خلال احتفال الولاياتالمتحدة بيوم قدامى المحاربيين الأمريكيين الثلاثاء الماضي، تذكر بعض المحاربيين زملائهم وأصدقائهم الذين راحوا ضحية الإهمال ودخلوا في طي النسيان، نتيجة المعاملة السطحية من قبل الحكومة، حيث كل 65 دقيقة تقريبا يتوفى أحد المحاربين، ليس بطريقة طبيعية ولكن بالانتحار. وفي هذا السياق، يقول موقع "جلوبال ريسيرش" البحثي، إنه من المؤسف عدم قدرة الولاياتالمتحدة على إنقاذ الجميع، فبحلول عام 2015، ستنفق الحكومة الأمريكية 55% من ميزانيتها على الجيش، بينما 5% على قدامى المحاربين. ويشير الموقع إلى أنه في هذه الأثناء، يعاني من 20 إلى 40% من قدامى المحاربين من أعراض اصابات في الدماغ، 30-50% من تلك الاصابات تعود إلى اضطرابات ما بعد الصدمة، كما أن نحو 30% من السيدات قدامى المحاربات تعرضن للتحرش الجنسي أثناء أداء الخدمة العسكرية، فبدلا من زيادة الانفاق لمساعدتهم في الشفاء من الإصابات، تهمل الحكومة معالجة الجنود الذين دفعوا ثمن حروبها الخاطئة. ويضيف الموقع الكندي أن كثير من قدامى المحاربين ضد الحروب التي خاضتها الولاياتالمتحدة خاصة الحرب على العراق في عام 2003، موضحا أن هناك تغيرات خطيرة في الثقافة العسكرية الأمريكية، بالإضافة إلى الطريقة التاي تهتم بها الأمة بأبتئها المحاربين. ويلفت "جلوبال ريسيرش" إلى أن قدامى المحاربين يعترفون بأنهم ليس الطرف الوحيد المتضرر من الحرب، ولكن أيضا البلد التي ذهبوا إليها، مثل العراق التي كسرت بعد التدخل الأمريكي، مؤكدين أن واشنطن شنت حربها ضد العراق ليس فقط في عام 2003، ولكن منذ التسعينات، وإلى الآن يعاني العراقيون من الملوثات البيئية والحرب الأهلية والقمع والعنف ضد المرأة، والكثير من أرث الغزو الأمريكي. ويوضح الموقع البحثي أنه رغم وصفهم بالأبطال من قبل المؤسسات السياسية ووسائل الإعلام إلا أن المشكلات لا تتوقف عن ملاحقتهم، حيث يواجه قدامى المحاربين معدلات فقر وبطالة مرتفعة، كما أن واحدا من كل تسعة محاربين يعيش تحت خط الفقر، و13% ممن عملوا في الجيش الأمريكي بلا مأوى، كما أن فرص العمل لدى المحاربين الذين خدموا في العراق أو أفغانستان ضئيلة، فوفقا لمكتب إحصاءات العمل، منذ أكتوبر 2013 واجهوا البطالة بمعدل 10%، مقارنة بنسبة 7.3% لعامة الشعب. بالنسبة لأولئك المحاربين العائدين إلى الولاياتالمتحدة فقد وجدوا عملا في شركة "وول مارت"، والتي تدفع لموظفيها أجورا متدنية، وبدعم من إدارة "أوباما" قرر الرئيس التنفيذي للشركة توظيف نحو 100 ألف محارب في السنوات المقبلة. ارتفعت نسبة الانتحار بين قدامى المحاربين بشكل ملحوظ، فوفقا لدراسة قامت بها الإدارة الأمريكية، وشملت الدراسة من عام 1999 إلى 2010، ومقارنة بدراسات سابقة أقل دقة، فإن تقديراتها أشارت إلى 22 حالة انتحار يوميا في الولاياتالمتحدة، و8 الآلاف حالة سنويا، وفقا للبيانات المقدمة من وزارة شئون المحاربين القدامى. وأشار الموقع إلى أن الاضطرابات النفسية تسيطر على قدامى المحاربين، خاصة أولئك الذين خدموا في العراقوأفغانستان، حيث إن 40% من الجنود العائدين من هذه الحروب مصابون ببعض الأمراض العقلية، مثل اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب، وتشمل الكوابيس والقلق والغضب والضيق النفسي. عدد كبير من قدامى