ينطلق تقدم الدول مع استيعاب القادة والنخبة لطاقات الشباب وإبداعاتهم، نعلم أنها مهمة ليست هينة، فتشكيل جيلًا بأسره على نهج وتفكير معتدل في ظل حالات التشدد والتعصب الفكري والديني اللذان يسودان العالم اليوم، أمرًا يتطلب استراتيجية واضحة ومحددة، علاوة على تكاتف جميع الأجهزة المعنية بالدولة لتحقيقها، خاصة أننا كمجتمع مصري تحتل فئة الشباب نحو 60% منه. على الصعيد الثقافي، لم ترض نتائج الواقع إدعاءات النخبة الثقافية وما تصرح به باستمرار عبر وسائل الإعلام المختلفة باحتضانها للشباب، وما تبذله من مجهودات لاستيعابهم، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى خبرات الكبار وتوجيههم، يتحجر فكرهم ويتوقف عند فترة زمنية معينة رافضة الاندماج مع جيل جديد له أسلوب أخر في الحياة، هذا ليس بالأحكام المسبقة أو المزيادات على النخبة الثقافية فلا مجال لذلك، في الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد، وما حدث خلال الأيام القليلة الماضية بين الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور- وزير الثقافة، وأحد الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة، كشف حقيقة استيعاب مفكري الدولة المصرية لمن دون ال35 عامًا. «اعتماد آليات جديدة للنشركطباعة الأعمال التأسيسية للفكر والثقافة المصرية والعربية بأسعار زهيدة وإتاحتها بكميات مناسبة للجمهور، إفساح الفرصة للشباب، إقامة معارض مصغرة لمكتبة الأسرة وتطوير فكرة المقهي الثقافي ليكون موجوداً داخل الكافيهات الشبابية»، أبرز ملامح المشروع الثقافي الذي تقدم به الباحث محمد ريان- عضو لجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة، للدكتور جابر عصفور، أغسطس الماضي، في إطار تطوير مكتبة الأسرة، ووافق عليه الأخير مع وعد ل«ريان» بتوليه إدارة المشروع وضمه للأسرة. «موظف صغير بهيئة الكتاب» هذا هو مبرر «عصفور» لإعفاء «ريان» من تولي إدارة المشروع، وهو ما اعتبره باحثنا إقصاءً متعمدًا للشباب من وزارة الثقافة، ما دفعه لتقديم استقالته، قائلًا: قضية تمكين الشباب شكليًا وتهميشهم فعليًا، من أهم القضايا التي تعاني منها الوزارة الحالية، فمن السهل علينا أن نسمع تصريحات مثل «أنتم وجه مصر الحقيقى وصناع المستقبل» و«الشباب شعلة التغيير وصُناع التاريخ»، وهي تصريحات في مجملها رائعة ومثيرة للتفائل، لكن في المقابل لا نجد ذلك متاحًا، والكل يعلم أن الوزارة تفتقد لاستراتيجية واضحة في التعامل معنا، فالشباب الذين يرأهم المسؤولين هم من تعدوا ال50، فلا يوجد مسؤول أو رئيس تحرير في «الوزارة» من ذوي الثلاثين أو بعدها بقليل، وبالتالي أرى أن الشباب يعملون في الوزارة بقوة الدفع الذاتي. لدى «ريان» مشروع آخر بجانب تطوير مكتبة الأسرة، وهو تطوير وتسويق المنتج الثقافي الذي ينطلق أساساً من الاهتمام بمجال التسويق الإلكتروني في قطاع الثقافة، إلا أنه هو الأخر لم يلق الدعم المطلوب، إذ يرى باحثنا أن كثيرًا من المشاريع الثقافية المستقلة تتوقف بسبب عدم وجود دعم من الوزارة، فهي بوضعها الحالي وزارة طاردة للشباب، ولا يوجد بها أمل لمستقبل ثقافي أفضل. يدعم «ريان» وجهه نظره بضرورة الاهتمام بمشروع الثقافة الرقمية وتطبيقها، بحالة الجدل التي تصدرت المشهد الثقافي منذ تولي «السيد ياسين» مسؤولية وضع استراتيجية وزارة الثقافة للفترة المقبلة، إذ يوضح باحثتنا: استراتيجية «ياسين» تعبر عن أزمة الثمانينات، وتتمثل في الصراع بين "الثمانينات عمرًا" ولهم الصوت الأعلى والغلبة في كل مؤسسات الثقافة المصرية، وبين "الثمانينات مواليدًا" وهم جيلي الذي لا يجد له مكانًا لائقًا وسط