المحارب المصري للفساد يكشف ل "البديل" أسرار "حيتان الصحراوي".. الحيتان عرفوا قيمة الأرض فاستحوذوا عليها.. ولن يخسروا الكثير بتغريمهم المليارات عن منتجعاتهم بلاغاتي لم تكلفني قرشًا واحدًا أو محاميًا أمام قضاء شريف.. وستعيد لخزينة الدولة 280 مليار جنيه على الأقل استراتيجية "محلب" كلام مكرر منذ 2007 .. ومبارك غضب من لجنة "درويش" بسبب جلال نديم تتحدث عنه الصحف كزميل مهنة، دون أن تعرف أن لقب المحارب المصري للفساد للعام 2014 حصده حسين متولى عن دوره ك "مواطن" أو "مُبلِّغ"، وليس عن عمل صحفي، فقد كانت إجراءاته في ملاحقة عدد غير قليل من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الذين استحوذوا على مئات الآلاف من الأفدنة بغرض استصلاحها على طريقي الإسكندرية والإسماعيلية الصحراويين، شوكة كبرى بظهر من قضوا على حلم مصر في الاكتفاء الذاتي من الغذاء وبنوا منتجعات وفيلات على حساب المصريين، تباع للأثرياء بالملايين ليقضوا داخلها "الويك إند". عمل المحارب المصري للفساد حسين متولي صحفيًّا بعدد من الصحف الخاصة والحزبية منذ عام 1999، وشهد تأسيس جريدة "البديل" عام 2007 مع رئيس تحريرها الراحل الدكتور محمد السيد سعيد، وكان سقفه داخلها أعلى في الدفاع عن المظلومين، إلا أنه تحول بكل مستند يمتلكه بعد ثورة يناير إلى "مُبلِّغ" عن الفساد، بدلًا من نشره وبناء مجد صحفي، لم يتوقع أن يعود إليه بعد أشهر وسنوات ليحصده بتكريم شعبي خالص. "البديل" حاور المحارب المصري في لقاء مفتوح من القلب.. لماذا كانت مستندات إدانة متهمين بالفساد مادة للإبلاغ عندك بدلاً من النشر؟ أعتقد أن الحدث التاريخي الذي عشناه جميعًا في يناير 2011 كشف لنا حقيقة واحدة، مفادها أننا أمام معركة شعبية ضد نظام ومنظومة، لهما من الثغرات القانونية ما يمكن لرجالهما الإفلات من العقاب، ومعركة يناير مع نظام مبارك انطلقت ضد منتهكي كرامة المواطن، من الموظفين العموميين داخل جهاز الدولة الاداري وجهاز الأمن، وبعد خطاب عمر سليمان بتنحي مبارك، أصبحت آمالنا جميعًا أعظم في استرداد أموال نهبها منتفعون وهربها إلى الخارج حاشية القصر، بخلاف ما استولوا عليه في الداخل وهو أكبر قيمة. هؤلاء حصدوا من أموالنا ما حرمنا تعليمًا جيدًا وعلاجًا مجانيًّا حقيقيًّا، وأفقد طبقات مستقرة من المجتمع توازنها، ونشر مستندات إدانتهم لن يحاكمهم، بل الإبلاغ بها عنهم وترك القضاء في مواجهتهم بعد تبصيره بحقيقتهم. كانت بلاغاتك ضد متهمين بالفساد أكثر تركيزًا على الأراضي، لماذا؟ لأن هؤلاء أدركوا قيمة الأرض وهي الشيء الأعلى سعرًا في مصر، والحصول على قرارات بتخصيصها ليس صعبًا إذا ما طالعت القوانين المنظمة لذلك، وتعامل جهات التخصيص مع مخالفاتهم عليها. تخيل أن فلاحًا تآكلت استحقاقاته الواردة بقانون الإصلاح الزراعي، وتضاءلت حيازته الزراعية بفعل الإرث وتقسيم الأرض أو البناء عليها، مهنته الأساسية الزراعة ولا يستطيع نيل 20 فدانًا لتتسع حيازته وتنتعش آماله في حياة أفضل لأسرته، بينما رجل أعمال يؤسس شركة تقول أوراقها إنها للاستصلاح الزراعي، يحصل على عشرات الآلاف من الأفدنة بقروش وجنيهات قليلة، ثم يخدع الدولة والشعب ويبني فيلات ومنتجعات ويقيم ملاعب الجولف عليها، ويحصل على المليارات من الأرباح. إنها أرباح تتجاوز الخيال وتفوق مكاسب التجارة غير المشروعة في أشياء أخرى، هؤلاء لا بد من ملاحقتهم واستعادة الأرض منهم أو إعادة تقييم أسعارها لهم. وما المخالفات التي ارتكبوها تحديدًا؟ ومن المسئول عن الصمت عليها طيلة هذه السنوات؟ قرارات التخصيص الصادرة لهؤلاء تستهدف قيامهم بنشاط الزراعة، ومسموح لهم ببناء نسبة 2 % فقط من المساحة التي يحصلون عليها، لإقامة منشآت تخدم أغراض الزراعة وفقط، وتغيير نشاط الأرض من زراعي إلى عقاري وسكني وسياحي يستلزم صدور قرار جمهوري بذلك، وهذا لم يحدث.، حتى وإن قامت لجنة فض منازعات الاستثمار بالتصالح معهم أو توفيق أوضاع مخالفاتهم، وتلك كانت معركتي في بلاغاتي ضد المسئولين عن هذا الفساد، من وزراء زراعة سابقين أو موظفين كبار داخل الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية. سنوات ما بعد الثورة شهدت اتهامات بالفساد للجميع طالت القضاء نفسه، فكيف تعاملت جهات التحقيق مع بلاغاتك؟ القضاء في مصر هو الحصن الأخير لحقوق وحريات المصريين، وبدلاً من إطلاق الاتهامات على المشاع لتطال قضاتنا، على المواطن أن يعي كيف يختار نائبه تحت القبة، الذي يوافق على تشريعات وقوانين يحكم بها القضاء. أعتقد أن مهمة القاضي تطبيق القانون، وحكمه هو عين الحقيقة، وقد قابلت قضاة تحقيق ومديري نيابة بالأموال العامة العليا، غاية في النزاهة، يتمتعون بحنكة وخبرة تمكنهم من استرداد أموالنا المنهوبة، بالداخل على الأخص، فهي الأقرب إلى أيادينا، لكنهم ينتظرون المبلغين وحملة أدلة الإدانة، ليصدروا قراراتهم وأحكامهم العادلة، ولا أظن أنني كصحفي وإعلامي نجوت من اتهامات على المشاع بالفساد وقلب الحقيقة، فالإخواني يراني وزملائي سحرة فرعون حسب وصف مرشده، والمواطن العادي يسخر من عملي ويتهمني وزملائي بتضليل الرأي العام والإثارة. لكن بلاغاتك تبدو لكثيرين وكأنها بلا ثمرة حقيقية، خاصة بعد تكرار فشلنا في استرداد أموال مهربة في الخارج؟ بلاغاتي لم تنتهِ. التحقيقات فيها كاملة، لكنها آتت ثمارها تمامًا فيما انتهت إليه تحقيقات تخص نحو 15 شركة من أصل حوالي 40، وتم التحفظ على أموال أصحابها ومنعهم من السفر، وإقرار غرامات عليهم للتصالح تجاوزت 15 مليار جنيه حسب المعلومات الواردة إليَّ مؤخرًا. والبيانات الرسمية لجهات التحقيق تؤكد ذلك، وآخرها قيام رجل أعمال برد مليون و450 ألف متر للدولة قبل أيام، وتسوية مخالفات هؤلاء أتوقع أن تنعش خزينة الدولة بمبلغ 280 مليار جنيه على الأقل في بلاغاتي، إذا ما تم تطبيق عقوبات "رحيمة" واردة بالقانون 119 لسنة 2008 الخاص بمخالفات البناء دون تراخيص على أرض غير مخصصة لأغراض السكن. أما الشعور بأن بلاغات المواطنين مثلي بلا عائد أو ثمرة، فيزيد بسبب محاكمات مبارك ورجال نظامه عن جرائم "جنائية" لا علاقة لها باسترداد الأموال في الداخل أو الخارج، وهنا لا بد وأن نفرق بين حديث إعلامي عنها وتحقيق قضائي حولها، فمبارك ورجاله لم تكن الأموال المهربة لحساباتهم في الخارج ستعود إذا أدانهم القضاء بقتل المتظاهرين. تقصد أن براءة أو إدانة هؤلاء في تلك القضية لا تلزم بلدانًا موقعة على اتفاقيات معنا بتجميد حساباتهم؟ بالتأكيد، فهذه البلدان الموقعة والمصدقة على اتفاقية مكافحة الفساد أو غسيل الأموال تنتظر أحكامًا بإدانة أي متهم، تثبت أن مبالغ محددة أو موجودة على أراضيها تم خروجها من مصر بطرق غير شرعية، أو نتيجة تجارة أو كسب غير مشروع، وبعض البلدان لها تحفظات على الاتفاقيات، تتيح لها مراجعات تلك الأحكام حال صدورها، كما أن خبراء كثيرين يؤكدون أن تلك الاتفاقيات "سياسية" تخص الحكومات، ولا تلتزم بها بنوكها وأجهزتها المصرفية قبل مراجعتها وقياس مدى تأثرها حال سحب هذه الأموال منها. وهل ترى أن استراتيجية مكافحة الفساد التي أعلنها رئيس الوزراء مؤخرًا ستسهم في استعادة هذه الأموال؟ لم أنتبه لألفاظ تكررت على مسامعي منذ 2007، يوم أطلق المهندس إبراهيم محلب استراتيجية حكومته لمكافحة الفساد، فهي قديمة ومستهلكة وورد بتقرير لجنة الشفافية والنزاهة عام 2008 الذي أخرجه منسقها الدكتور جلال نديم خبير مؤشرات مدركات الفساد العالمية، ما أهو أهم منها من أطر وآليات لمكافحة الفساد، وسبل دعم وتفعيل دور الأجهزة الرقابية، والتشريعات اللازمة لضمان استقلالها، وكذا القوانين المطلوب تمريرها لضمان حق الوصول إلى المعلومات وتداولها، وحماية الشهود والمبلغين، وإنشاء مفوضية وطنية وهيئات متعددة لمكافحة الفساد، وهو التقرير الذي ابتعد عن مسمى اللجنة "دعم الشفافية والنزاهة" الذي وضعه لها آخر وزير للتنمية الادارية الدكتور أحمد درويش. وأعتقد أن هذا التقرير أغضب مبارك ورجاله، وكان سببًا في تجميد اللجنة التي سعت إلى مصالحتهم بتقرير "ثالث" بدا باهتًا. كلامك يحمل يأسًا من إمكانية ملاحقة الفساد عبر الحكومات ذاتها؟ كيف تقنعني الحكومة بملاحقة الفساد وكثير من قطاعات أجهزتها غارق فيه، وانتقل فسادها ليستشري في مؤسسات خاصة ويطال طبقات متعددة من المجتمع. مسئول كبير هنا يتهم برشوة بالملايين، وموظف صغير يبتزُّك يوميًّا لإنجاز حقوقك داخل المصالح الحكومية، وتعمد حكومي لتوسيع الفجوة بين الطبقات منذ الانفتاح الفوضوي عام 1977 وحتى بعد التحول إلى النظام الرأسمالي الأكثر فوضوية، وبيع ممتلكات الشعب في صفقات مشبوهة، واصطناع أسعار احتكارية للسلع في سوق يصفونها زورًا بالحرة. أعتقد أن الحكومات المتعاقبة مسئولة عن إفساد الشخصية المصرية لأجيال يصعب علاج ضمائر كثيرين بها، وعلى رئيس الوزراء أن يعيد التفكير في نصائحه ووصاياه لشعب مصر، وأن يسد ثغرات ثوب أجهزة حكومته، ويحقق للغالبية العظمى الاستقرار والعيش والكرامة. أخيرًا هل ترى مؤسسات المجتمع المدني قادرة على ملاحقة المتهمين بالفساد؟ أعتقد أن كثيرًا منها أهمل ملاحقة رجال "منظومة" حكم مبارك في قضايا نهب أموال وأراضي وبيع شركات ومصانع، وتهريب أموال للخارج بالأخص. وتبدو نجاحات بعضها فردية منسوبة لأشخاص متمكنين قانونيًّا يقودونها، ودور المجتمع المدني الناشئ بوجهته الجديدة في مصر كان كبيرًا في توعية المصريين بحقوقهم وحرياتهم، لكن السبل للإيقاع بالمفسدين واسترداد الأموال منهم متعددة، وأهم خطواتها الإبلاغ المباشر من المواطنين عن هؤلاء، وجعل القضاء طرفًا أصيلاً في معركة لا يحكمها إلا القانون. البلاغات الحقيقية تعيد للقضاء دوره وثقة الناس به، والاختيار الصحيح للشخصيات القادرة على مراقبة ومساءلة الحكومة وسن تشريعات تحمي الحقوق والحريات والممتلكات العامة مهمة المواطن بالأساس. الثورة تعني القيام بهذا الدور، ولن تنجز أهدافها بغير هذه الإجراءات.