المحاربين الأمريكيين بهم إصابات جسدية كالشلل، ووفقا لتقرير صادر من مؤسسة "هفنجتون بوست"، فإن 40 ألف محارب كانوا في العراقوأفغانستان مصابون بإصابات دماغية مرتبطة بالأفكار والأعمال الانتحارية. أصبح قدامى المحاربين الأمريكيين مدمنين على المخدرات بشكل واسع، حيث وقعوا ضحية بيئة اجتماعية سلبية، ووفقا للإحصائيات، وبعد إدخال القوات الأمريكية إلى أفغانستان، ارتفعت نسبة حجم الأدوية التي تحتوي على مادة الأفيون والتي توصف من قبل الأطباء العاملين في وزارة شؤون المحاربين القدامى إلى 270%. ففي عام 2009 فقط تم وصف ما يقارب 3.8 مليون وصفة طبية لأدوية تحتوي على مواد مخدرة وقوية. إحدى نتائج هذا العلاج أصبح ارتفاع عدد الجرائم المرتكبة من قبل المحاربين القدامى، ولمجرد أن تصبح الأدوية الأفيونية التي يصفها الطبيب غير كافية للمرضى فإنهم يحاولون الحصول عليها بأنفسهم باستخدام وسائل غير قانونية، لدرجة أن الأمر وصل إلى حد قامت به محاكم بعض المدن التي توجد فيها المستشفيات بتخصيص يوم محدد لقدامى المحاربين المجرمين. وبطبيعة الحال فإن مصير هؤلاء المدمنين محزن وغامض، فوفقا للمعلومات، فإن كل واحد من أصل ثلاثة يموت بسبب زيادة جرعة المخدرات، وهناك من يقضي حتفه عندما يقوم بخلط تركيبة قاتلة من المخدرات المتنوعة أو منهم من ينتحر. بالإضافة إلى أنه هناك واحد من أصل خمسة يموت إثر حادث سيارة. أما من بين الذين تم تشخيص حالتهم على أنها حالة اضطراب ما بعد الصدمة فإن الأرقام هنا أسوأ بكثير من الأسباب التي تم ذكرها آنفاً ويموت من هؤلاء 80 من المرضى. في حين تبين أن الجندي "جاستين لينغويس" البالغ من العمر 31 عاما الذي شارك في حملة العراق، أطلق النار على نفسه أمام النصب التذكاري للجنود الذين سقطوا في فورت هود، مع العلم أنه كان يعمل طبيبا عسكريا وأصيب بواسطة عبوة ناسفة. أما المحارب بول نوريس البالغ من العمر 24 عاما فقد توفي أثناء حادث في سيارته عندما كان يقودها بسرعة عالية بعد أن اصطدم بسياج منصف الشارع، وبرأي ذويه فإن نوريس فقد السيطرة على سيارته بسبب الذكريات التي تلاحقه ليل نهار حول مشاركته في الحملة العراقية. بدأ المجتمع يدق ناقوس الخطر، فقد وصف كبير خبراء علم الأوبئة في ولاية تكساس دنيس بيروتا الإحصائيات التي تم جمعتها على أنها هامة وخطيرة، في حين أشارت رئيسة لجنة شؤون المحاربين القدامى في مجلس الشيوخ "ليتيتسيا فاندير" قائلة: "هذه هي المعلومات التي كنا ننتظرها منذ وقت طويل". في حين أن الصمت يعم فقط ممثلي وزارة شؤون المحاربين القدامى مبررين أعمالهم بالقول أنه يصعب عليهم الحصول على معلومات حول أسباب موت كل محارب قديم. وهنا ليس من الواضح تماما هل أن تحول هؤلاء المحاربين القدامى إلى مجرمين يعانون من مرض الإدمان على المخدرات هو عبارة عن سياسة تتبعها الوزارة الخاصة بهم أم أن الأطباء يتبعون الطريق الأسهل بالنسبة لهم من أجل معالجتهم وذلك بواسطة وصف الأدوية القوية وعدم اللجوء إلى علاج مكلف يتطلب مهارة طبية معينة. الحقيقة تبقى كما هي، وهي أن "المدافعين عن الديمقراطية" في بلاد ما وراء المحيطات عندما يعودون إلى بلادهم يصبحون لا ضرورة لهم، ولا يبقى أمامهم سوى الانتحار أو الموت البطيء بسبب تناول جرعات من المخدرات في بلدهم الديمقراطي أمريكا.