الكهنة، فصاحب الاستراتيجية يري أن ثورة 25 يناير "انقلاب سياسي وانفلات اجتماعي"، ولذلك لا جدوى من المناقشة معه أو إقامة أي حوار مجتمعي يقوم أساسًا على تلك النظرة لفكر وثقافة الشباب والثورة. لذا أرى ضرورة تقديم ملامح استراتيجية عصرية للثقافة المصرية، تقوم على اعتبار قضية المحتوى الثقافي والمعرفي والترويج والتسويق له على الانترنت هدف أساسي، خاصة أنه في حالة عدم وجود محتوي جيد أو حتى آخر هلامي غير ناضج، شيء سيعود بنتيجة سيئة على الجيل الجديد، فعلي الرغم من أهمية الشبكات الاجتماعية والإخبارية إلا أنها بدون صياغة جيدة وثقافة تقوم على أسس وأخلاقيات وحضارات المجتمعات تصبح ترسيخ لقيم مادية لا تضع مجالًا للإنسان وقيمه وطموحاته أو مستقبله الشخصي والمهني، ويجب أن نحقق التكامل المطلوب بين الثقافة والعالم الرقمي حتي نحقق أهدافنا في نهضة مصر والمستقبل الأفضل لكل الأجيال القادمة. احتلت «الثقافة الرقمية» قدرًا عظيمًا من اهتمامات باحثنا فأصدر «الصورة الرقمية و25 يناير»، «الإعلام الجديد»، «القراءة والثقافة الرقمية» وغيرها من المؤلفات التي تعزز هذا المجال بالأبحاث والدراسات، إذ يرى «ريان» أن هذا المشروع يمكن أن يقدم نتائج مرجوة في المجال الثقافي بل من الممكن أن يحدث تحولًا وحراكًا ثقافيًا كبيرًا في مقابل الأفكار التقليدية التي عفّى عليها الزمن، قائلًا: هناك خلل في البنية المعلوماتية بوزارة الثقافة، ولقد رصدت بعض أهم سلبيات موقع الوزارة الحالي وبقية مواقع الهيئات التابعة من خلال عملي، وتوصلت إلى غياب ملامح الإعلام الثقافي الجديد الذي يحتوي مقالات وتحليلات للأحداث الثقافية مما يساعد علي متابعته، كما أنه يفتقد للتفاعلية والديناميكية وهما من أهم سمات الإعلام الإلكتروني. يتابع «ريان»: ربط وتقريب المواطن البسيط بمجتمعه وهويته، هدف مهم من أهداف دراستي للثقافة الرقمية في بلد يعاني في الأساس من مشكلة أمية كبيرة، فحسب أقل وأحدث الإحصائيات التي ذكرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إن نسبة الأمية في الجمهورية 26% من عدد السكان عام 2013، وهناك برامج وتطبيقات تتوجه بالأساس إلى الأميين ومن لايجيدون القراءة والكتابة وتعتمد على النص والصوت والفيديو، ويمكن أن تسهم في رفع الوعي الثقافي لهؤلاء وإدماجهم في الحياة الثقافية والاجتماعية، والاستماع لمشاكلهم وأهدافهم الحياتية في سبيل مجتمع أفضل، حينها يمكننا التغلب على سياسة البرج العاجي والإقصاء التي يمارسها مثقفون عديدون. "القراءة هي مشروعي الثقافي الموجه بالأساس لفئة الشباب" هنا يكشف «ريان» بعدًا آخرا من مشروعه وطاقته، موضحًا: نعاني من إحصائيات مرعبة في القراءة، تشهد بها التقارير الدولية والمحلية، ففي الوقت الذي تشير فيه إحصائيات منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" إلى أن متوسط قراءة الفرد في المنطقة العربية بلغ 6 دقائق في السنة، أي ما معدله ربع صفحة سنوياً، مقابل 12 ألف دقيقة في السنة للغرب، كما كشف تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عن أن 88% من الأسر المصرية لا يقرأ أي من أفرادها أيًا من أنواع الكتب بخلاف الكتب المدرسية! مستقبل الثقافة العربية في رأي محمد ريان، ينطلق كما يقول من: المراهنة على وعي المتلقي وتشجيعه على الحوار والمناقشة والتفاعلية، وهي من أهم سمات الثقافة الرقمية بإنتاج وسائل ووسائط تسهل من وصول الرسالة الإعلامية وتحسن من صياغتها وأدواتها والقائمين عليها، وإضافة منتجين ومبدعين جدد عن طريق سهولة التعامل مع أدواته، تساعد على تبادل المعلومات بين الأشخاص وتعزيز النشاط والتفاعل بينهم.