تقول وزارة الدفاع الأمريكية، إن ما لا يقل عن 154 جنديا انتحروا عام 2012 أى بمعدل يساوى تقريبا واحد كل يوم، مما قد يشكل رقما قياسيا. ففى تقرير نشرته صحيفة ديلى ميل البريطانية قالت فيه إن حالات الانتحار بين الجنود الأمريكيين التى تصل هذا العام إلى معدل حالة يوميا أصبحت ثانى أسباب الوفاة فى صفوف الجيش، وهى تعتبر أسرع وتيرة لها فى الحرب التى تخوضها البلاد منذ عقد من الزمن.
حالات انتحار الجنود المتفرغين للخدمة فى أول 155 يوما من هذا العام، تفوق عدد الجنود الأمريكيين الذين سقطوا أثناء القتال فى أفغانستان بحوالى 50٪ وفقا لإحصاءات وزارة الدفاع الأمريكية، كما يعانى الجيش من تزايد الاعتداءات الجنسية، وإساءة استعمال الكحول، والعنف العائلى وغير ذلك من سوء السلوك.
وفى ندوة لبرنامج ديموقراسى ناو التليفزيونى تقول نيرمين شيخ: إن أسباب الزيادة فى أعداد المنتحرين ليست مفهومة تماما.. ولكن من بين التفسيرات، كما تشير الدراسات، التعرض لمخاطر القتال، والاضطرابات التى تنجم عن التعرض للإصابة أو الصدمات النفسية، وسوء استعمال العقاقير والأدوية، والمشاكل المالية الشخصية.
وتعطى بيانات الجيش الإيحاء بأن الجنود الذين أمضوا فى الخدمة عدة نوبات قتالية، أكثر تعرضا لاحتمال الإقدام على الانتحار، على الرغم من أن نسبة كبيرة من حالات الانتحار فى الجيش، ترتكب من قبل جنود لم يسبق لهم أن نشروا فى مناطق القتال.
ويقول أرون هيوز، المنظم الميدانى لحركة محاربون قدامى معارضون للحرب : فى كل يوم، ينتحر فى الولاياتالمتحدة 18 محاربا سابقا. وهناك 17٪ من الأمريكيين المحاربين فى أفغانستان يعالجون بأدوية مخدرة. كما تم تشخيص ما بين 20 و50٪ من الأفراد الذين يجرى نشرهم فى أفغانستان، بأنهم يعانون اضطرابات ما بعد الإصابة أو الصدمة النفسية، أو الاضطرابات التى تعقب الاعتداءات الجنسية أثناء الخدمة العسكرية. وفى الوقت الحالى، يتعرض للاعتداء الجنسى، ثلث النساء العاملات فى الجيش.
ويقول رون جلانتز مؤلف العديد من الكتب، والصحافى فى مركز الصحافة الاستقصائية إننا فى حالة حرب منذ 10 سنوات. ولم يسبق أن طلبنا من الناس الذهاب إلى الحرب بهذه الكثافة، ربما منذ الحرب العالمية الثانية. ففى فيتنام، كان الناس يخدمون نوبة واحدة، ثم يعودون إلى الوطن. وكان لدينا تجنيد إلزامى. أما اليوم، فإننا نطالب الجنود بالذهاب إلى الحرب مرة بعد مرة.. ولذا لدينا مليون شخص مازالوا يخدمون فى الجيش. وفى أفغانستان 90 ألف جندى يقاتلون فى تلك الحرب.. من أجل كل ذلك، ليس مستغربا أن يفوق عدد المنتحرين عدد من يسقطون فى ميادين القتال.
ويقول كيفن هاينز، الجندى السابق الذى كان قد حاول الانتحار بالقفز من جسر جولند جيت الذى يربط بين خليج كاليفورنيا والمحيط الهادى، إنه يحب العمل على خفض نسبة الانتحار، ويضيف : لقد أنفقنا حتى الآن أكثر من 720 مليار دولار على حرب العراق، وهذا الرقم يزداد كل يوم.. ونحن فى حاجة إلى أن ننفق جزءا من ذلك على الصحة النفسية فى الجيش. ففى بعض القواعد العسكرية يوجد طبيب نفسى واحد لكل 5: 10آلاف جندى وجندية. ويجب أن تكون تلك النسبة طبيبا لكل عشرة جنود، بحيث نستطيع تقديم العون المناسب إلى أولئك الأفراد، لكى يتمكنوا من البقاء فى الجيش، وأداء الخدمة على الوجه الأكمل، ويجب ألا نستمر فى تجاهل هذه القضية. وتشير نيرمين شيخ، فى تلك الندوة، إلى قول بعض المراقبين إن سبب ارتفاع نسبة الانتحار، يرجع إلى تثبيط الجنود عن الاعتراف بوجود أى نوع من المشكلات.
ولكن بونى كارول، الرئيسة المشاركة لوحدة منع الانتحار، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، تخالف هذا الرأى، وتقول إنها لمست نقلة ثقافية فى أجهزة الجيش المختلفة، فيما يخص التعامل مع مشكلة الانتحار. وتضيف: إن سلك مشاة البحرية أحدث تطويرا كبيرا فى أسلوب تدريب المجندين.. ففى الأسبوعين الأولين من تدريب المجندين، يقال لهم، إن الانتحار أمر وارد فى حياتهم العسكرية، وأنهم قد يجدون أنفسهم محاصرين بتحديات قد تؤدى بهم إلى اليأس والشعور بأن الموت هو المخرج الوحيد، ولكنه يقال لهم، إن عليهم فى هذه الحالة طلب المساعدة بدلا من الاستسلام لليأس.. وأن هذا ما يفعله المحاربون وما يفعله مشاة البحرية، ولا عيب فيه.
وتقول إن برامج التدريب هذه، أدت إلى انخفاض حالات الانتحار فى البحرية، بنسبة 10٪ ولكن أرون جانتز، يشير إلى عامل آخر من العوامل التى تؤدى إلى تصاعد الانتحار، وهو أن الجيش اعتاد على تسريح أولئك الجنود بسبب اضطراب شخصياتهم، بدلا من تسريحهم طبيا، وهذا يجعلهم غير قادرين على الاستفادة من الرعاية الصحية المطلوبة.
ويقول جانتز، إن هذه القضية بدأت تجد لها علاجا فى ظل إدارة أوباما ولكن، إذا كان الأمر كذلك - كما تقول نيرمين شيخ معترضة - وإذا كان ثمة مثل هذا التحول فى ثقافة الجيش فيما يخص المشكلات النفسية، فلماذا ارتفع معدل الانتحار إلى هذا الحد هذا العام، بالمقارنة مع عامى 2011 و2010 ؟
ويرد على ذلك، أرون جانتز، مشيرا إلى ازدياد عدد الجنود الذين أرسلوا إلى الحرب، وإلى عدم كفاية الموارد المتاحة للجنود العائدين، وكثرة مرات الخدمة، وإعطاء بعض المجندين العاملين فى أفغانستان، أدوية مخدرة تجعلهم غير قادرين على الاستجابة السليمة فى المواقف المختلفة.