخذ اسمه عن اغنية شهيرة لفريق مسار إجباري، الذي انتقل الي مرحلة جديدة في مسيرته بعد الفيلم بقيام المنتج محمد حفظي من خلال شركته فيلم كلينك بانتاج البومهم "اقرا الخبر"، وقدمت فرق الاندرجراوند عدة افلام واعمال درامية اخري، وحتي في اعلانات من النوعية المميزة التي انتشرت بعد الثورة تحت رعاية شركات الاتصالات من خلال اغنيات مصورة تقدم رؤية ورسالة حول هوية الشعب مثل "علشان لازم نكون مع بعض"، كما اختير فريق كايروكي للمشاركة في (كوك ستوديو). ومن أبرز الداعمين لهم سينمائياً، المخرج احمد عبد الله بفيلمه "ميكروفون"، الذي انتج وعرض مباشرة قبل قيام ثورة يناير، ليوثق حركتهم في الاسكندرية، طالب الفيلم بحق هذه الفرق في مكان للعرض وفي الشارع وهوما حققته الثورة بعد ذلك حين صار الشارع حقا في "الفن ميدان"، قبل ان ينتهي هذا الامتياز كاحدي حلقات الارتداد علي مكتسبات يناير، ويعود خروج الفن للشارع مشكلة متجددة، وهو مكسب ضخما خسرناه اذا تذكرنا كيف كانت تمنع الفرق من تقديم حفلاتها في اخر لحظة بسبب المضمون السياسي لاغنياتها، كما حدث اكثر من مرة مع فرقة انا مصري "التي تقدم اغنيات للشيخ امام، وغيرها. كما شهدت الفرق تضييقًا آخر، خاصة في عروضها في المحافظات من المتأسلمين كما حدث لفرقة سلالم، وحتي في مركز ثقافي كساقية الصاوي رفع أحد أعضاء الحرية والعدالة دعوي ضده لتقديم قفرق تقدم موسيقي "الميتال" واتهمه باحتضان عبدة الشيطان، وظهرت أشكال أخرى من التضييق من نقابة المهن الموسيقية، أدت إلى إلغاء حفلات عدة فرق شبابية، بدعوى عدم عضوية أفردها في النقابة، وتحميل الفرق التي تعتمد على التمويل الذاتي غرامات لا تستطيع تحملها مقابل كل حفل يقيمونه. كما واجهوا رفضا آخر من كهنة الغناء فوصف الموسيقار حلمي بكر، في احدي تصريحاته النارية، فناني الأندرجراوند ب "الشحاتين"، و"معدومي الفن"، وغير معترف بهم. "الفن ميدان" كان أحد أهم التظاهرات التي قدمت الكثير من فرق الاندرجراوند وفنانيه المستقلين لخريطة واسعة من الجمهور، يضاف الي الجمهور التقليدي لهم من الشباب في ساقية الصاوي وغيرها، وفي ساحات جديدة/ قديمة، منها درب 1718، والتاون هاوس، والجيزويت، والمورد الثقافي، الذي كان مسرحه الجنينة أحد أهم منافذ هذه الفرق للاطلال علي جمهورها بشكل لائق، والذي جمد عمله في القاهرة قبل عدة أشهر على صدى الحملة على المؤسسات التي تتلقي تمويلًا. إصرار تيار الأندرجراوند على فرض وجوده، دفع دار الأوبرا، على فتح مسرحها المكشوف لها، وان بشروطها، لكنه كان مكسبا رمزيا، على أي حال، في طريق تقدم "الموسيقى المتمردة، نحو المركز.